آخر الأخبار

هل تحولت السويداء إلى بوابة للتدخل في الشأن السوري؟

شارك
دروز عند الحدود مع سوريا في الجولان

في تطور نوعي قد يُعيد تعريف قواعد الاشتباك الإقليمي، قصفت إسرائيل أهدافا حساسة داخل سوريا، شملت قصر الرئاسة في دمشق ومقارا لوزارة الدفاع.

وفي وقت رُفعت فيه وتيرة الخطاب السياسي والعسكري الإسرائيلي، نُقلت وحدات من الجيش من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية، بالتوازي مع تصعيد إعلامي يستحضر ملف الأقليات، وعلى رأسها الطائفة الدرزية، بوصفه مبررا للتدخل.

لكن خلف هذا الغطاء "الإنساني"، تبرز أسئلة محورية: هل باتت إسرائيل ترى في الجنوب السوري ساحة نفوذ مباشرة، وهل تحولت السويداء إلى بوابة لتدويل جديد تحت مسمى "حماية الأقليات"؟

من الجنوب إلى العاصمة.. خارطة القصف تتسع

بدأ التصعيد الإسرائيلي بسلسلة من الغارات استهدفت مواقع عسكرية في درعا وريف دمشق، قبل أن تصل نيرانها إلى قلب السويداء، المدينة التي تمثل عمقا روحيا واجتماعيا للطائفة الدرزية في سوريا.

وأعلن الجيش الإسرائيلي استهداف دبابات وشاحنات ثقيلة قال إنها كانت "في طريقها لمهاجمة المدنيين الدروز".

أما وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فقد صرّح بوضوح أن "زمن الرسائل في دمشق انتهى"، متوعدا بـ"ضربات مؤلمة".

عبور غير مسبوق.. الدروز بين الجبهتين

المشهد تعقّد أكثر مع عبور عدد من الشبان الدروز من الجولان إلى الداخل السوري، في ظاهرة لم يمنعها الجيش الإسرائيلي، بل بدا متساهلا تجاهها.

ويُفهم من هذا التساهل رسالة مزدوجة، إذ تمثل دعما ضمنيا لتحرك درزي يتجاوز الحدود، واستثمارا في لحظة انقسام داخل الطائفة نفسها، بين الولاء للدولة السورية والارتباط المدني بالمؤسسة الإسرائيلية.

هل الأقليات ذريعة أم رافعة استراتيجية؟

رغم نفي عضو الكنيسيت الإسرائيلي السابق غدير كمال مريح أن تكون إسرائيل "تتذرع بالأقليات"، معتبرة التدخل "واجبا أخلاقيا"، إلا أن هذا الخطاب لا يُقنع جميع المراقبين.

وتحدثت غدير في مداخلة ببرنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية" عن "مجازر غير مسبوقة ضد الأقليات في سوريا"، مستعرضة ما سمته "وقائع تطهير عرقي" ضد العلويين، المسيحيين، الأكراد، والدروز.

غير أن توقيت هذا الاهتمام، وربطه بتصريحات استراتيجية عن "تفكيك سوريا الموحدة"، يطرح تساؤلات حول الهدف الحقيقي من التدخل الإسرائيلي في السويداء.

الزعامة الدرزية.. بين الموقف السوري والانقسام الإسرائيلي

داخل الطائفة الدرزية، تبدو الصورة أكثر تعقيدا:

- في إسرائيل، دعا الزعيم الروحي موفق طريف إلى التدخل لحماية دروز سوريا، وتعهّد آلاف الشبان بالانضمام لما سموه "واجب التضامن القومي".
- في سوريا، فالموقف أكثر حذرا، حيث لم يظهر الزعيم الدرزي حكمت الهجري تأييدا واضحا لوقف إطلاق النار، وصرّح بأنه "أُجبر على التهدئة"، رافضا تسليم السلاح، ومؤكدا أن "سوريا وطن لكل أبنائه".

هذه الثنائية تعكس انقساما وجوديا داخل الطائفة، وسط استقطاب سياسي وجغرافي متزايد.

التدخل الإسرائيلي: أبعاد أمنية تتجاوز الرواية الإنسانية

رغم الطابع الإنساني الظاهري، تحمل التصريحات الإسرائيلية إشارات واضحة إلى أهداف أوسع:

- إحكام السيطرة على العمق الأمني في الجولان.
- إعادة توجيه هوية الطائفة الدرزية في الداخل الإسرائيلي نحو ارتباط أمني – سياسي بإسرائيل.
- منع تموضع أي قوات تابعة لإيران أو فصائل متطرفة في الجنوب السوري.

وفي هذا السياق، تحدثت غدير عن "لقاءات إسرائيلية سورية سرية"، ما يعكس وجود قنوات اتصال خلفية، رغم غياب نتائج دبلوماسية واضحة.

وأشارت غدير إلى أن "سوريا لم تعد دولة موحدة"، واصفة الوضع بـ"الفوضى المنظمة التي تتحكم فيها ميليشيات شيشانية وأفغانية".

وأضافت: "لم يعد الصراع سوريا داخليا بل أزمة إنسانية وإقليمية".

ويتماشى هذا الخطاب مع سياسة إسرائيل الجديدة، التي يمكن تلخيصها بمبدأ: "لا صبر على أي تهديد"، ويؤكد تحول العقيدة الأمنية الإسرائيلية من "الردع" إلى "المبادرة" و"الاختراق".

بين الحماية والمصالح.. أين تقف إسرائيل؟

الخطاب المزدوج الإسرائيلي — الإنساني من جهة، والاستراتيجي من جهة أخرى — يكشف تحركا مدروسا يخدم مصلحة إسرائيل على عدة مستويات:

- إعادة تموضع في المشهد السوري دون الاصطدام المباشر مع روسيا أو إيران.
- احتواء تداعيات فوضى الجنوب السوري قبل أن تصل إلى الحدود.
- استخدام الورقة الدرزية كمدخل لتكريس مناطق نفوذ جديدة.

السويداء.. إلى أين؟ تدويل ناعم أم احتواء دولي؟

في ظل تنامي الضغط الداخلي والخارجي على النظام السوري، يبدو أن السويداء دخلت مرحلة ما يمكن وصفه بـ"التدويل الناعم"، فهناك تدخلات دولية غير معلنة تُمارس عبر أدوات إنسانية، وأدوات محلية من الداخل السوري نفسه.

ومع تنامي الطرح الإسرائيلي داخل المؤسسات الغربية بأن "سوريا لم تعد قادرة على حماية أقلياتها"، يبقى احتمال تدخلات دولية أوسع قائما، سواء بشكل مباشر أو عبر دعم مجموعات محلية.

هل ما زالت سوريا تمسك بزمام سيادتها؟

السويداء اليوم ليست مجرد ساحة اشتباك محلي، بل نقطة ارتكاز لمعادلة إقليمية جديدة.

فهل تتحرك الحكومة السورية لإعادة ضبط الإيقاع داخل حدودها، أم أن حدودها نفسها باتت تحت وصاية غير معلنة؟

والسؤال الأهم يبقى مفتوحا: هل تحولت قضية الأقليات إلى أداة لتفكيك الدولة السورية؟ أم إلى فرصة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من نسيجها الوطني؟

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا