ودع العالم البابا فرنسيس، السبت 26 نيسان أبريل، خلال مراسم جنازة مهيبة أُقيمت في ساحة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، بحضور عدد كبير من الشخصيات الرسمية، من بينهم رؤساء دول وملوك، فضلا عن وفود ممثلة لرجال الدين من سائر الطوائف على مستوى العالم.
كما نُقل نعش البابا عبر شوارع روما، إلى بازيليك سانتا ماريا ماجوري لدفنه بحسب وصيته، بعد أن ظل مُسجى لمدة ثلاثة أيام في كاتدرائية القديس بطرس.
وكانت أعداد كبيرة من الزوار قد بدأت الاحتشاد في روما، في مسعى للوصول إلى أقرب مكان من ساحة القديس بطرس لمشاهدة مراسم جنازة البابا فرنسيس، التي بدأت الساعة العاشرة بتوقيت روما (الثامنة بتوقيت غرينتش) واستمرت نحو الساعة ونصف تقريباً.
وقدّر الفاتيكان عدد المشاركين في مراسم جنازة البابا بنحو 250 ألف شخص، من بينهم شخصيات رفيعة من قادة العالم أبرزهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفقة زوجته ميلانيا، كما شارك الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن برفقة زوجته جيل في المراسم.
وحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
كما شارك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي برفقة زوجته أولينا زيلينسكا مع وفد رسمي أوكراني، بحسب ما نقلته الإذاعة العامة الأوكرانية "سوسبيلني" عن متحدث باسم الرئاسة.
وفي ظل غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تلاحقه مذكرة توقيف دولية صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، مثّلت روسيا في الجنازة وزيرة الثقافة أولغا ليوبيموفا.
ومن أمريكا الجنوبية، حضر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، إلى جانب نظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
كما شهدت مراسم الجنازة حضوراً ملكياً واسعاً، من بينهم الأمير ويليام نيابة عن والده الملك تشارلز ملك بريطانيا، وملك بلجيكا فيليب وزوجته، وملك إسبانيا فيليبي السادس وزوجته، وملك ليسوتو ليتسي الثالث، وأمير موناكو ألبرت الثاني وزوجته.
وكان من بين الشخصيات العربية رفيعة المستوى، التي حضرت مراسم جنازة البابا، ملك الأردن عبدالله الثاني وقرينته الملكة رانيا، كما حضر الرئيس اللبناني جوزاف عون والشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، التي زارها البابا الراحل عام 2019، حيث وقع مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب وثيقة التآخي العالمية للتعايش والتفاهم بين الأديان.
وشُجّع المشاركون خلال مراسم جنازة البابا فرنسيس على تبادل المصافحات مع من حولهم، في بادرة رمزية تدعو إلى السلام.
كما شوهد، في القسم المخصص للشخصيات المرموقة بساحة القديس بطرس، الرئيس الأمريكي ترامب وهو يصافح عدداً من الحاضرين، من بينهم الرئيس الفرنسي ماكرون.
وسوف يعلن الفاتيكان الحداد لمدة تسعة أيام بعد انتهاء مراسم الدفن.
وكانت فرق الإسعافات الأولية قد انتشرت في المناطق الحيوية المؤدية إلى الساحة، بينما انتشرت قوات خاصة، مزودة بمعدات وأجهزة لـ "اصطياد المُسيَّرات".
وأشارت تقارير الشرطة الإيطالية إلى أن العدد الإجمالي لأفراد التأمين وصل إلى نحو 150 ألف شخص، منهم نحو 50 ألفاً انتشروا في ساحة القديس بطرس نفسها.
وكان الفاتيكان قد أعلن، مساء الجمعة، أن نحو 250 ألف شخص ألقوا النظرة الأخيرة على نعش الحبر الأعظم.
ترأس الكاردينال جيوفاني باتيستا ري، عميد مجمع الكرادلة، مراسم الجنازة وألقى عظة أشاد فيها بالبابا على "قيادته الرعوية"، التي حافظ عليها "بفضل شخصيته الحازمة والثابتة".
وقال: "حافظ البابا على اتصال مباشر مع الأفراد والشعوب، وكان حريصاً على القرب من الجميع، مع اهتمام ملحوظ لأولئك الذين يعانون، باذلاً نفسه بلا قيود، وبشكل خاص للمهمشين، ولأضعف الفئات بيننا".
وأضاف: "كان البابا بين الناس، يحمل قلباً منفتحاً تجاه الجميع. وكان أيضاً متيقظاً لعلامات الأزمنة وما كان الروح القدس يوقظه في قلب الكنيسة".
كما تحدث الكاردينال باتيستا عن جهود البابا فرنسيس في خدمة اللاجئين والمشردين، مبرزاً أن أول رحلة رسولية للبابا كانت إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي تعد معبراً رئيسياً للمهاجرين نحو دول أوروبا.
ووصف تلك الزيارة بأنها كانت "ذات دلالة هامة"، موضحاً أن الجزيرة تمثل "مأساة الهجرة، حيث لقي آلاف الأشخاص حتفهم غرقاً في البحر".
وأضاف أن البابا "زار جزيرة ليسبوس، برفقة البطريرك المسكوني ورئيس أساقفة أثينا، إضافة إلى إقامته للقداس الإلهي على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة خلال رحلة رسولية إلى المكسيك".
وبعد انتهاء الصلوات الخاصة، بحسب تقاليد الكنيسة الكاثوليكية، وأداء طقس مباركة نعش البابا بالماء المقدس، أعقبه تبخير النعش باستخدام المبخرة، في إشارة رمزية إلى التطهير، ثم بدأت مراسم حمل نعش البابا فرنسيس مرة أخرى إلى داخل كاتدرائية القديس بطرس، تمهيداً لنقله في موكب لإتمام مراسم الدفن في بازيليك سانتا ماريا ماجوري.
نُقل نعش البابا في موكب مهيب وبطيء نحو بازيليك سانتا ماريا ماجوري وسط شوارع روما، إذ غادر الموكب الفاتيكان، سالكاً طريقاً يمتد لمسافة ستة كيلومترات فوق نهر التيبر.
وشق الموكب طريقه في وسط مدينة روما وصولاً إلى ساحة فينيسيا، ومروراً بجوار الكولوسيوم، قبل أن يتجه شمالاً ليصل إلى بازيليك سانتا ماريا ماجوري.
ولم يُسمح للجمهور بمرافقة موكب نعش البابا مباشرة، بل سمح لهم متابعته من خلف حواجز منتشرة على طول الطرقات.
وقال مسؤولون محليون إنه جرى إرسال ثلاثة آلاف متطوع على امتداد الطريق لتوفير الإرشادات والمساعدة الطبية والماء للجمهور.
كما لم يُسمح للجمهور بحضور مراسم دفن البابا داخل بازيليك سانتا ماريا ماجوري، على الرغم من أن الحشود تجمعت خارج المكان.
جرت العادة أن يوضع جثمان البابا، في اليوم الذي يسبق دفنه، في ثلاثة نعوش متداخلة، مصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط.
ويرمز نعش السرو إلى "التواضع والفناء"، كما يرمز نعش البلوط الخارجي إلى "الكرامة والقوة"، بينما نعش الرصاص الداخلي فهو للحفاظ على الجثمان ومنع العبث به.
بيد أن البابا فرنسيس طلب، خلال العام الماضي، أن يُدفن في نعش خشبي بسيط مبطن بالزنك.
وبحسب المونسنيور دييغو رافيلي، رئيس المراسم الليتورجية في الفاتيكان، فإنه بناءً على طلبه، ستكون جنازة البابا "جنازة راعٍ وتلميذٍ للمسيح، وليست جنازة رجل قوي في هذا العالم".
وطلب البابا أيضاً أن يكون قبره بسيطاً، ويكتب على شاهد القبر "فرنسيسكوس" فقط، وهو اسمه باللاتينية.
كما طلب، بحسب وصيته التي أعلن عنها الفاتيكان، دفنه في بازيليك سانتا ماريا ماجوري خارج أسوار الفاتيكان، لأول مرة منذ أكثر من 120 عاماً.
وكانت البازيليك أوّل مكان يصلي فيه البابا الراحل حين تولى منصبه عام 2013
وبازيليك سانتا ماريا ماجوري، هي واحدة من الكنائس البابوية الأربع التي تقع خارج الفاتيكان في روما (كنيسة القديس بطرس، وكنيسة القديس يوحنا اللاتراني، وكنيسة القديس بولس)، وتأسست في القرن الخامس الميلادي.
وسيكون البابا فرنسيس هو ثامن الباباوات الذين دفنوا فيها، وكان آخرهم كليمنت التاسع في القرن السابع عشر، كما دُفنت فيها شخصيات بارزة مثل المعماري والنحات جيوفاني لورنزو برنيني، مصمم أعمدة ساحة القديس بطرس.
ويُعتقد أن البازيليك تضم بقايا من المهد الذي وضع فيه المسيح في بيت لحم، بالإضافة إلى أيقونة السيدة مريم العذراء، ورُسمت على جدرانها قصص من العهد القديم.
وقال البابا في وصيته التي كتبها عام 2022: "أرغب أن تُختتم رحلتي الأرضية الأخيرة في هذا المزار المريمي العريق، حيث اعتدت أن أذهب للصلاة في بداية كل زيارة رسولية ونهايتها، لأوكل بثقة نواياي إلى الأم الطاهرة، وأشكرها على رعايتها الوالدية والوديعة"، بحسب نص الوثيقة التي نشرها موقع الفاتيكان.