خلال القرن الماضي، لعب عدد كبير من الجواسيس دوراً هاماً في نقل معلومات ساهمت في تغيير مجرى التاريخ.
ففي الحرب العالمية الثانية، نقل الجاسوس السوفيتي ريتشارد سورغه (Richard Sorge) معلومات حساسة لموسكو حول عدم تدخل اليابان ضدها. وقد سمح ذلك ل جوزيف ستالين بنقل مزيد من القوات من شرق البلاد لمواجهة ألمانيا والتغلب عليها.
وفي الحرب الباردة، نقل الجاسوس كلاوس فوكس (Klaus Fuchs) معلومات للسوفيت حول مشروع مانهاتن مساهما بذلك في حصول موسكو على القنبلة الذرية.
كما يضاف، لهذه القائمة، اسم الجاسوس سيدني ريلي (Sidney Reilly) الذي عمل لصالح عدد من القوى العالمية وقاد عمليات هامة ضد البلشفيين خلال السنوات التي شهدت سقوط النظام القيصري وقيام الاتحاد السوفيتي ولقب بفضل عملياته بـ"الجاسوس الخارق".
ولد سيدني ريلي في حدود عام 1873 بأوديسا في الإمبراطورية الروسية. وأواخر القرن التاسع عشر، سافر وتنقل بين دول أوروبية عديدة قبل أن يستقر في نهاية المطاف بلندن، حيث جند للعمل لصالح جهاز المخابرات البريطاني المعروف حينها بإس آي أس (SIS).
ومع قرب اندلاع الحرب الروسية اليابانية عام 1904، كلف ريلي بمهمة التجسس على روسيا التي اعتبرتها بريطانيا حينها تهديداً لمصالحها في الهند. ومع حلوله بمنشوريا الروسية، تظاهر بكونه رجل أعمال يحاول بيع كميات من المعدات والبترول للقوات الروسية. فعمل الجاسوس البريطاني لصالح اليابانيين بهذه المنطقة وزودهم بمعلومات حساسة حول دفاعات بورت آرثر.
كذلك تجسس على أحواض بناء السفن الروسية ونقل معلومات عنها للبريطانيين كما قيل عنه إنه عمد في إحدى المرات لإعادة شراء شحنة أسلحة كانت موجهة للجيش الروسي بمنشوريا حارماً القوات الروسية المحاصرة هنالك منها.
وعقب هذه المهمة، أصبح ريلي أهم جاسوس لدى البريطانيين الذين اتجهوا لتكليفه بمهمات أخرى أكثر تعقيداً. ثم تجسس على مصانع الأسلحة الألمانية، خاصة تلك الموجودة بمدينة إيسن (Essen)، وأرسل معلومات حساسة للبريطانيين حول مدافع السفن الألمانية والغواصات ومدى تقدمها. كما أرسل للتجسس على الأميركيين، منتحلاً صفة رجل أعمال وتاجر أسلحة، حيث كلف بمهمة متابعة صفقات بيع الأميركيين لأسلحة لقوى معادية لبريطانيا.
خلال الحرب العالمية الأولى، تجسس ريلي، معتمداً على شبكة عملاء، على برامج التسلح لألمانيا وحلفائها ونقل معلومات حساسة للبريطانيين. وعقب الثورة البلشفية، أوكلت له مهمة أخرى أكثر صعوبة جعلت منه شخصية مشهورة بعالم التجسس.
وحسب ما نقل حينها، حاول ريلي والسفير البريطاني بموسكو روبرت بروس لوكهارت (Robert Bruce Lockhart) قتل القائد البلشفي فلاديمير لينين وتنفيذ انقلاب شعبي للإطاحة بحكم البلشفيين ووضع نظام آخر مؤيد للندن أملاً في إعادة روسيا للحرب العالمية الأولى ضد الألمان عقب توقيع البلشفيين لمعاهدة سلام مع الألمان بوقت سابق.
إلا أن جهاز التشيكا الأمني نجح في الإطاحة بهذه المؤامرة، ما أدى لفرار ريلي من البلاد، وفق السلطات السوفيتية.
وخلال السنوات التالية، نصبت الشرطة السرية السوفيتية كميناً لريلي حيث أوهمته بوجود فرقة من المتآمرين المستعدين للقيام بثورة ضد النظام السوفيتي في موسكو.
إذ عرض أفراد الفرقة على ريلي لقائهم عند الحدود الفنلندية السوفيتية. ومع قدومه، اعتقل ونقل على جناح السرعة نحو سجن لوبيانكا (Lubyanka) حيث تعرض للتعذيب قبل أن يعدم رمياً بالرصاص بأوامر من ستالين يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1925.
المصدر:
العربيّة