آخر الأخبار

أحمد طالب الإبراهيمي: من جمعية العلماء المسلمين إلى وزارة الخارجية الجزائرية

شارك
مصدر الصورة

توفي الدبلوماسي والسياسي الجزائري أحمد طالب الإبراهيمي، أحد أبرز الوجوه السياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال، عن عمر ناهز 93 عاماً.

ووري جثمانه الثرى في العاصمة الجزائرية إلى جوار والده الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، أحد أعلام الفكر والإصلاح في البلاد وأحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وبرحيله، تفقد الساحة السياسية الجزائرية شخصية لعبت دوراً مهماً في مرحلة ما بعد الاستقلال.


*
*

وُلد الإبراهيمي في الخامس من يناير/كانون الثاني 1932 وسط أسرة محافظة في مدينة سطيف شرق الجزائر.

ولنسبه وزمن ولادته أثر كبير على مسيرته؛ فالجزائر كانت آنذاك خاضعة للاستعمار الفرنسي منذ عام 1830، وكانت فرنسا قد أحيت في عام 1930، قبل ولادة الإبراهيمي بعامين، الذكرى المئوية لاستعمار الجزائر.

وفي عام 1931، تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي سيكون لها تأثير كبير على حياته.

كان والده، الشيخ البشير الإبراهيمي، أحد أبرز رجال الدين المسلمين الذين قرروا الانخراط في العمل العام، فشارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين صحبة الشيخ عبد الحميد بن باديس، بهدف الحفاظ على القيم الإسلامية وإحياء الثقافة العربية.

واشتُهر مسار أحمد طالب الإبراهيمي في شبابه بارتباطه الوثيق بوالده، الذي لعب دورًا بارزًا في مقاومة الاستعمار. كما كانت مواقف الأب السياسية سببًا في وضعه تحت الإقامة الجبرية في عهد الرئيس هواري بومدين، حتى وفاته عام 1965.

عاش أحمد طالب الإبراهيمي أغلب فترة طفولته في مدينة تلمسان بغرب الجزائر، حيث كان والده مسؤولًا عن نشاط الجمعية.

وبحسب ما يذكر الإبراهيمي في مذكراته "مذكرات جزائري"، فقد أقنع الشيخ عبد الحميد بن باديس الإبراهيمي الأب بتسجيل ابنه في مدرسة فرنسية، لأن اللغة الفرنسية "ستساعدنا في الكفاح".

لكن الإبراهيمي كان يتردد أيضاً على مدرسة "دار الحديث" القرآنية.

لاحقًا التحق الإبراهيمي بكلية الطب في جامعة الجزائر العاصمة، ليكون واحداً من بين الطلاب الجزائريين الذين يشكلون نسبة قليلة تبلغ نحو عشر إجمالي عدد الطلاب في الجامعة، وفق ما جاء في مذكراته.

وخلال فترة دراسته الجامعية، شارك في تحرير جريدة "الشاب المسلم" باللغة الفرنسية، التي كانت تهدف إلى مواجهة "الاغتراب الثقافي" لدى قطاع من الجزائريين.

وفي عام 1954، الذي شهد انطلاق ثورة التحرير الجزائرية، انتقل الإبراهيمي إلى باريس لإكمال دراسة الطب، حيث انخرط في النشاطات الطلابية الداعمة لاستقلال الجزائر.

مصدر الصورة

وعن ثنائية الشرق والغرب في حياته، كتب الابراهيمي في مذكراته: "كنت دائماً أعتقد أن اللحاق والتقنية بركب الغرب الذي يهيمن علينا، يتطلب منا اكتساب العلم اللذين نفتقد إليهما، وبما أننا نعيش في عالم رسمت ملامحه تقنيات وأفكار وأنماط الغرب فإن وظيفة المثقف عندنا لا تتمثل في تقليد هذا النموذج ولكن في محاولة إدراك سر النجاح العلمي والاقتصادي والعسكري والسياسي الذي أحزره الغربيون ثم مساعدة بني قومه حتى يلتحقوا بركب الحضارة".

وأضاف: "وبالطريقة نفسها التي مهد بها بعض المستشرقين لاحتلال بلداننا أو يسروه، ينبغي لنا أن نعد جيشاً من المستغربين للإسهام في تحرير العالم الإسلامي، ومن ثم تطويره والرقي به، فهل سأكون واحداً من هؤلاء المستغربين؟".

وعن ميوله الفكرة في تلك المرحلة التي شكّلت أسساً لمسيرته في ما بعد، يقول الابراهيمي إنه أعجب بكتابات المفكر الفرنسي ألبير كامو في الصحافة، لكنه انحاز في جداله مع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر إلى هذا الأخير بسبب مواقفه المناهضة للاستعمار.

ومع ذلك، رفض اعتبار "الوجودية فلسفة إنسانية"، في مفهوم سارتر. التأثير الأعمق في شبابه كان للفيلسوف الفرسي إيمانويل مونييه، إذ وجد في فلسفة "الشخصانية" ما يعبّر بصفاء عن قناعاته "حول الدين، والطابع الروحي للثورة، الحوار مع الشيوعيين، ورفض الانضمام إلى معسكر أنصار المال". ويقول إن هذا التأثّر بموننيه "ترسّخ فيه حتى أصبح جزءاً من تكوينه الفكري والروحي"، خصوصاً أنه تمكّن من قراءة أعماله الكاملة خلال سنوات السجن.

وقد اعتقل الابراهيمي في السجون الفرنسية في الفترة ما بين عامي 1957 إلى 1961.

مصدر الصورة

وعن تجربة السجن يقول إن الحياة السجنية "جمعت بين الصرامة والانضباط والنقاشات الفكرية والسياسية، مدعومة بزيارات المحامين وقراءة الكتب العالمية". ويضيف أنه وبرغم الصعوبات، "ظل السجناء يحافظون على روح التضامن والأمل، معتبرين أن مصير الفرد يذوب أمام مصير الوطن".

بعد الإفراج عنه عام 1961، التحق بالعمل الدبلوماسي ضمن الحكومة الجزائرية المؤقتة، قبل أن يتولى مناصب وزارية بارزة بعد الاستقلال.

وشغل الابراهيمي منصب وزير التربية (1965-1970)، ثم وزير الإعلام والثقافة (1970-1977)، ولاحقاً وزير الخارجية في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد (1982-1988).

وفي انتخابات الرئاسة عام 1999، كان من أبرز المرشحين، لكنه انسحب مع آخرين احتجاجاً على ما اعتُبر "تزويراً وانحيازاً للمؤسسة العسكرية لصالح عبد العزيز بوتفليقة" الذي استمر في الحكم حتى إطاحته عام 2019 بفعل الحراك الشعبي.

وساند الابراهيمي الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية، داعياً المؤسسة العسكرية إلى الحوار مع المتظاهرين، وقد حظي الإبراهيمي بمكانة رمزية داخل الحراك، حتى أن صورته رفعت في بعض المدن كرمز للمرحلة الانتقالية.

وقد سارع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تعزية عائلته، وكتب في رسالته: "يتوفى الدكتور المرحوم أحمد طالب الابراهيمي، سليل بيت العلم والورع، وبرحيله تفقد الجزائر اسما مذكورا بحظوة ومكانة الشخصيات الوطنية ذات القدر المستحق والمكانة المرموقة... فلقد جمع الراحل خصال حكمة السياسي ورصانة المثقف ووطنية المناضل".

وكتبت عنه قيادة الحزب الإسلامي المعارض "حركة مجتمع السلم"، في رسالة تعزية، بأن الابراهيمي "كان رمزاً من رموز الفكر والسياسة والثقافة في الجزائر، ومنارة علم وحكمة، كما ساهم في خدمة وطنه بكل تفان وإخلاص، تجسدت فيه قيم الوطنية والعطاء التي ورثها عن والده محمد البشير الابراهيمي".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا