آخر الأخبار

من مزارع أفريقيا إلى مصانع أوروبا.. رحلة الكاكاو المهرّب

شارك

في غابة كثيفة على الحدود الشمالية لـ ساحل العاج ، يحلّق طيار فرنسي على متن مروحية عسكرية فوق الطرق الترابية، باحثا عن شاحنات محمّلة بأكياس ثقيلة. المهمة تبدو أقرب إلى مطاردة مهربي الكوكايين في أميركا اللاتينية، لكنها في الواقع تتعلق بسلعة مختلفة تماما: حبوب الكاكاو.

هذا "الذهب البني" الذي يغذّي صناعة الشوكولاتة العالمية، تحوّل اليوم إلى محور تجارة غير مشروعة بملايين الدولارات، تهدد اقتصاديات أكبر منتجين في العالم -ساحل العاج و غانا – وتكشف في الوقت نفسه عن شبكات تهريب معقدة تتغذى على الفساد وتستغل هشاشة المزارعين.

من المستودعات السرية في بوركينا فاسو إلى الموانئ الأوروبية حيث يُعاد تدوير الحبوب وبيعها لشركات الشوكولاتة العملاقة، تمتد خيوط شبكة تهريب الكاكاو كشبكة عنكبوتية عابرة للحدود. وعلى طول الطريق، يُسرق جزء كبير من عرق المزارعين، وتُطوى ملفات فساد لمسؤولين كبار، بينما يزداد ثراء المهربين.

فكيف تحولت شجرة الكاكاو البريئة إلى وقود لاقتصاد الظل؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذه التجارة؟

وشبّه الطيّار -وهو مستشار للحكومة طلب عدم الكشف عن هويته في حديث لصحيفة "فيننشال تايمز"- الأمر بـ"الكوكايين في كولومبيا أو في منطقة الأمازون "، مشيرا إلى أن "التحقيق في تجارة الكاكاو أكثر خطورة من تهريب الأسلحة".

وارتفعت أسعار الكاكاو العالمية إلى ما يزيد عن 10 آلاف دولار للطن في الأشهر الأخيرة، أي أكثر من 3 أضعاف منذ أوائل عام 2023 بسبب تغيّر المناخ وتفشي أمراض المحاصيل. لكن ضوابط الأسعار الحكومية في ساحل العاج وغانا -اللتين تنتجان معا حوالي ثلثي إنتاج الكاكاو العالمي- تعني أن المزارعين المحليين لا يحصلون إلا على جزء ضئيل من القيمة السوقية.

والآن يتجنب العديد من المزارعين هذه الضوابط من خلال بيع حبوبهم إلى وسطاء يقومون بتهريبها إلى البلدان المجاورة، حيث تباع بأسعار السوق.

مصدر الصورة التجارة غير المشروعة لحبوب الكاكاو في ساحل العاج وغانا أحدثت أزمة في أسعار الشوكولاتة (رويترز)

وتظهر بيانات الحكومة أنه في موسم 2023-2024 تم تهريب حوالي 150 ألف طن من حبوب الكاكاو خارج غانا، أي ما يعادل ربع الإنتاج حسب بعض التقديرات، بالإضافة إلى 200 ألف طن أخرى من ساحل العاج.

إعلان

ويقول المطلعون على الصناعة إن الرقم الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك، حيث أفادت دول مجاورة -مثل بوركينا فاسو وتوغو وسيراليون- بزيادة كبيرة في صادراتها على الرغم من عدم إنتاجها أي كمية تقريبا من الكاكاو.

ويتبع الكثير من عمليات التهريب مسارات مألوفة، حيث تنتقل حبوب الكاكاو من المزارع الشمالية عبر الحدود إلى بوركينا فاسو ومنها إلى غينيا أو توغو، حيث يتم "غسلها" في المستودعات وتصديرها كمنتج محلي.

وتنتهي حبوب الكاكاو غير المشروعة في مراكز معالجة الكاكاو الكبرى مثل بلجيكا وهولندا، حيث يتم طحنها وتحويلها إلى مشروبات كحولية وزبدة ومسحوق قبل بيعها لصانعي الشوكولاتة، لينتهي الأمر بها في صناعة الحلويات في جميع أنحاء العالم.

ورغم مضاعفة ساحل العاج وغانا أسعار شراء الكاكاو من المزارعين بأكثر من الضعف منذ عام 2023 لتضييق الفجوة بين أسعار السوق والكمية التي يتلقاها المزارعون، إلا أن المزارعين والخبراء يقولون إن هذه الزيادات ليست قريبة على الإطلاق مما هو مطلوب.

وفي حين تدفع غانا -على سبيل المثال- الآن نحو 4800 دولار للطن للمزارعين، فإن المهرّبين يستطيعون تحقيق ما يقرب من ضعف هذا المبلغ عن طريق إعادة بيع حبوب الكاكاو في غينيا أو ليبيريا، إذ يدفع المشترون ما يصل إلى 9000 دولار، وفقاً لخبراء الصناعة.

ولا يحصل المزارعون أنفسهم إلا على جزء بسيط من هذه الزيادة، حيث يتم الاستحواذ على الهوامش الأكبر على طول سلسلة التهريب.

مصدر الصورة بيانات حكومة غانا أظهرت أنه تم تهريب حوالي 150 ألف طن من حبوب الكاكاو خارج البلاد في موسم 2023-2024 (رويترز)

تحدي الفساد

تحت ضغط متزايد، حاولت حكومة ساحل العاج اتخاذ إجراءات صارمة. في العام الماضي، صنّفت السلطات تهريب الكاكاو "جريمة اقتصادية"، ومنحت هيئة الكاكاو صلاحيات موسعة لرفع دعاوى قضائية ضد المتاجرين، وأحالت جميع الدعاوى القضائية إلى محكمة مالية خاصة.

لكن المسؤولين عن وقف التهريب على الأرض -أو في الجو- يقولون إن التحدي الأكبر هو الفساد.

تم إيقاف 5 مسؤولين كبار -بمن فيهم مفوض الشرطة ورئيس الجمارك ورئيس المدينة- في مدينة سيبيليو الحدودية الغربية في ساحل العاج في وقت سابق من هذا العام بتهمة تلقي رشاوى من المهربين.

عندما يتمكن الطيار الفرنسي من التعرف على المهربين من طائرته الهليكوبتر، فإنه يأمر -بواسطة مكبر صوت- الشاحنات بالتوقف وتفتيشها من قبل القوات الخاصة الإيفوارية على الأرض.

لكنه قال إنهم واجهوا عقبات داخلية صعبة. وأوضح أن 5 أطنان من الكاكاو صادرتها القوات ربما أصبحت 3 أطنان بحلول وقت نشرها في الصحافة، "لأن طنين منها تمت سرقتهما".

مصدر الصورة حكومة ساحل العاج حاولت اتخاذ إجراءات صارمة ضد تهريب الكاكاو (رويترز)

ويوجه الطيار أصابع الاتهام إلى السلطات الإيفوارية قائلا: "تريد الدولة أن تُظهر للمجتمع الدولي أنها تفعل شيئًا ما. لكن المشكلة تكمن في أن الدولة تستفيد من هذه التجارة".

وعلى المستوى الأوروبي، تفرض اللوائح الجديدة -المزمع تطبيقها ابتداء من ديسمبر/كانون الأول 2025- أن يكون الكاكاو الداخل إلى القارة قابلا للتتبع. وقد تُستبعد حبوب الكاكاو المهرّبة، والتي لا يمكن تتبعها. ومن شأن ذلك أن يشكل نقطة تحول محتملة في مكافحة التهريب من خلال المساعدة في إنشاء سوق أكثر استقرارا وشفافية للكاكاو.

إعلان

في المقابل، تدعو شركة الشوكولاتة العملاقة "مونديليز" وشركات أخرى إلى تأخير تطبيق هذه اللوائح.

فهل تنجح تلك الجهود، أم يبقى الحال على ما تُحب مافيا التهريب وشركات الشوكولاتة؟

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار