في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لندن- في مشهد بدت فيه العاصمة البريطانية وكأنها على موعد مع اختبار حقيقي لحرية التعبير، جلس أكثر من 1500 شخص أمس السبت في ميدان البرلمان، رافعين لافتات ورقية كتب عليها "أعارض الإبادة. أؤيد فلسطين أكشن "، في خطوة وصفت بأنها "تحد غير مسبوق" لقرار الحكومة بحظر حركة فلسطين أكشن وتصنيفها منظمة إرهابية.
وتأسست "فلسطين أكشن" عام 2020، وذاع صيتها من خلال الأنشطة التي نفذتها في بريطانيا، بعد بدء إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية بغزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعُرف عن المجموعة تنفيذ أنشطة لوقف الإنتاج في المصانع التابعة لشركات تتعامل مع إسرائيل، ومن أبرز أنشطتها ما نفذته ضد مصنع شركة " إلبيت سيستمز " الإسرائيلية للصناعات الدفاعية في مدينة بريستول، وقد أدى ذلك إلى تعطيل إنتاج الطائرات المسيرة في هذا المصنع.
ووراء الأرقام التي اعتقلتها الشرطة البريطانية من المتظاهرين وهم 150 مشاركا من ضمن المحتجين، قصص أفراد عاديين تحولت حياتهم رأسا على عقب، وستتحول بعد هذا الاعتقال إلى وصمة ربما تكون أبدية في سجلاتهم المدنية حيث تعتقل الشرطة الجميع بتهم مكافحة الإرهاب.
تواصلت الجزيرة نت مع عدد من المشاركين في هذه الحركة، بينهم مشاركون يفاجئون الشرطة كل فترة باعتصام مدني عام، وتقوم الشرطة باعتقالهم بموجب قوانين الإرهاب وذلك منذ 12 يوليو/أيلول الماضي، وتصاعدت الحملة في 9 أغسطس/آب لتصل الاعتقالات لعدد هو الأكبر الذي شهدته الحياة المدنية في بريطانيا منذ عام 1961.
من بين أبرز هؤلاء موظفة حكومية بريطانية (ك ك)، وبحسب شهاداتها للجزيرة نت فقد اعتُقلت وداهمت الشرطة منزلها وصادرت أجهزتها بسبب رفع لافتة، تقول "تم احتجازي 29 ساعة، ثم علق عملي، كتبت لرؤسائي أنني أرفض التعاون مع نظام إبادي فجاء الرد بأنني ربما أحتاج لفحص نفسي، أصبحت حياتي معلقة منذ 48 يوما بسبب لافتة من كرتون".
أما ريتشارد، المدرس وضابط الجيش السابق، فيرى أن ما يحدث امتداد لصفحات مظلمة من التاريخ "أعرف الإرهاب وجرائم الحرب، وما يُرتكب في غزة إبادة، بوصفي مدرسا للتاريخ أرى ملامح الثلاثينيات تعود، ولا يمكنني أن أقف متفرجا".
ومن جانبه، رفع ستيف ماسترز، ضابط سلاح الجو الملكي سابقا، لافتته من على كرسي متحرك، قائلا "خدمت بلادي دفاعا عن قيم العدالة. مؤلم أن أرى حكومة حزب العمال تساند دولة أبارتهايد".
أما كلوديا بينا روجاس (27 عاما)، التي اعتقلت أكثر من مرة، فتقول للجزيرة نت "هناك إبادة جماعية تُبث مباشرة أمام أعيننا، حكومتنا متورطة وتربح من بيع الأسلحة، بينما تصفنا نحن بالإرهابيين لأننا نرفع لافتة".
وثقت منظمات حقوقية عنف الشرطة بحق المتظاهرين، إذ أظهرت مشاهد أحدهم يخرج من خلف الحواجز ووجهه مغطى بالدماء، وفي السياق نفسه قالت منظمة العفو الدولية إن الاعتقالات تمثل خرقا للقانون الدولي، مؤكدة أن "تجريم رفع لافتة سلمية انتهاك خطير لحرية التعبير".
في المقابل، امتنعت الشرطة في إدنبرة وتوتنس وديري عن اعتقال المحتجين، وهو ما عمّق الانقسام بشأن شرعية القرار وطرق تطبيقه بين أسكتلندا وإنجلترا.
لكن شرطة العاصمة قدمت صورة مغايرة، ففي بيان صدر مساء أمس السبت، أكدت أنها اعتقلت أكثر من 425 شخصا، معظمهم بتهمة دعم منظمة محظورة بموجب قانون الإرهاب، فيما أوقِف 25 آخرون بتهم الاعتداء على الشرطة ومخالفات النظام العام.
وقالت كلير سمارت نائبة مساعد مفوض الشرطة في بيان اطلعت عليه الجزيرة نت، "خلال فترة ما بعد الظهر نشرنا أكثر من 2500 ضابط، معظم المسيرات مرت بسلام، لكن في احتجاج معين تعرض ضباطنا للضرب والركل والبصق، ومن غير المقبول أن يتعرض من يطبقون القانون لمثل هذا العنف".
وأضافت أن التكتيكات التي استخدمها المحتجون "هدفت إلى إنهاك النظام القضائي"، وختمت بأن الشرطة ستواصل عمليتها الأمنية.
في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ستنظر المحكمة العليا في طعن ضد قرار الحظر الذي اتخذته وزيرة الداخلية السابقة. الطعن تقدمت به هدى العمري، المؤسسة المشاركة لـ"فلسطين أكشن"، التي اتهمت الحكومة بـ"التلاعب الإعلامي لتبرير قرار غير قانوني".
القرار أثار جدلا في البرلمان بعد أن جرى دمج التصويت على الحركة مع منظمات نازية أجنبية، في خطوة وصفها نواب معارضون بأنها "خدعة سياسية" لتمرير الحظر دون نقاش منفصل.
ووصف 5 من المقررين الخاصين للأمم المتحدة القرار بأنه "سابقة خطيرة"، فيما حذر خبراء قانونيون من أن القضية قد تتحول إلى اختبار لمدى التزام القضاء البريطاني بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان .
وتواجه وزيرة الداخلية الجديدة شابانا محمود ضغوطا لإلغاء القرار، وسط تحذيرات من أن يتحول إلى أزمة شعبية تهدد شعبية حكومة العمال في وقت حرج.
وصرح المتحدث باسم حملة "دافعوا عن هيئات المحلفين" للجزيرة نت قائلا إن "الدولة لا تستطيع اعتقال الجميع، الحظر غير قابل للتنفيذ وهو هدر للموارد، القانون صُمم لمواجهة تهديدات حقيقية، لا لقمع احتجاجات داخلية".
وفي أسكتلندا، أسقط الادعاء قضايا ضد متظاهرين بدعوى مخالفة حقوق الإنسان، بينما حذر خبراء في أيرلندا الشمالية من "كارثة محتملة" على عمل الشرطة إذا جرى تطبيق القرار.
حرصت بعض المنظمات اليهودية مثل "أبناء الناجين من الهولوكوست" و"صوت يهود من أجل حزب العمال" على وجود للدعم أثناء الحملة الأمنية حيث رفض ممثل أبناء الناجين من الهولوكوست الادعاءات الإسرائيلية بارتكاب إبادة جماعية باسم اليهود ومن أجل الدفاع عنهم، مؤكدا أن لا مجال الآن سوى وقف المجزرة ووقف تواطؤ الحكومات الأجنبية مع إسرائيل.
وقالت نعومي إدريسي المتحدثة الرسمية باسم يهود من أجل حزب العمال إنها مدركة تماما للعواقب وراء هذا الاعتقال إلا أن عواقب الإبادة أبشع وأنها لن تستطيع أن تغض الطرف عن الإبادة الجماعية في غزة.
ومن بين المشاركين، تحدثت هارفي، وهي ناشطة يهودية مناهضة للصهيونية وقالت "أنا هنا لأن هناك إبادة جماعية، والحكومة البريطانية متواطئة بعمق في دعمها. من الجنون أن تُجرم مجموعة سلمية وغير عنيفة باعتبارها منظمة إرهابية".
وأضافت أن ما يحدث لا يحمي اليهود بل يعرضهم لمزيد من الخطر، لأنه يزيد الكراهية ويجعل الإسرائيليين أقل أمنا أيضا.
لم تقتصر الاحتجاجات على الشباب، بل شاركت شخصيات دينية ونقابية وفنية بارزة من ضمنها القسة سو بارفيت (83 عاما) التي صرحت للجزيرة نت "نحن نرى إبادة متعمدة، غاندي قال إن عدم التعاون مع الشر واجب، وهذا ما نفعله هنا".
أما الكاتب بول لافرتي، الذي اعتقل في إدنبرة بسبب ارتداء قميص كتب عليه "أوقفوا الإبادة"، فصرح "هذا ليس عصيانا مدنيا، بل واجبا مدنيا مستمدا من روح اتفاقية منع الإبادة".