سرايا - مع افتتاح جلالة الملك عبد الله الثاني الأحد المقبل في الـ26 من الشهر الحالي، أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الـ20 بخطبة العرش، وهي لحظة سياسية ودستورية تحمل رمزية عميقة، تضع مجلس النواب أمام اختبار حقيقي لاستعادة الثقة الشعبية بعد أداء باهت بالدورة الماضية، من المرجح، أن يؤكد جلالته بخطبة العرش، على ثوابت الدولة الأردنية ورؤيتها بالإصلاح والتحديث، وسيشكل الخطاب الملكي الإطار المرجعي وخريطة الطريق الذي يُفترض أن يترجم النواب مضامينه لفعل تشريعي ورقابي.
فجلالة الملك، كما في كل دورة، يرسم الخطوط العامة لمستقبل العمل الوطني، لكن تفعيل تلك الخطوط يقع على عاتق المجلس، ومن هنا، فإن أول ما سيُقاس به أداء النواب هو مدى جديتهم بالتعامل مع ما يرد في الخطاب، لا عبر البيانات الشكلية، بل عبر مواقف وإجراءات عملية تؤكد أنهم شركاء في الإصلاح لا متفرجون عليه.
التحدي الحقيقي الذي يواجه النواب في هذه المرحلة، هو استعادة ثقة الأردنيين، فالمزاج الشعبي العام بات أكثر نقدية، وأقل صبرا على الأداء التقليدي، والمجتمع السياسي بكل أطيافه، ينتظر من النواب أداء يواكب متطلبات التحديث التي يقودها جلالة الملك منذ سنوات، فالأردن يعيش مرحلة تحول إداري واقتصادي وسياسي عميق، ومن غير المقبول أن يبقى مجلس النواب خارج هذا المسار أو متأخرًا عنه، ولهذا فإن المنتظر أن يعكس مجلس النواب روح الإصلاح، ويعيد الاعتبار لمفهوم الرقابة كمسؤولية وطنية لا كشعار انتخابي.
المشهد البرلماني، الذي سيرافق افتتاح الدورة الجديدة، لا يقتصر على المراسم الدستورية المعتادة، بل يعكس حاجة ملحة لتجديد الروح داخل المؤسسة التشريعية، وإعادة الاعتبار لدورها بوصفها سلطة رقابة وتشريع فاعلة لا شكلية، فما أن يلقي جلالته خطاب العرش السامي، حتى تبدأ المراسم البرلمانية بجلستين، أولاهما لمجلس الأعيان، ثم للنواب، برئاسة أقدم النواب لانتخاب رئيس المجلس الجديد والمكتب الدائم الذي يتشكل من النائب الأول والثاني والمساعدين.
الجلسة الافتتاحية للنواب، تخفي خلفها حراكا نيابيا مكثفا يجري بهدوء بالكواليس، بحثا عن تفاهمات تحدد شكل القيادة المقبلة للمجلس، واتجاه بوصلة عمله في الأشهر الستة القادمة وهي عمر الدورة العادية التي تنتهي في الـ26 من أيار "مايو" من العام المقبل.
حتى الآن، تشير المعطيات إلى أن المنافسة على موقع رئيس المجلس تدور في نطاق ضيق، بين أسماء أبرزها النواب مصطفى الخصاونة، مازن القاضي، علي الخلايلة، وسط حديث عن اتصالات وتفاهمات قد تفضي إلى انسحابات أو توافقات قبل جلسة الانتخاب.
المزاج النيابي العام، يميل لتجنب المعارك الحادة داخل القبة، في ظل إدراك متزايد بأن المجلس لا يحتمل انقساما أو استنزافا داخليا، وأن ما يحتاجه هو الاستقرار السياسي والمأسسة في الأداء، ولذلك قد يشهد الأسبوع الحالي توافقات كتلوية على شكل المكتب الدائم وحتى اللجان النيابية، والمرجح أن تتوافق الكتل خلال الساعات المقبلة على اسم الرئيس وأعضاء المكتب الدائم.
ورغم أهمية موقع الرئاسة وما يرافقه من حسابات وتوازنات، إلا أن جوهر الدورة المقبلة لا يقف عند انتخاب الرئيس ونوابه، بل يتعداه إلى سؤال أكبر، هل يستطيع المجلس استعادة ثقة الناس؟ فالدورة الماضية، التي خيّم عليها الغياب النسبي للدور الرقابي وضعف الفاعلية في النقاشات العامة، تركت انطباعا سلبيا لدى الرأي العام، وشعورا بأن المؤسسة التشريعية فقدت جزءًا من حضورها وتأثيرها.
لهذا كله، يقف النواب أمام فرصة نادرة لتصحيح المسار، وإظهار أن المجلس قادر على التجدد من الداخل، وعلى ممارسة دوره الدستوري بجدية ومسؤولية، لا بمجاملات سياسية أو حسابات شخصية.
التحدي أمام النواب في دورتهم المقبلة لا يتعلق بعدد القوانين التي سيمررها، بل بنوعية الأداء ومستوى النقاش، فالمواطن الذي يتابع عن قرب ما يجري تحت القبة، لم يعد يكتفي بخطابات عامة، بل يريد أن يرى أثرًا ملموسًا في السياسات العامة، ومواقف واضحة في القضايا المعيشية والاقتصادية التي تمس حياته اليومية، وأولئك يريدون مجلسا يُراقب لا يُصفق، يناقش بعمق، ويمثل مصالحهم بصدق لا بمصالح الأفراد.
جدول الدورة الثانية مزدحم بالملفات الثقيلة كقوانين الموازنة العامة للعام 2026، والعمل والضمان الاجتماعي، والإدارة المحلية ومشاريع القوانين الاقتصادية والإدارية المرتبطة بمسار التحديث الوطني، وربما قوانين كالأحزاب والانتخاب، وكلها ملفات ستضع النواب أمام امتحان مهني حقيقي، بين من يقرأ تفاصيل التشريع ويدافع عن المصلحة العامة، ومن يكتفي بالتصويت دون موقف.
كما أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة، كارتفاع الأسعار والبطالة إلى واقع الخدمات العامة، ستفرض نفسها على جدول النقاشات تحت القبة، ما يجعل من هذه الدورة دورة اختبار شامل لأداء المجلس.
بالمجمل فإن افتتاح الدورة الثانية لا يمثل مجرد استحقاق دستوري متكرر، بل لحظة مفصلية لمؤسسة تحتاج إلى تجديد ثقتها بنفسها وبالناس، فإما أن يلتقط المجلس اللحظة ويعيد بناء صورته عبر عمل تشريعي ورقابي حقيقي، أو يواصل الدوران في الحلقة ذاتها التي أضعفت حضوره في السابق.
الغد