آخر الأخبار

روائي سوداني: عدت إلى بيتي فوجدت جثة متحللة ومكتبتي رمادا

شارك
الروائي السوداني مهند الدابي

لم تكن عودة الروائي السوداني، مهند الدابي، إلى منزله في الخرطوم بعد عامين من الحرب مجرد انتقال عادي ، بل رحلة قاسية إلى قلب المأساة.

فعلى عتبة الشقة التي غادرها مُكرهاً، وجد مشهداً يصعب وصفه، جثة متحللة لقنّاص مجهول الهوية كانت تملأ المكان برائحة الموت، فيما بدت الشرفة أشبه بثكنة عسكرية مؤقتة استُخدمت طيلة فترة الحرب.

احتراق مكتبته الخاصة

لكن المشهد الأكثر فداحة بالنسبة إليه لم يكن الجثمان المتحلل، بل احتراق مكتبته الخاصة، التي كانت تضم أكثر من ألف عنوان، بينها مجلدات نادرة تحتفظ بتواقيع شخصيات علمية بارزة.

وقال الدابي في حديثه للعربية.نت "الشقة كانت خاوية تماماً، لا أثر لحياتي السابقة فيها، ومكتبتي، التي استغرق تكوينها أكثر من ثلاثين عاماً من الجمع والاقتناء، أُحرقت بالكامل".

كما أشار إلى أن القنّاص الذي احتل الشرفة، كان على ما يبدو، يستخدم صفحات الكتب لإشعال النار وتحضير الطعام.". وقال: "لقد اكتشفت أن كتبي كانت تُستهلك حرفياً ليُغلى فوقها الماء".

شقة مهند الدابي التي تحولت إلى ثكنة عسكرية مؤقتة

نسخ أصلية نادرة

إلى ذلك، أضاف بأسى بالغ "من بين الكتب التي أُحرقت، نسخ أصلية نادرة من كتابَي السودان في قرن والسودان عبر القرون، موقعة بخط المؤرخ الراحل البروفيسور مكي شبيكة، فضلا عن نسخ أصلية أخرى من كتب بروفيسور عون الشريف قاسم، وحسن نجيلة، ونعوم شقير، وغيرهم". وأكد أن "تلك المجلدات لم تكن مجرد أوراق، بل هي إرث معرفي لا يُقدّر بثمن، يُفترض أن يُعرض في متاحف وطنية، لا أن يتحوّل إلى وقود في موقد مؤقت".

كما أردف بحسرة كبيرة أنه من "ضمن المفقودات عظام وجماجم في غاية السُمّية تعود إلى بحث جبل مويا بولاية سنار جنوب شرقي السودان. وقد جمعتُ من مقبرة جماعية لأطفال في قمة جبل مويا. وتمثل تلك العظام والجماجم والأسنان المفقودة أحد أهم الأدلة على أن مؤسسة ولكم فاونديشن كانت تقوم بتجارب علمية على الأطفال في منطقة جبل مويا. وفقدانها هو فقدان كبير للسودان ولحقوق الأطفال الذين فقدوا أرواحهم نتيجة لتلك التجارب، ويبلغ عددهم أكثر من 4,000 طفل".

بقايا الحريق داخل المكتبة ويظهر الموقد

وذكر الدابي أيضاً أن مكتبه تعرّض للتلف، ودُمّرت العديد من مقتنياته ولوحاته وتسجيلاته النادرة.

مدينة خرساء

ووصف الدابي العاصمة السودانية بعد عامين من الغياب بأنها "مدينة خرساء، لا تنطق إلا بلغة الفقد". وأضاف أن "الخرطوم التي كانت نابضة بالحياة تحوّلت إلى أطلال"، قائلا "كل شيء فيها يوحي بالخراب.. وجوه شاحبة، أطراف بشرية محترقة، ونظرات منهكة لا تطلب سوى شربة ماء نظيفة".

وتابع مشددا على أن "الحياة أضحت قاسية، والوهن هو السمة المشتركة بين الناس الذين بقوا هناك، لا يقوون حتى على رد السلام".

الصورة الخامسة جزء من السلاح الذي كان يستخدمه القناص من داخل شرفة الشقة

أما المفارقات الغريبة التي صادفها عند العودة، فما سمّاه بـ"ألفة الغرباء"، مشيراً إلى ظاهرة مربكة عاشها أكثر من مرة. وقال "كنت أتمشّى في الحي، أمرّ قرب سكني القديم أو الأماكن التي كنت أتردد عليها باستمرار.. وفجأة، يظهر أشخاص يسلّمون عليّ بحرارة، يروون ذكريات ومواقف وكأنهم عاشوها معي، يعرفون تفاصيل دقيقة عن حياتي، ويؤكدون أنهم من سكان الحي. لكن وجوههم بدت غريبة تماماً، ولا أذكرهم إطلاقاً".

مشقة العيش في قلب الخراب

وأكد الروائي أن الحياة اليومية في الخرطوم باتت أشبه بمسيرة شاقة لا تنتهي، إذ "للحصول على أبسط احتياجاتك من خبز أو زيت أو حتى شحن رصيد للهاتف، قد تضطر إلى السير مسافات تصل إلى عشرة كيلومترات، من دون وسائل نقل، ولا خدمات أساسية." وقال " الحياة هنا أصبحت اختباراً متواصلاً لقدرة الإنسان على الاحتمال".

لكن الخسارة الكبرى، كما أوضح، تمثلت في فقدان جهاز الحاسوب المحمول الذي سُرق من منزله، وكان يحتفظ فيه بإنتاجه الأدبي منذ أكثر من 15 عاماً، ويضم عشرات الروايات والمخطوطات التي لم تُنشر بعد.

صورة المكتبة وعليها بعض آثار الدمار

ومن بين الأعمال التي ضاعت، حسب الدابي، سهارا (رواية عن قرية سودانية معزولة محاصَرة بين البحر والألغام)، ومزاج الشيطان (مأساة نفسية لفتاة مصابة بالفصام)، والغزالة واو (رحلة إنسانية عن الهوية بعد انفصال الجنوب) وغيرها الكثير.

نداء مفتوح باسم الأدب

وفي ختام حديثه، وجّه الروائي نداءً علّه يصل إلى من وجد الجهاز أو من يمتلك حساً إنسانياً. وقال "أنشر هذا النداء باسم الأدب، علّه يصل إلى شخص نزيه يعيد لي جزءاً من ذاكرتي. كل تلك الأعمال من إنتاجي الخاص وأحتفظ بحقوقي الكاملة عليها. اخترت ألا أصمت لأننا لا نُنهب مرة واحدة، بل مرتين: الأولى بالسلاح، والثانية بسرقة الحبر".

يشار إلى أن مهند رجب الدابي (40 عاماً)، كاتب وروائي سوداني، له عدد من الأعمال الأدبية المطبوعة التي أثارت جدلاً كبيراً، خصوصاً رواية أطياف هنري ولكم، الرواية التي كشفت عن الرجل الذي استخدم الأطفال في السودان كفئران للتجارب، وفضحت عدداً من جنرالات الحرب البريطانية خلال مرحلة الاستعمار.

كما أنه مدير مؤسسة نيرفانا الثقافية، التي احتلتها قوات الدعم السريع واتخذتها ثكنة عسكرية طوال فترة تواجدها في الخرطوم.

العربيّة المصدر: العربيّة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار