بلغ سعر البيتكوين، العملة المشفرة الرئيسية، أكثر من 106 آلاف دولار في ديسمبر/كانون الأول 2024، ليبدأ عام 2025 فوق مستوى 100 ألف دولار، مما أشعل موجة احتفالات واسعة في عالم العملات الرقمية.
ومع اقتراب تولي رئيس مؤيد للعملات الرقمية منصبه، توقّع أنصار القطاع أن يرتفع سعر البيتكوين إلى 250 ألف دولار بحلول نهاية 2025، غير أن هذه التوقعات لم تتحقق.
وخلال الشهرين الماضيين، انخفض سعر البيتكوين إلى نحو 82 ألف دولار في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، بعد بلوغه قمة تاريخية عند 126 ألف دولار في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، أي بتراجع يقارب 35% محا معظم مكاسبه السنوية.
كما تراجعت العملات الرقمية الكبرى الأخرى، حيث انخفض سعر الإيثريوم بنحو 40% منذ أغسطس/آب، وفق تقرير موسّع لصحيفة نيويورك تايمز.
وبين الارتفاعات القياسية وعمليات البيع المكثفة، كان عام 2025 عاما شديد التقلب لعملة البيتكوين، التي تواجه خطر تسجيل أول انخفاض سنوي كبير لها منذ عام 2022.
لم يكن هذا المسار متوقعا في ديسمبر/كانون الأول 2024، عندما تجاوز سعر البيتكوين مستوى 100 ألف دولار، ومنذ ذلك الحين، حقق قطاع العملات المشفرة مكاسب تنظيمية وسياسية في واشنطن، مدفوعا بحملة ضغط ساهمت في تعزيز حضور مؤيدي العملات الرقمية داخل الكونغرس.
وأسقطت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية دعاوى قضائية ضد عدد من كبرى شركات العملات الرقمية، مما أزال غموضا قانونيا أعاق نمو القطاع لسنوات، كما أعلن الرئيس دونالد ترامب نية الولايات المتحدة إنشاء احتياطي حكومي من عملة البيتكوين.
وفي السياق ذاته، أنهى ترامب حملة تنظيمية صارمة ضد العملات المشفرة، ووقّع تشريعا أتاح الموافقة الحكومية على أحد أكثر منتجات هذا القطاع ربحية. كذلك أصبحت العملات الرقمية جزءا من إمبراطورية أعمال عائلته، بعد تأسيس شركة "وورلد ليبرتي فايننشال" بالشراكة مع أبنائه الثلاثة، وفق تقرير نيويورك تايمز.
وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول، بلغ سعر البيتكوين ذروته عند 126 ألف دولار، قبل أن يعقب ذلك انهيار سريع بعد أيام قليلة.
في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هبطت أسعار البيتكوين والعملات المشفرة عقب إعلان الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الصينية، وتهديده بفرض قيود على تصدير برمجيات حيوية عبر منصته "تروث سوشيال".
وأدى ذلك إلى تصفية مراكز تداول ذات رافعة مالية بقيمة تجاوزت 19 مليار دولار، في أكبر عملية تصفية بتاريخ سوق العملات المشفرة، وفق وكالة رويترز.
ومنذ ذلك الحين، واجهت البيتكوين صعوبة في استعادة استقرارها، وسجلت في نوفمبر/تشرين الثاني أكبر انخفاض شهري لها منذ منتصف عام 2021، بحسب منصة "درايف.إكس واي زد"، كما نقلت رويترز.
وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، قدّر المتداولون احتمال أن ينهي البيتكوين العام دون مستوى 80 ألف دولار بنحو 15%، مقارنة بـ20% قبل أسابيع، وفقا لرويترز.
ويُعد ذلك ضربة قوية لمستثمري العملات المشفرة، ومن بينهم شركة "ستراتيجي"، أكبر شركة لتخزين البيتكوين، إذ كان مؤسسها مايكل سايلور قد توقع وصول السعر إلى 150 ألف دولار بنهاية 2025، وفق منصة "كوين ماركت كاب".
وجاء هذا التراجع في وقت كان فيه محللو بنك ستاندرد تشارترد قد توقعوا العام الماضي وصول سعر البيتكوين إلى 200 ألف دولار بنهاية 2025، مدفوعا جزئيا بتدفقات صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة.
ولم تكن حرب التعريفات الجمركية السبب الوحيد لتراجع العملات المشفرة، إذ برز عامل آخر يتمثل في الارتباط المتزايد بين هذه العملات وأسواق الأسهم.
ووفقا لبحث أجراه صندوق النقد الدولي عام 2022، تتحرك البيتكوين والعملات المشفرة صعودا وهبوطا بالتوازي مع الأسهم، لا سيما منذ جائحة كورونا عام 2020.
وقبل الجائحة، لم تكن الأصول الرقمية مرتبطة بشكل وثيق بمؤشرات الأسهم، بل كان يُنظر إليها كوسيلة لتنويع المخاطر. غير أن هذا تغيّر مع السياسات النقدية التيسيرية التي اعتمدتها البنوك المركزية في مطلع 2020، حيث ارتفعت الأسهم الأميركية والعملات المشفرة معا.
وأصبحت العملات المشفرة أكثر حساسية لتقلبات أسهم الذكاء الاصطناعي، باعتبار أن الفئتين تُصنّفان ضمن الاستثمارات عالية المخاطر المعتمدة على مزاج المستثمرين.
بعد عام اتسم بتقلبات حادة، يتوقع خبراء القطاع أن يشكّل عام 2026 نقطة تحول، قد تنتقل خلالها العملات الرقمية من أصول مضاربية إلى مكوّن أكثر رسوخا في النظام المالي العالمي.
ونقلت شبكة أخبار الاستثمار تصريحات لـ3 من قادة قطاع التشفير، أكدوا أن مستقبل العملات الرقمية في 2026 سيتحدد عبر 3 مسارات رئيسية:
ويرى هؤلاء أن زيادة الوضوح التنظيمي، ودخول الذكاء الاصطناعي في إدارة الأسواق، وتحويل الأصول الواقعية إلى نسخ رقمية، إلى جانب تدفق استثمارات مؤسساتية مستقرة، ستدفع الأسواق إلى مستويات جديدة.
من جهتها، توقعت شركة "غرايسكيل" تسجيل سعر البيتكوين مستوى قياسيا جديدا في عام 2026، وفق منصة "ياهو فاينانس"، معتبرة أن فرضية الدورة الرباعية ستثبت عدم دقتها، في ظل غياب ارتفاع سعري كبير خلال عام 2025.
وأشارت الشركة إلى أن انخفاض أسعار الفائدة المتوقع، والتشريعات المرتقبة لتنظيم سوق العملات المشفرة، قد يشكلان حافزا إضافيا لتدفقات رؤوس الأموال المؤسسية نحو الاستثمار في العملات المشفرة.
وأضافت أن سعر البيتكوين بلغ على الأرجح أدنى مستوياته، مستشهدة بارتفاع خيارات البيع، وانخفاض قيمة سندات الخزانة الرقمية دون صافي قيمة أصولها.
وجرى تداول البيتكوين مؤخرا قرب 95 ألف دولار، بزيادة تفوق 15% عن أدنى مستوياته هذا العام.
من جهته، يقول المحلل المالي مصطفى فهمي للجزيرة نت إن البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى ستظل تحت الضغط في 2026 لاعتبارات كثيرة منها:
وبصورة عامة، لم يعد النقاش يدور حول صراع بين العملات المشفرة والنظام المالي التقليدي، بل يتجه العالم نحو نظام مالي هجين تصبح فيه الأصول الرقمية أدوات أكثر كفاءة ضمن منظومة أوسع.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة