سرايا - في ظل نقاش وطني متجدد حول مستقبل منظومة الحماية الاجتماعية، أظهرت نتائج الدراسة الاكتوارية الـ11 للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، أن الوضع المالي للمنظومة ما يزال آمنًا ومستقرًا وقادرًا على الوفاء بالتزاماته تجاه المشتركين والمتقاعدين على المديين المتوسط والطويل.
وأكدت النتائج ابتعاد نقطة التعادل الأولى حتى عام 2030، والثانية إلى عام 2038، ما يوفر هامشًا زمنيًا مهمًا، أمام صانعي القرار لمعالجة الاختلالات دون المساس بالحقوق المكتسبة.
وفي الوقت نفسه، كشفت الدراسة عن تحديات بنيوية أبرزها الارتفاع المتسارع في فاتورة التقاعد، بخاصة المبكر، واستمرار التهرب التأميني واتساع فجوة الشمول، ما يستدعي إصلاحات تشريعية وسياساتية مدروسة.
وأجمع خبراء في الحماية الاجتماعية على أن الدراسات الاكتوارية، أداة إنذار مبكر وليست مؤشرًا على أزمة وشيكة، مؤكدين أن نجاح المرحلة المقبلة مرهون بحوار وطني موسع، يقود لإصلاح متوازن يعزز الاستدامة المالية، ويحسن أوضاع أصحاب الرواتب المتدنية، ويحمي حقوق الأجيال الحالية والقادمة ضمن إطار العدالة والاستقرار الاجتماعي.
وفي إعلان المؤسسة العامة للضمان عن نتائج الدراسة الاكتوارية الـ11، أكدت أن الوضع المالي للمنظومة آمن ومستقر، وأنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المشتركين والمتقاعدين على المدى الطويل، مع ابتعاد نقطة التعادل الأولى حتى عام 2030 والنقطة الثانية إلى عام 2038، ما يعكس متانة الصندوق واستدامته.
وشددت المؤسسة على أن ارتفاع نفقات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة نتيجة التقاعد المبكر والتهرب التأميني، يشكل تحديًا مستمرًا، ما يستدعي تعديلات تشريعية وسياساتية مدروسة لتعزيز الاستدامة المالية وترحيل نقاط التعادل إلى مدد زمنية أطول.
وأكدت المؤسسة أن أي إصلاح مستقبلي سينطلق من 3 مبادئ رئيسة، تتبلور بـ: ضمان استدامة وضعها المالي، وحماية حقوق الأجيال القادمة، وتحسين أوضاع المتقاعدين ذوي الرواتب المنخفضة.
وأوضحت، أن الحوار حول الإصلاحات سيجري عبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي مع الشركاء والخبراء للوصول إلى حلول متوازنة ومستدامة.
منظمة متماسكة
رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، أكد أن نتائج الدراسة تكشف مرة أخرى بأن منظومة الضمان، ما تزال متماسكة ماليًا، وقادرة على الوفاء بالتزاماتها على المديين المتوسط والطويل.
وأضاف إن "الدراسة كشفت أيضًا عن مكامن الخلل، مثل التوسع الكبير في التقاعد المبكر وأحكام قانون العمل التي سمحت بإنهاء خدمات العاملين دون مبررات حقيقية، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة للسياسات، وليس تحميل الأفراد وحدهم المسؤولية".
وأشار أبو نجمة، إلى أن التهرب التأميني واتساع فجوة الشمول، ما يزالان من أخطر التحديات التي تواجه الضمان، مؤكدًا أن أي إصلاح يجب أن يركز على توسيع قاعدة المشتركين، وضبط الأجور المصرح عنها وتحسين الرقابة والتفتيش.
وأضاف أبو نجمة إن "إطلاق حوار وطني عبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي خطوة إيجابية، ونأمل أن يكون حوارًا حقيقيًا، يشمل مراجعة شاملة للواقع والسياسات والإجراءات، بما يحقق الإصلاح المتوازن الذي يحمي النظام، ويحسن أوضاع أصحاب الرواتب التقاعدية دون المساس بالمزايا والحقوق المكتسبة".
كشف مكامن الخلل
بدوره قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، إن "الدراسة الاكتوارية للضمان، نجحت بأداء دورها القانوني والفني، كأداة لفحص استدامة المنظومة التأمينية"، موضحًا بأن الاكتوارية تُشخّص الواقع المالي والديموغرافي، وتكشف مكامن الخلل المحتملة.
وأضاف عوض إن "الاكتوارية، أداة تقييم وإنذار مبكر، تهدف إلى قياس قدرة صندوق الضمان الاجتماعي على الاستمرار في الوفاء بالتزاماته، وليست أداة تنفيذ أو إصلاح مباشر".
وأشار إلى أن نتائج الدراسة الـ11، تؤكد أن الوضع المالي للضمان، ما يزال آمنًا ومستقرًا على المدى المتوسط، وأن النظام لم يبلغ بعد نقاط التعادل، ما يعكس متانة الصندوق حتى الآن. لكنه شدد على أن هذا الاستقرار يبقى مشروطًا، إذ تُظهر النتائج اقتراب نقاط التعادل في السنوات المقبلة، ما يستدعي تدخلات تشريعية وسياساتية مدروسة لتعزيز التوازن بين الإيرادات والنفقات.
وأوضح عوض، أن الدراسات الاكتوارية تشكّل أرضية علمية للحوار الوطني حول إصلاح قانون الضمان، وتوجيه التعديلات اللازمة على بعض تفاصيله، بما يحافظ على ديمومة النظام ويعزز العدالة بين الأجيال، بخاصة وأن الضمان، هو العمود الفقري لمنظومة الحماية الاجتماعية في الأردن.
وأضاف "ما كشفت عنه الدراسة الاكتوارية من نتائج، كان واضحًا للمتابعين المختصين منذ سنوات، فقد حذرنا مرارًا من توسع الحكومات بإحالة موظفيها على التقاعد المبكر، ما أسهم بتضخيم الفاتورة التقاعدية، بالإضافة لامتناع الحكومة عن دفع جزء من اشتراكات العسكريين، وربط ذلك بمعدلات النمو الاقتصادي، واتساع العمل غير المنظم والتهرب التأميني، وهي عوامل أضعفت قاعدة المشتركين وزادت الضغوط على الصندوق".
أداة أساسية لتقييم الاستدامة
وقال خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي، إن المؤسسة العامة للضمان مُلزمة قانونيًا، بموجب قانون الضمان، بإجراء دراسة اكتوارية واحدة على الأقل كل ثلاث سنوات"، مشيرًا إلى أنه لا يوجد ما يمنعها من إجراء أكثر من دراسة خلال الفترة ذاتها إذا دعت الحاجة، وذلك بهدف الوقوف على أوضاعها المالية المستقبلية في ضوء النفقات التأمينية والإيرادات المتوقعة.
وأوضح الصبيحي، أن الدراسات الاكتوارية أداة أساسية لتقييم الاستدامة المالية للمؤسسة، خصوصًا في ظل الارتفاع المتسارع لفاتورة التقاعد، والتي تشكل المكوّن الأكبر من النفقات التأمينية، لافتًا إلى أن نتائج هذه الدراسات، تُستخدم لاتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة في حال وجود اختلالات أو مؤشرات تستدعي التدخل.
وبيّن أن مؤسسة الضمان، استنادًا إلى مخرجات الدراسة، قد تلجأ إلى مراجعة سياساتها في الشمول التأميني، ومواجهة التهرب التأميني بأشكاله الجزئية والكاملة، بالإضافة لإعادة النظر في سياسات التقاعد المبكر وترشيدها، وفي حال الضرورة القصوى يجري التوجه نحو تعديل قانون الضمان الاجتماعي بما يعزز المركز المالي للمؤسسة.
وأشار الصبيحي إلى أن الدراسة الاكتوارية، تعطي 3 مؤشرات رئيسة، أولها نقطة التعادل بين الاشتراكات والنفقات التأمينية، والثاني نقطة التعادل بين النفقات من جهة والاشتراكات، مضافًا إليها عوائد الاستثمار من جهة أخرى، أما المؤشر الثالث، فهو مرحلة العجز الكبير في المركز المالي للمؤسسة، مؤكدًا أن هذه المؤشرات لا تعني حتمية تحققها، وإنما تُعد بمنزلة منبهات مبكرة لاتخاذ الإجراءات الوقائية.
وحول نتائج الدراسة الاكتوارية الـ11، أكد الصبيحي أنها تحمل تنبيهًا مهمًا للمؤسسة والحكومة بضرورة تعديل قانون الضمان الاجتماعي، لا سيما في ظل التوقعات بأن تتساوى الاشتراكات مع النفقات التأمينية، وفاتورة التقاعد بحلول عام 2030، وهو أفق زمني قريب يستدعي تدخلاً عاجلًا.
وأوضح أن هذا الواقع يعني تراجع موجودات مؤسسة الضمان إلى ما دون عشرة أضعاف نفقاتها التأمينية، كما قُدّر في الدراسة الـ10، وهو ما يفرض على الحكومة والمؤسسة الشروع بإجراءات تشريعية وإدارية لتصويب المسار، إلى جانب مراجعة السياسات والقرارات التي كان لها أثر سلبي على المركز المالي، وعلى رأسها التوسع المفرط في التقاعد المبكر، خاصة في القطاع العام.
وشدد الصبيحي، على ضرورة وقف التقاعدات المبكرة القسرية في القطاع العام بشكل فوري، وحصر التقاعد المبكر بالحالات الضرورية فقط، إضافة إلى توسيع قاعدة المشمولين بالضمان، ولا سيما الفئات التي ينطبق عليها القانون حكمًا لكنها لا تزال خارج مظلة الحماية الاجتماعية.
وأكد أن شمول هذه الفئات، لا يهدف فقط إلى تعزيز المركز المالي للضمان، بل أيضًا إلى توفير الحماية الاجتماعية اللازمة للعاملين، معتبرًا بأن نجاح المؤسسة يعتمد على حسن قراءة نتائج الدراسة الاكتوارية، واتخاذ قرارات جريئة ومدروسة لتعديل القانون وتصويب السياسات.
ولفت الصبيحي إلى أن فرص النجاح عالية، مشددًا على أن الدولة بكل أطرافها، لا يمكن أن تقبل باقتراب نقطة التعادل الأولى، بل يجب ترحيلها إلى ما بعد عام 2035 ثم إلى ما بعد 2040، بما يحقق أفق أمان مالي يمتد من 30 إلى 40 عامًا، وهو المعيار المعتمد في معظم دول العالم لضمان استدامة أنظمة الضمان الاجتماعي.
الغد
المصدر:
سرايا