( CNN )-- من السابق لأوانه غض الطرف، لكن الضغوط بدأت تتصاعد تدريجيًا. حيث لا تزال دراما إغلاق الحكومة في بدايتها، حيث يلقي كل من الديمقراطيين والجمهوريين باللوم على الآخر.
وعلى الرغم من تفاقم المرارة الحزبية في واشنطن، لم يغير شيء المعادلة التي أدت إلى هذا المأزق: فقد رأى الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء ميزة سياسية أكبر في السماح بإغلاق الحكومة من إبقائها مفتوحة.
لكن بدت تتضح أولى المؤشرات، الأربعاء، حول التوترات السياسية التي ستُفكك في نهاية المطاف وحدة أحد الحزبين أو كليهما- سواء استغرق الأمر أيامًا أو أسابيع- لإنهاء الأزمة.
شهد اليوم الأول طرح استراتيجيات أولية حاسمة لساحة المعركة:
اتخذ البيت الأبيض موقفا قاسيا، مُهددًا بتسريح جماعي للموظفين الفيدراليين ووقف مليارات الدولارات من الأموال العامة لإذلال الزعماء الديمقراطيين.
في الوقت نفسه، أكد الديمقراطيون على مزاعمهم الرئيسية بأن ترامب سيجعل الرعاية الصحية أعلى تكلفة لملايين الأشخاص.
وترددت أحاديث عن مناقشات خلف الكواليس لإنهاء الإغلاق الحكومي في مجلس الشيوخ بين أطراف رئيسية في الوسط السياسي وهي ما تتضاءل باستمرار.
وظهرت بعض العلامات المبكرة للقلق بين بعض الجمهوريين البارزين بشأن تكتيكات ترامب الحادة.
ومع ذلك، يصعب التنبؤ بنتيجة هذه الأزمة، ويعود ذلك جزئيا إلى أن أمريكا لديها رئيس له تاريخ في تفجير كل شيء في لحظة، ثم يسعى فجأة إلى صفقة يمكن أن تقوض الخطط التي وضعها هو بنفسه بشق الأنفس.
وكما هو الحال دائما مع ترامب، تبدو الحسابات السياسية التقليدية مشوشة.
على سبيل المثال، صوّت الديمقراطيون، الذين يطالبون باستخدام الحكومة لخدمة الصالح العام، على إغلاقها فعليا باستخدام عرقلة مجلس الشيوخ بأغلبية 60 صوتا، ليلة الثلاثاء. وذلك بعد أن أمضوا 8 أشهر في اتهام ترامب بتدمير الجهاز الفيدرالي.
لكن الجمهوريين، الذين يكرسون جهودهم لحكومة أصغر حجما، صوّتوا على استمرار العمليات الفيدرالية. وكان من المربك بعض الشيء أن كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، تصر على أن "الشعب الأمريكي يُريد إعادة فتح الحكومة".
لعبة إلقاء اللوم ستكون حاسمة
يظهر التاريخ أن الحزب الذي يخطط للإغلاق الحكومي من خلال المطالبة بشيء ما مقابل التصويت لتمويل الحكومة غالبا ما يتحمل اللوم، وبالتالي الديمقراطيون قد يتحملون المسؤولية.
وفي هذه الحالة، ربما يكونون قد وقعوا في فخ كبير وبالغوا في تقدير نفوذهم بشكل كارثي. وذلك لأنهم، بإجبارهم على الإغلاق، استخدموا الحكومة كرهينة مجازيا لضمان تغييرات في السياسات ضد البيت الأبيض الذي قد يكون سعيدا برؤية الرهينة وقد تم إسقاطها.
ولكن إذا أدى الإغلاق إلى فوضى، فقد يكون ترامب هو المتضرر. إذا استمر الإغلاق لأسابيع وعرقل الخدمات العامة الحيوية، مثل أمن المطارات أو برامج التغذية الحكومية الرئيسية، فقد يرتد الشعور بخروج البلاد عن السيطرة على من يمتلكون كل السلطات- الرئيس والحزب الجمهوري في الكونغرس. وترامب بالفعل رئيس لا يحظى بشعبية، حيث بلغت نسبة تأييده 43% في استطلاع رأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع مؤسسة "سيينا" هذا الأسبوع، والذي أظهر تراجعا في شعبيته في كل قضية رئيسية باستثناء الجريمة، وتآكل ائتلافه لعام 2024.
أمضى الديمقراطيون اليوم الأول من الإغلاق الحكومي في محاولة لتوحيد اللوم ضد ترامب، وتعزيز مطالبهم بتمديد إعانات قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، المقرر انتهاء صلاحيته بنهاية العام. فهم يحاولون إقناع الرأي العام بأن ترامب يفضل إبقاء الحكومة مغلقة على تقليل الزيادات الكبيرة في أقساط التأمين.
وقال تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، لجون بيرمان من شبكة CNN : "إنه في الحقيقة إغلاق ترامب. اعتقد الجمهوريون أنهم يستطيعون دفعنا إلى الإغلاق لأنهم لا يريدون أن يحموا الرعاية الصحية للشعب الأمريكي".
وشكل هذا تغييرا في لهجة شومر، الذي تراجع عن حافة إغلاق سابق في مارس/آذار - وتلقى انتقادات لاذعة من الديمقراطيين النشطاء الذين هم في حاجة ماسة إلى أن يقوم حزبهم بمقاومة ترامب، بينما يقوم بأوسع عملية استيلاء على السلطة الرئاسية في العصر الحديث. والسناتور الديمقراطي من نيويورك لن يكرر نفس الخطأ مرتين. وقال شومر: "لقد أدركوا الآن أنهم لا يستطيعون التنمر علينا، ولا يمكنهم إجبارنا على الاستسلام".
وهناك احتمال أن يستمر الإغلاق لفترة طويلة، لأن بعض الديمقراطيين يعتقدون أن الظروف ستصب في مصلحتهم كلما طال أمده. وقال السيناتور الديمقراطي عن إلينوي، ديك دوربين، للصحفيين: "هذا النقاش سيتغير". وكان يشير إلى حقيقة أن ملايين الأمريكيين الذين يحصلون على رعاية صحية بموجب قانون الرعاية الميسرة سيتلقون قريبا إشعارا بارتفاع أقساط التأمين.
البيت الأبيض يلعب بحزم
لكن البيت الأبيض يسعى أيضا إلى زيادة سقف الألم. وحذرت ليفيت، الأربعاء: "نعتقد أن تسريح العمال وشيك. إنه، للأسف، نتيجة لهذا الإغلاق الحكومي". لم تسفر عمليات الإغلاق الحكومي السابقة عن تسريح جماعي للعمال، حتى مع منح إجازة مؤقتة للعمال، وعمل من أصحاب الوظائف الأساسية بدون أجر. لذا، فإن استخدام هذه الأزمة كمبرر للتسريح سيكون تصرفا غير مسؤول.
لكن هذا لن يكون مفاجئا، إذ لم تُظهر هذه الإدارة أي جوانب إنسانية كبيرة بتسريحها المفاجئ للعمال الفيدراليين، بينما كافأت داعمي ترامب من المليارديرات.
إن التطهير الفيدرالي الجديد من شأنه أن يُرضي أيديولوجيي الإدارة الذين يسعون إلى تفكيك الحكومة الفيدرالية. ولكنه سيكون أيضا محاولة لإظهار أن ترامب قادر على الإضرار بمصالح الديمقراطيين أكثر مما يستطيعون هم إلحاق الأذى به. ويبدو أن هذا هو الدافع وراء قرار مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، الأربعاء، بتجميد 18 مليار دولار من تمويل مشروعين رئيسيين للبنية التحتية، هما مشروع نفق هدسون ومترو أنفاق الجادة الثانية. ونيويورك ولاية يحكمها الديمقراطيون، وهي ببساطة موطن شومر وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفريز.
وقال الزعيمان في بيان: "يعامل دونالد ترامب العمال مرة أخرى كأضرار جانبية في حملته اللامتناهية من الفوضى والانتقام".
في هذه الأثناء، بذل نائب الرئيس جيه دي فانس قصارى جهده لتقويض وحدة الحزب الديمقراطي، مدركا أن الحزب الجمهوري لا يحتاج سوى إلى انتزاع أصوات حفنة من أعضاء مجلس الشيوخ من شومر لكسر عرقلة إقرار التشريع وتحقيق الفوز للحزب الجمهوري.
قال فانس: "في الواقع، لا أعتقد أن الإغلاق الحكومي سيطول لهذه الدرجة. هذا مجرد تخمين... لأنني أعتقد أنكم رأيتم بالفعل بعض الأدلة على أن الديمقراطيين المعتدلين بدأوا يتصدعون قليلا".
كما تطرق فانس إلى الانقسامات بين التقدميين والمؤسسة الديمقراطية. وقال: "لنكن صادقين بشأن السياسة... سبب إغلاق حكومة الشعب الأمريكي هو أن تشاك شومر يستمع إلى الراديكاليين اليساريين المتطرفين في حزبه لأنه يخشى خوض التحدي الأساسي".
كيف يمكن أن تكون الرعاية الصحية مفتاحًا لحل الأزمة؟
بينما كان ترامب وفانس يشددان الخناق، كانت هناك إشارة من التشجيع للديمقراطيين الذين يعتقدون أنهم قادرون على تغيير الحسابات السياسية. بدا رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون متحفظًا بعض الشيء بشأن عمليات التسريح الجماعي، حيث قال لمذيعة شبكة CNN ، دانا باش، في برنامج "إنسايد بوليتيكس"، إنه على الرغم من رغبته في تقليص حجم الحكومة، فإن "الأشخاص الذين تم تسريحهم حاليا من العمل هم موظفون فيدراليون أمريكيون مجتهدون".
وقال السيناتور كيفن كرامر، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية داكوتا الشمالية، لشبكة CNN إنه يأمل أن تكون التهديدات بالتسريح تكتيكا تفاوضيا. وأضاف كرامر: "هناك تداعيات سياسية، ربما تُسبب ردود فعل عكسية في الانتخابات". وأضاف أن عمليات التسريح الكبيرة قد تجعل من الصعب على أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين المعتدلين في مجلس النواب أن يتحدوا حول إعادة فتح الحكومة.
ومن الواضح أيضا أن البيت الأبيض يُدرك أن لديه ثغرة في نظام الرعاية الصحية، ويحاول إخفاءها بذريعة قضيته الأهم - الهجرة. وقد زعم الجمهوريون مرارا، الأربعاء، أن الديمقراطيين عجّلوا بالإغلاق لأنهم يريدون إجبار دافعي الضرائب على زيادة تقديم المزايا الصحية للمهاجرين غير المسجلين.
يريد الديمقراطيون تمديد الإعانات المالية لقانون الرعاية الصحية ( ACA ) وإلغاء التخفيضات في برنامج Medicaid الواردة في حزمة أجندة السياسة الداخلية لترامب. لكن وفقًا لـ CNN Fact Check ، لن يوفر أي من هذين التغييرين تغطية صحية للمهاجرين غير المسجلين.
وفي إشارة أخرى إلى الانزعاج بشأن الرعاية الصحية، أصر العديد من الجمهوريين، الأربعاء، على استعدادهم للتفاوض- ولكن ليس خلال فترة الإغلاق الحكومي. وقال دي فانس: "دعونا نعيد فتح الحكومة قبل أن نبدأ مفاوضاتنا حول سياسة الرعاية الصحية". وهذا أيضا موقف يؤيده زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثون.
ولكن مثل هذه الضمانات لا قيمة لها بالنسبة للديمقراطيين، الذين يُجادلون بأن الجمهوريين حرموا برنامج الرعاية الطبية ( Medicaid ) من موارده ورفضوا تمديد دعم قانون الرعاية الميسرة، مما لم يترك لهم خيارا سوى استخدام النفوذ. ولا يثق الديمقراطيون في الرئيس الذي استخدم سلطة مشكوكا فيها لإلغاء الإنفاق الذي أقره الكونغرس قبل فوزه بولاية ثانية.
ولكن هناك أيضا ضجيج كاف حول الرعاية الصحية ــ حيث يمكن لكلا الجانبين أن يأمل بالحصول على ميزة حزبية ــ للإشارة إلى أنه عندما يريد كل منهما إعادة فتح الحكومة، فإن هذه القضية هي التي ستشير إلى المخرج.