سرايا - تشهد مدينة العقبة موجة حر غير مسبوقة، أعادت تشكيل ملامح الحياة اليومية في المدينة الساحلية التي لطالما كانت ملاذا للسياح والمواطنين الباحثين عن نسمة بحر تخفف وطأة الصيف.
درجات الحرارة التي تجاوزت حاجز الـ48 درجة مئوية تحولت إلى واقع ضاغط فرض إيقاعا جديدا على سكان المدينة وزوارها، وأعاد ترتيب أولوياتهم، بل وأجبرهم على الانسحاب من الفضاء العام إلى عزلتهم المنزلية، في مشهد يشبه إلى حد بعيد حظرا غير معلن للتجول.
في قلب الأسواق الرئيسة، حيث كانت الحركة لا تهدأ حتى في أكثر أيام الصيف حرارة، بدت الشوارع شبه خالية، والمحلات التجارية تفتح أبوابها على استحياء، وكأنها تواسي نفسها بوجود عابر أو زبون محتمل، فيما يتبادل أصحاب المحلات النظرات بين بعضهم ويتحدثون عن أيام كانت فيها العقبة تعج بالحياة، وعن هذا الصيف الذي قلب المعادلة.
التاجر محمد أبو خشب يقول "منذ أسبوع تقريبا لم يدخل إلى المحل أكثر من زبونين في اليوم الواحد"، مؤكدا "أن المواطنين لا يخرجون من منازلهم، والسياح بعدد متواضع يفضلون البقاء في الفنادق أو على الشاطئ في ساعات الصباح الباكر فقط، ولكن بعد الظهر تتحول المدينة إلى صحراء ساكنة".
وأكد التاجر أحمد أبو العز "أن الحركة التجارية في الليل تكون في حالة أفضل، نظرا لالتزام العديد من المواطنين منازلهم أثناء ساعات النهار بسبب ارتفاع درجات الحرارة".
عدم وجود زبائن
وبين التاجر علاء الرياطي أنه "في فترة ساعات النهار تبدو المدينة السياحية شبه خالية بسبب الارتفاع اللافت على درجات الحرارة، والتي تتجاوز أحيانا 47 درجة مئوية"، مشيرا إلى "أن بعض المحلات التجارية في تلك الفترة تغلق أبوابها لعدم وجود زبائن، وخوفا من الخسائر نتيجة تشغيل المكيفات التي تستهلك طاقة كهربائية كبيرة جدا".
وأوضح الرياطي "أن فترة المساء تشهد حركة تجارية متواضعة من المتسوقين، ممن يعمدون إلى قضاء وشراء مستلزماتهم بعد انخفاض درجات الحرارة قليلا".
الأسر العقباوية التزمت المنازل، وبالذات أثناء ساعات النهار، مستخدمة المكيفات الكهربائية، بينما يطالب بعضهم بتخفيض تعرفة الكهرباء، خصوصا خلال أجواء الصيف الحارة التي تشهدها مدينة العقبة.
كما تشهد المدينة خلال أشهر الصيف هجرة عكسية لبعض العائلات إلى المحافظات الأخرى، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والانتقال إلى مناطق درجات حرارتها أقل وطأة، للاستمتاع بأجواء العطلة الصيفية.
ارتفاع فواتير الكهرباء
وطالت الحرارة المرتفعة البنية المجتمعية نفسها، لا سيما العائلات التي كانت تخرج للتنزه أو التسوق في المساء، وباتت تؤجل كل نشاطاتها إلى ما بعد غروب الشمس، وحتى ذلك لم يعد كافيا، كما تقول الأربعينية أم فاضل وهي أم لثلاثة أطفال "كنا نخرج بعد العصر إلى السوق أو إلى البحر في المنطقة الجنوبية، لكن الآن لا أجرؤ على إخراج أولادي نتيجة الحرارة التي لا تطاق، حتى في الليل الجو خانق، والمكيفات لا تكفي بل ترتفع معها فاتورة الكهرباء إلى أرقام قياسية تصل إلى 400 دينار في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)".
وأشارت أم فاضل إلى "أن هذا التحول في نمط الحياة اليومية يعكس حجم التأثير الذي أحدثته موجة الحر التي طالت الأجساد والمزاج العام والإحساس بالمدينة نفسها".
وبحسب دائرة الأرصاد الجوية، فإن درجات الحرارة ستواصل ارتفاعها في الأيام المقبلة، لتتجاوز المعدلات السنوية بنحو 3 إلى 5 درجات مئوية، ما يعني أن العقبة ستبقى تحت وطأة طقس شديد الحرارة.
وبين العامل في القطاع السياحي محمد حجازي أن "ارتفاع درجات الحرارة ساهم في التزام الزوار والسياح في المدينة بالبقاء في الفنادق، والخروج فقط إلى برك السباحة"، مؤكدا "أن الحركة السياحية على الفنادق جيدة مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي"، في حين لفت إلى "أن استمرار ارتفاع درجات الحرارة سيدفع النزلاء والزائرين حتما لمغادرة العقبة وبالتالي تدني نسبة الحجوزات".
وكانت شركة كهرباء العقبة قد أعلنت حالة الطوارئ في كافة دوائرها وأقسامها، استجابة لموجة الحر التي تشهدها المملكة عموما، وهذا الإعلان يعكس حجم الضغط الذي تتعرض له البنية التحتية، خصوصا في ظل الاستخدام المكثف لأجهزة التكييف والتبريد، وارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية.
وقال المدير التنفيذي لشركة كهرباء العقبة إن هذا الإعلان يأتي كإجراء وقائي يهدف إلى تعزيز ورش الطوارئ بأخرى مساندة ذات اختصاص كورش المحطات والكوابل، ورفع جاهزيتها، وإيقاف الأعمال المبرمجة وأي إطفاءات وتأجيلها إلى ما بعد انتهاء موجة الحر الشديد، بالإضافة إلى مراقبة الأحمال على المحطات الرئيسية من خلال معلومات شاشة السكادا في المنطقة، بالإضافة إلى مركز المراقبة والتحكم، وتفعيل المنوال التشغيلي المناسب إن لزم الأمر، إلى جانب التأكد من جاهزية الآليات والروافع، وإيقاف الإجازات للكادر الفني لحين انتهاء موجة الحر.
الرقابة على الأغذية
يشار إلى أن مدينة العقبة تشهد في مثل هذا الوقت من السنة ارتفاعا حادا على درجات الحرارة، نتيجة عبور كتل هوائية حارة تتأثر بها المملكة، ما يدفع العديد من المواطنين لزيادة استخدام الطاقة، الأمر الذي يرفع بالتالي استهلاكهم للكهرباء وبالتالي تضخم فواتيرهم بهذا الشأن، وإرهاق كاهلهم ماليا.
إلى ذلك، يطالب مواطنون بتكثيف عمل الجهات الرقابية والتموينية في العقبة لضمان سلامة الغذاء وتفادي أي حالات تسمم قد تُفاقم من آثار موجة الحر الحالية، مؤكدين "أن الرقابة تعد ضرورة ملحة في ظل الظروف المناخية القاسية التي تمر بها المدينة".
ويعبر المواطن عماد المطارنة وهو رب أسرة عن قلقه من "تدهور جودة المواد الغذائية المعروضة في الأسواق"، مشيرا إلى أنه شخصيا "لا يشتري اللحوم من أي محل قبل التأكد من وجود تبريد مناسب بسبب الأجواء شديدة الحارة، خصوصا أن اللحوم سريعة التلف".
وأكد المطارنة أنه "من المفترض أن يكون في رقابة مشددة، ليس فقط على اللحوم، وإنما المطاعم أيضا ومختلف محال المواد الغذائية، لأن أي إهمال ممكن يسبب تسمما".
كما تقول أم محمد إنها "تعاني من صعوبة الحفاظ على سلامة الطعام في المنزل نتيجة عدم تبريد الثلاجة كما في السابق والسبب ارتفاع درجات الحرارة"، مضيفة أنها "تتخوف من فساد الطعام في الثلاجة كما حصل معها الأسبوع الماضي، حيث قامت بإلقاء اللحوم التي اشترتها في القمامة بعد فسادها وتغير لونها بعد يوم واحد فقط".
أما الشاب جودة ناصر الذي يعمل في أحد المطاعم السياحية، فيقول "نحن نلتزم بالتبريد والنظافة، خصوصا أن درجات الحرارة عالية جدا وقد يؤدي أي إهمال أو تقصير بمتابعة الأغذية إلى كارثة صحية"، مشيرا في الوقت ذاته، إلى "أن الرقابة ضرورية ليس فقط لحماية الزبائن، بل لحماية سمعة العقبة كمكان سياحي أيضا".
الغد