فيما وقف اللبنانيون مجددا، الإثنين، في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، حاملين صور أحبّائهم، جاء خبر مفاجئ: المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بات قريبا من إعلان ختام تحقيقاته في القضية، بعدما كادت سنوات التعطيل والمماطلة أن تُطفئ آخر شمعة أمل.
اليوم، ومع انتهاء مراسم الذاكرة المؤلمة، يتحوّل الاهتمام نحو مستقبل العدالة: هل بدأ أخيرا مسار المحاسبة؟ وهل يكون القرار المنتظر نهاية العام محطة حقيقية في وجه الإفلات من العقاب، أم خطوة جديدة في مسرح طويل من التسويف السياسي والقضائي؟
وبالتزامن مع الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، جدّدت منظمات حقوقية دولية، انتقاداتها لمسار التحقيق.
"على مشارف ختم التحقيق"
وفي السياق، كشف المحلل في الشؤون القضائية يوسف دياب لموقع "سكاي نيوز عربية" أن القاضي البيطار أصبح على مشارف ختم التحقيق، بعد سلسلة طويلة من الاستجوابات وجلسات الاستماع المكثّفة، خصوصًا في الأشهر الأربعة الماضية.
وقال دياب: "كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح. التحقيقات أُنجزت، ومن المتوقع أن يُحال الملف إلى النيابة العامة التمييزية بعد استكمال الإجراءات الشكلية، وتلقي الردود على الاستنابات القضائية المرسلة إلى عدد من الدول، منها فرنسا".
وأشار إلى أن هذه الردود ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان البيطار سيختم التحقيق فورًا، أم سينتظر بتّ الدعاوى المقامة ضدّه أمام محكمة التمييز. وأضاف: "نحن اليوم على مشارف نهاية التحقيق، والملف بات قاب قوسين أو أدنى من الإقفال، بعد خمس سنوات على الجريمة".
وأوضح أن البيطار "يعمل حاليًا على دراسة محاضر الاستجوابات الأخيرة، وهو أمام خيارين: إمّا ختم التحقيق بالوضع الحالي وإصدار القرار الاتهامي في مهلة أقصاها نهاية العام الجاري، أو التريّث إلى حين صدور قرارات محاكم التمييز بشأن الدعاوى المقامة ضدّه".
وشدّد دياب على أن "استئناف التحقيق جاء نتيجة مباشرة لتعهد رئيس الجمهورية الجديد، جوزيف عون، بدفع عجلة التحقيق إلى الأمام، وتفكيك العقد التي كانت تعرقل الملف"، مضيفًا أن "الثمرة الأولى لذلك كانت استئناف التعاون بين النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار والمحقق العدلي".
"خطوات حاسمة لكسر الحصار القضائي"
تقول المحامية سيسيل روكز، شقيقة إحدى ضحايا الانفجار، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن المحقق العدلي استأنف تحقيقاته مطلع فبراير 2025 بعد تأجيل فرضه العدوان الإسرائيلي في أواخر 2024.
وتوضح أن البيطار اتخذ خطوات حاسمة لكسر الحصار القضائي المفروض عليه، من خلال تبليغ المعنيين بالجلسات عبر المباشرين المدنيين، وذلك بعد أن رفضت الضابطة العدلية التعاون معه في السابق، بناءً على قرار صادر عن القاضي غسان عويدات، جرى لاحقًا إلغاؤه من قبل القاضي جمال الحجار.
وتؤكد روكز أن جميع الذين تم استدعاؤهم حضروا جلسات الاستجواب، باستثناء غازي زعيتر وغسان عويدات، اللذين اعتُبر تغيّبهما تخلفًا قانونيًا، كون التبليغ تم حسب الأصول.
وتشرح أن التحقيق سار بثلاثة مسارات متوازية: خارجي يتعلق بمصدر وملكية شحنة النيترات، وداخلي يتعلّق بمسؤولي المرفأ والسياسيين والأمنيين الذين سهلوا التخزين، وأمني ـ تقني لتحليل طبيعة الانفجار وما إذا كان عملًا عدائيًا أو نتيجة إهمال.
وتضيف: "البيطار ينتظر ردودًا من ست دول عربية وأوروبية حول أسئلة مرتبطة بالمسار الخارجي. وعندما تصل هذه الردود، يتوقّع أن يُصدر القرار الظني قبل نهاية عام 2025".
وتختم روكز برسالة باسم أهالي الضحايا: "لم نفقد الأمل، ولن نتخلى عن حقنا في معرفة من دمّر بيروت ومن قتل الأبرياء في منازلهم. هذا التفجير لا يمكن السكوت عنه أو لفلفته، ويجب أن تكون نقطة فاصلة لإنهاء الإفلات من العقاب".
وجع الأهالي لا يهدأ والغضب لا يخفت
في ساحة الشهداء، وفي محيط المرفأ، تجددت الأصوات المطالبة بالحقيقة والعدالة. عائلات الضحايا والمصابون خرجوا حاملين نعوشًا رمزية وصور من رحلوا، يرددون شعارات تُدين "دولة النسيان" و"قضاء التعطيل".
بعض المشاركين كتبوا على صدورهم أسماء أبنائهم، وعلّقوا على جدران الحداد شهادات حيّة تروي ما فعله انفجار 4 أغسطس في لحظة واحدة. وعلى الرغم من مرور خمس سنوات، لا يزال الغضب على وجوه الناس كما كانت يوم الانفجار، بل أشد.