السنغال في مواجهة مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ عاجلة تحتاجها لسد فجوة كبيرة في ماليتها العامة.
الصندوق يريد من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا أن تعيد هيكلة مؤلمة قبل الموافقة على الإنقاذ، بينما ترفض السنغال ذلك، خاصة بعد أن خُفّض تصنيفها الائتماني إلى مستوى "سندات رديئة".
وفي وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني، خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف السنغال إلى "سي سي سي+" بسبب ضعف ماليتها العامة.
وقالت الوكالة "على الرغم من الإجراءات المتخذة لتعزيز النمو وجمع الضرائب، فإن مستوى الدين وحجم فاتورة الفوائد يبقيان المالية العامة في وضع هش، خصوصا في غياب برنامج دعم رسمي شامل".
والعام الماضي، علّق صندوق النقد الدولي حزمة تمويل بقيمة 1.8 مليار دولار بعد أن اكتشفت الحكومة نحو 7 مليارات دولار من الاقتراض المخفي من قبل الإدارة السابقة.
وتستمر المفاوضات بين داكار والصندوق حول شروط إنقاذ جديدة، لكن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق.
وفق مراجعة ستاندرد آند بورز الأخيرة، بلغ الدين العام 42.1 مليار دولار (119% من الناتج المحلي الإجمالي) بنهاية 2024، ما يجعل السنغال من أكثر الدول مديونية في أفريقيا. وهذا لا يشمل ديون الشركات الحكومية التي تمثل نحو 9% إضافية من الناتج.
ومنذ 2008، اعتمدت السنغال على الاقتراض لتمويل مشاريع البنية التحتية. لكن أزمة كورونا وارتفاع أسعار الفائدة عالميا زادا من تكلفة الدين في حين تراجعت الإيرادات، ما فاقم الضغوط المالية.
وتأمل الحكومة في خفض العجز المالي من 12.6% من الناتج في 2024 إلى 5.4% العام المقبل، وصولا إلى 3% بحلول 2027.
لكن توقعات ستاندرد آند بورز أكثر تشاؤما، إذ تتوقع عجزا عند 8.1% في 2025 و6.8% في 2027، مع بلوغ نسبة الدين إلى الناتج 123% العام المقبل.
في مارس/آذار 2024، فاز باسيرو ديوماي فاي بالرئاسة، في حين أصبح المعارض عثمان سونكو رئيسا للوزراء. وفي سبتمبر/أيلول، أمرت الحكومة الجديدة بتدقيق مالي كشف أن الإدارة السابقة قلّلت من حجم الدين الحقيقي، إذ أخفت نحو 7 مليارات دولار من الاقتراض.
وقدّر ديوان المحاسبة أن نسبة الدين إلى الناتج كانت أقرب إلى 100% بدلا من 70% المعلن سابقا، نتيجة عدم إدراج التزامات الشركات الحكومية.
وأيد صندوق النقد نتائج التدقيق واعتبرها قرارا متعمدا من إدارة ماكي سال لإخفاء حجم الدين، وعلّق على إثرها حزمة التمويل التي كان قد وافق عليها في 2023.
في نوفمبر/تشرين الثاني، قال رئيس بعثة الصندوق إلى السنغال، إدوارد جميل، إنهم "منخرطون ومصممون على التحرك بسرعة للمساعدة".
لكن فريقه أوصى بإعادة هيكلة الديون عبر استبدالها بديون جديدة أقل تكلفة، وهو ما رفضه رئيس الوزراء عثمان سونكو، معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى تقليص الإنفاق العام وإبطاء النمو.
رفض سونكو لخطة الصندوق أثار قلق المستثمرين؛ إذ تراجعت سندات السنغال بشكل ملحوظ، وارتفعت تكلفة التأمين ضد التعثر.
وقال محللون إن الصندوق يشترط إعادة الهيكلة قبل تقديم أي دعم جديد، بينما الحكومة لا تتجاوب، ما يطيل أمد الأزمة.
وفي خطاب جماهيري، أكد سونكو أن "السنغال دولة فخورة، ولن تُعامل كدولة فاشلة. تعبئة الإيرادات أفضل من إعادة هيكلة الديون".
رئيس الوزراء يرفض إعادة الهيكلة لأنها تتعارض مع وعوده الانتخابية باستعادة السيادة الوطنية. لكن هذا الموقف يضع البلاد أمام أزمة تمويلية حادة ويزيد التوترات السياسية بينه وبين الرئيس فاي.
وعلى الرغم من أنه رئيس وزراء، يُنظر إلى سونكو باعتباره صاحب النفوذ الأكبر في رسم السياسات، وغالبا ما يتصرف باستقلالية عن الرئيس.
في الأسابيع الأخيرة، فرضت الحكومة ضرائب جديدة على التبغ والكحول والمقامرة والتحويلات المالية عبر الهاتف، كما قلّصت الإنفاق على السفر والمشتريات الحكومية.
لكن التوازن بين الإصلاح المالي وتلبية توقعات المواطنين يظل صعبا، وقد يؤدي أي تنازل للصندوق إلى خيبة أمل شعبية وربما اضطرابات اجتماعية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة