آخر الأخبار

ماذا بعد سحب الصلاحيات الفلسطينية من المسجد الإبراهيمي؟

شارك

الخليل- في تغيير غير مسبوق بثاني أهم معلم ديني إسلامي، في الضفة الغربية، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية إن سلطات الاحتلال وبتعاون مع مجلس مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي مدينة الخليل، قررت نزع صلاحية إدارة المسجد (الحرم) الإبراهيمي في المدينة من الجانب الفلسطيني لمصلحة المستوطنين.

وعلى الصعيد الفلسطيني، نفت أوساط رسمية إبلاغها من الجانب الإسرائيلي بأي قرار، لكن الصحيفة قالت في خبرها المنشور مساء أمس الثلاثاء إن من شأن القرار "إجراء تغيير كبير في الوضع القائم" في المسجد، مشيرة إلى نزع الصلاحيات من وزارة الأوقاف الفلسطينية وبلدية الخليل لمصلحة المجلس الديني في المستوطنة.

ويُنسب المسجد إلى النبي إبراهيم عليه السلام، وتشير المصادر التاريخية إلى أن قبره يقع في مغارة أسفل المسجد، كما دُفنت معه زوجته سارة، إضافة إلى الأنبياء إسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وزوجاتهم، وبنيت حجرات بأسمائهم فوق قبورهم داخل المسجد.

مصدر الصورة الأوقاف الإسلامية الفلسطينية تشرف على إدارة المسجد منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 (الجزيرة)

صلاحيات الأوقاف

ويأتي القرار الإسرائيلي بعد سلسلة خطوات متدحرجة منذ احتلال الضفة عام 1967 أخذت منحا لافتا بعد مجزرة عام 1994 التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين، وأودت بحياة 29 فلسطينيا، إذ اقتطعت سلطات الاحتلال نحو ثلثي المسجد وحولته إلى كنيس، ثم تواصلت خطوات الهيمنة على المسجد بشكل حثيث بالتزامن مع حرب الإبادة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ووفق الصحيفة الإسرائيلية، فقد جرى نقاش الاثنين الماضي بقيادة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ، تم خلاله حل عائق قانوني (لم تذكره) لم يسمح بمصادرة صلاحيات بلدية الخليل والأوقاف، وتقرر منحها للمجلس الديني الاستيطاني.

من جهته، قال مدير المسجد الإبراهيمي الشيخ معتز أبو اسنينة، للجزيرة نت، إن الجانب الفلسطيني لم يبلغ رسميا حتى الآن بأي قرارات أو إجراءات من قبل الاحتلال، مضيفا "نمارس عملنا كالمعتاد، وكل شيء طبيعي من دون تغيير".

إعلان

وعن صلاحيات الأوقاف بالمسجد والتي بدأت مع تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، ذكر الإشراف على المسجد وإدارته بكافة مرافقه، بما في ذلك الحراسة والتنظيف والخدمات والترميم والكهرباء والمياه، وكذلك الصلاة والخطب والدروس، وأنها "ما زالت على حالها من دون تغيير (حتى ظهر الأربعاء)".

ومع ذلك، أشار إلى مضايقات تعرض لها الموظفون والمصلون اليوم الأربعاء، ضمن سلسلة مضايقات تزايدت في الشهور الأخيرة.

وتبلغ مساحة المسجد الإبراهيمي نحو 2040 مترا مربعا، وتحيط به جدران ضخمة من الحجر الجيري الأبيض، ويقع في البلدة القديمة التي ظلت خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة بموجب اتفاق الخليل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1997.

ونص الاتفاق على التزام "الطرفين بصورة متساوية بالحفاظ على الطابع التاريخي للمدينة وحمايته بطريقة لا تضر أو لا تغير هذا الطابع في أي جزء من المدينة" مع الحفاظ على النظم البلدية السارية.

كما أكد المسؤولية الفلسطينية عن خدمات البنية التحتية من مياه وصرف صحي وكهرباء واتصالات، وأنه "للجانب الإسرائيلي أن يطلب من الجانب الفلسطيني -بواسطة مكتب الارتباط المدني اللوائي- أن تقوم البلدية بأشغال طرق أو بنية تحتية في المنطقة الخاضعة لسيطرته".

مصدر الصورة احتفالات سابقة للمستوطنين بمحيط المسجد الإبراهيمي (الجزيرة-أرشيف)

أسبقيات

وهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن سحب صلاحيات الأوقاف، ففي 26 فبراير/شباط 2025 قالت وسائل إعلام فلسطينية إن السلطات الإسرائيلية أبلغت إدارة الحرم بأن الأعمال فيه نُقلت من وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى ما تسمى هيئة التخطيط المدني الإسرائيلي.

ويأتي قرار سحب الصلاحيات الفلسطينية تتويجا لسلسلة إجراءات تزامنت مع العدوان على غزة. فخلال المواجهة مع إيران ، أغلقت سلطات الاحتلال المسجد في 13 يونيو/حزيران 12 يوما، ومنعت دخول موظفيه أو المصلين إليه.

وقبل ذلك منعت فتح كامل أروقة المسجد للمصلين أيام الجمعة من رمضان وفي ليلة القدر والعيدين، خلافا لما جرت عليه العادة منذ 1994 حيث يفتح كاملا أمام المصلين، بما فيه القسم المستولى عليه، 10 أيام في العام هي مناسبات دينية، وفي المقابل منعت دخول المصلين إليه في المناسبات والأعياد اليهودية .

ووسط دعوات مسؤولين إسرائيليين لتأميم المسجد والسيطرة عليه، قامت سلطات الاحتلال في 11 يوليو/تموز 2024 بسقف صحن المسجد (جزء غير مسقوف) بألواح من الصفيح، قبل إزالتها لاحقا، ثم في 7 أبريل/نيسان 2025 أبعدت الشيخ معتز أبو اسنينة وموظفا آخر لمدة أسبوعين، وقامت بإغلاق بعض أجزائه بأقفال، بما في ذلك غرفة الأذان ومكتب دائرة الأوقاف الإسلامية.

وفي 10 يونيو/حزيران 2025 أغلقت سلطات الاحتلال لوحة الكهرباء بالمسجد بالأقفال في خطوة اعتبرتها وزارة الأوقاف "محاولة للسيطرة الكاملة على الحرم"، مؤكدة أن "إدارة هذه الخزائن تقع ضمن صلاحيات الأوقاف فقط، ولا يحق للاحتلال التدخل فيها".

وبحسب تقرير سنوي لوزارة الأوقاف الفلسطينية، فقد منع الاحتلال رفع الأذان في المسجد الإبراهيمي 674 مرة تقريبا خلال 2024، وأغلقه 10 مرات خلال الفترة ذاتها.

مصدر الصورة الجزء المقتطع لمصلحة المستوطنين من المسجد الإبراهيمي (الجزيرة-أرشيف)

تحذير فلسطيني

حذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، في بيان وصل إلى الجزيرة نت، من "تداعيات فرض السيطرة الاستيطانية على الحرم الإبراهيمي الشريف"، مؤكدة أنها تتابع "ما تناقله الاعلام العبري بشأن نقل صلاحيات إدارة الحرم الإبراهيمي الشريف والإشراف عليه من بلدية الخليل إلى مجلس استيطاني".

إعلان

واعتبرت الخطوة "غير المسبوقة في إجراءات الاحتلال لفرض سيادته على الحرم وتهويده وتغيير هويته ومعالمه بالكامل (…) انتهاكا صارخا للقانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة"، مطالبة اليونسكو والمجتمع الدولي بالتدخل العاجل "لوقف تنفيذ هذا القرار فورا".

ومن جهته، نفى رئيس بلدية الخليل تيسير أبو اسنينة، في بيان صحفي، تسلّم أي قرار من الجانب الإسرائيلي "بشكل رسمي"، مضيفا "من حيث المبدأ فإننا نرفضه جملة وتفصيلًا، ونعتبره عدوانًا سياسيا وثقافيا ودينيا على مدينة الخليل".

وقال إن سحب الصلاحيات "خطوة تهدف إلى تهويد الحرم الإبراهيمي ومحيطه وفرض سيادة احتلالية غير شرعية على أحد أقدس المعالم الإسلامية"، مشيرا إلى أن "الحرم الإبراهيمي، المسجّل على قائمة التراث العالمي الإنساني، هو ممتلك حضاري إنساني وملكية فلسطينية خالصة".

وسجلت فلسطين في 2017 كلا من البلدة القديمة في الخليل والمسجد على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) وعلى قائمة التراث العالمي "المهدد بالخطر".

مصدر الصورة أعمال بناء استيطاني في محيط المسجد الإبراهيمي (الجزيرة-أرشيف)

مكاسب على الأرض

وعن مغزى القرار الإسرائيلي وتوقيته، يقول الصحفي والمحلل السياسي أكرم النتشة من مدينة الخليل إنه يأتي "للهيمنة على المسجد"، موضحا أن "عملية الضم الفعلي للمسجد بدأت وربما يكون القرار اتخذ بالفعل خلال جائحة كورونا عام 2020".

وفي ذلك الوقت -يضيف النتشة في حديثه للجزيرة نت- مارست الإدارة المدنية بعض الإجراءات "وأصبح الاحتلال يتعامل مع المسجد كأي دار عبادة داخل الخط الأخضر ، ويتدخل في أوقات فتحه وإغلاقه".

وتابع أن نزع صلاحيات الأوقاف يأتي في سياق أوسع تم خلاله نزع العديد من الصلاحيات الفلسطينية في البلدة القديمة من الخليل، ومنها خدمات كهرباء ومياه وبنية تحتية، ثم تأسيس مجلس للمستوطنين عام 2017 وضمه لمستوطنة كريات أربع.

ويوضح النتشة أن القرار الأخير يعدّ "الذروة" في سلسلة الإجراءات، حيث يجري استغلال انشغال العالم بالحرب على غزة للتوسع في تحقيق مكاسب على الأرض في الضفة.

مصدر الصورة بوابات إلكترونية تنتظر المصلين بالمسجد الإبراهيمي (الجزيرة)

الأقصى لاحقا

ولفت النتشة إلى أن ما يحدث في الحرم الإبراهيمي اليوم حالة متقدمة لما يجري في المسجد الأقصى "فما يجري في الأقصى اليوم من تقسيم زماني وتحديد أوقات للاقتحامات كان يجري في الحرم قبل عام 1987، ثم توسع إلى اقتطاع جزء منه واليوم يأتي سحب صلاحيات الأوقاف، مما يهدد الأقصى في المستقبل بإجراءات مماثلة".

وذكر من التغييرات التي تمس الوضع القائم: "اقتطاع 60% منه لمصلحة المستوطنين، إقامة بوابات إلكترونية، إحاطته بالحواجز العسكرية، تركيب مصعد كهربائي، إجراء حفريات في محيطه".

وأشار النتشة إلى أن نزع الصلاحيات الذي يجري الحديث عنه "يتعلق بمبنى المسجد المخصص للصلاة وأغلبه مسقوف، ولا يتعلق بمحيطه وما هو خارج جدرانه والذي يخضع لهيمنة الاحتلال وعبثه منذ سنوات طويلة".

ولا يرى المحلل الفلسطيني أن وزارة الأوقاف وحدها قادرة على مواجهة القرار الإسرائيلي، مشددا على أن المطلوب من المستوى السياسي، المنهك سياسيا واقتصاديا، خطوات تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار والمناشدة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا