في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
منذ قرون، تساءل الإنسان: هل تشعر الحيوانات كما نشعر نحن؟ هل يمكن لأخطبوط أن يحزن، أو لسلطعون أن يتألم، أو لنحلة أن تدرك الخطر فعلا؟ هل تمتلك هذه الكائنات وعيا؟
"الوعي" تعريف محير جدا في علوم الأعصاب والفلسفة، لكن يمكن القول ببساطة إن الوعي هو أن يكون للكائن تجربة ذاتية داخلية، أن يشعر، وأن يدرك أنه موجود، وأن يعيش العالم من "منظوره الخاص".
مثلا: أنت لا ترى فقط هذا الكلام المكتوب، بل تشعر بكونك أنت الذي يرى هذا الكلام المكتوب، حينما ترى هذا الكلام المكتوب فـ"هناك شيء من الداخل" يشبه رؤية هذا الكلام وسماع نغمة الهاتف، والشعور بالألم، واتخاذ القرار.
كانت الأسئلة عن الوعي تُعتبر في الماضي فلسفية أكثر منها علمية، لكنها اليوم تقف في قلب أبحاث علم الأعصاب الحديث، بعد أن قدم الباحث جون برايندينغ وزملاؤه، من جامعة ولاية ميشيغان الأميركية إطارا جديدا يصف الطريق إلى فهم الوعي في الكائنات الحية غير البشرية.
في هذا الإطار، الذي نشر مؤخرا في دورية "بيولوجي آند فيلوسفي"، لا يُسأل السؤال بشكل مباشر: هل هذا الحيوان واعٍ؟ بل: ما المؤشرات التي يمكن أن تدل على وعيه؟
اقترح العلماء أن كل كائن يمكن تقييمه عبر مجموعة من العلامات، تشمل:
وكلما وُجد عدد أكبر من هذه المؤشرات في نوعٍ ما، زاد احتمال كونه يمتلك درجة من الوعي، لكن غياب هذه العلامات لا يعني بالضرورة العدم، لأن الوعي قد يتخذ أشكالا مختلفة لم نتخيلها بعد.
وإحدى النقاط الجوهرية في هذا النقاش هي ما يسميه الباحثون مبدأ التماثل، الذي ينص على أن غياب المؤشرات يعني غياب الوعي، ويقابله مبدأ اللاتماثل، الذي يرى أن غياب الدليل ليس دليلا على الغياب، وينقسم الباحثون في معسكرين، كل منهم يتبع مبدأ.
ولكي نفهم ما الذي يقود كل باحث إلى أحد المعسكرين، رسم برايندينغ 3 طرق رئيسية للتفكير ضمن ما يسمى "شجرة القرار": الأولى هي الطريقة النظرية، التي تنطلق من الإنسان، باعتباره النموذج الوحيد الذي نعرف أنه واعٍ بالفعل، ثم تحاول تطبيق ما نعرفه عن أدمغتنا على غيرنا من الكائنات.
هذا المنهج منضبط علميا، لكنه قد يكون محدودا، فربما يمكن للوعي أن يتجسد في صورة لا تشبهنا إطلاقا.
أما الثانية، فهي الطريقة القياسية، التي تعتمد على التشابه في السلوك، فإذا تصرف الحيوان كما يتصرف كائن واعٍ، فربما يملك هو الآخر تجربة داخلية تشبه الوعي.
أما الثالثة فهي الطريقة الوظيفية، التي تركز على ما يفعله الوعي، مثل قدرته على تسهيل التعلم واتخاذ القرارات المتوازنة، لا على شكله أو مكانه في الدماغ.
ولكي يختبر الباحثون فعالية هذه الفروع الثلاثة، استعانوا بعدد من الأمثلة الحيوانية، من بينها السلطعون الناسك. هذا الكائن الصغير يعيش في قوقعة فارغة، ويبدّلها حين تكبر أو تتضرر.
وفي تجارب مختبرية، لاحظ العلماء أنه إذا تلقّى صدمة كهربائية داخل قوقعته، فإنه أحيانا يتركها رغم أهميتها له، وكأنه يختار “الألم الأقل”.
بالنسبة لأنصار المنهج الوظيفي، هذا السلوك دليل على إدراك واع للموازنة بين الألم والمنفعة، أي شكل بدائي من "الإحساس بالذات"، أما أنصار المنهج النظري، فيرون أن بنية السلطعون العصبية أبسط من أن تسمح بوعيٍ حقيقي.
أما أنصار المنهج القياسي فيقارنون سلوكه بما نعرفه من كائنات نعتبرها واعية بالفعل، مثل الإنسان أو الأخطبوط أو الفئران، ومن ثم فحين ينسحب السلطعون من قوقعته بعد تجربة ألم، أو يتردد بين خيارين متناقضين، أو يظهر تفضيلا واضحا بين الأمان والراحة، فهو يتصرف كما يتصرف كائن يشعر.
في نظر برايندينغ، لا تمثل الشجرة طريقا للحكم، بل خريطة لكيفية التفكير، فهي تشرح لماذا يختلف العلماء أصلا، وكيف تؤدي فرضية صغيرة في بداية الطريق إلى استنتاجات متناقضة في نهايته.