آخر الأخبار

ما سيناريوهات التزويد المائي صيفا إذا استمر الانحباس المطري؟

شارك الخبر

سرايا - ما يزال ينظر للموسم المطري الحالي على أنه ثاني أضعف المواسم منذ العام 1958، وفي حال استمر الحال على ما هو عليه، تتفتّق أسئلة كثيرة حول سيناريوهات التزويد المائي للصيف المقبل.

خيارات صعبة لكن الحاجة ملحة، هكذا يصف خبراء في قطاع المياه، في تصريحات، المشهد المرتقب لملف المياه خلال الصيف المقبل، طارحين عدة سيناريوهات لإدارة ملف الدولة التي تتربع على قائمة الدول الأفقر مائيا في العالم.

ولا شكّ أن انعكاسات استمرارية "ضعف" أداء الموسم المطري، في حال طال أمده، لن تكون مرضية خاصة خلال الموسم الذي يشهد فيه الطلب على المياه ذروته وحدوده القصوى، وهو فصل الصيف، إلا أن مواجهة هذا التحدي لن تكون مستحيلة، وستكون مرتبطة بسيناريوهات عملية وواقعية.
وتفاقمت تبعات الانحباس المطري الذي تعاني منه المملكة خلال الموسم الشتوي الحالي، المخاوف من طول أمده، لاسيما في ظل الوضع المائي الحرج، وعطش السدود في المملكة التي تصنف الدولة الأفقر مائيا على مستوى العالم، والمعروف بعجزها السنوي الكبير بين الطلب والمتاح.
وهو الأمر الذي أشار مدير إدارة الأرصاد الجوية رائد رافد آل خطاب، إلى تقييمه في تصريحات سابقة، معتبرا أن هناك "ضعفا واضحا" في الأداء المطري شهده الموسم الشتوي الحالي 2024 - 2025 في معظم مناطق المملكة، لافتا إلى أن أداء الموسم المطري الحالي، يعد "ثاني أضعف أداء بعد الموسم المطري 1958 – 1959، وذلك وفق السجل المناخي لمحطة رصد مطار عمان المدني، الذي يمتد لأكثر من 100 عام".
وأضاف آل خطاب حينها، إن مربعانية الشتاء تتبعها خماسينية الشتاء، التي تُساهم بأمطار تُعادل حوالي 37 % من المعدل الموسمي العام، وتمتد حتى بداية الاعتدال الربيعي، ومع استمرار الموسم المطري حتى الثلث الأول من شهر أيار (مايو).
وبحسب وزارة المياه والري، أكدت أنها قامت بوضع خطط وبرامج عبر سيناريوهات مختلفة للتعامل مع كافة الظروف بخصوص الموسم المطري، إلا أن التوقعات بتجدد الأمطار ما تزال قائمة، وفق تصريحات صحفية للناطق باسم الوزارة عمر سلامة.
ومن المؤمل أن تشهد المملكة حالات من عدم الاستقرار الجوي والمرافقة لهطولات مطرية متواصلة خلال الموسم الحالي، لاسيما في ضوء تأثيرها بالغ الأهمية بتعزيز دورها في رفع كميات جريان المياه نحو مواقع السدود.
وفي السياق ذاته، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات، أن قطاع المياه في الأردن "ليس هشّاً"، وهو يستند في تزويده المائي إلى مجموعة من مصادر المياه المتوفرة والتي لا تتأثر جذرياً على المدى القصير بموسم مطري أقل من المعدل بشكل يهدد الاستقرار المائي.
وأشار الدحيات إلى توفر خطط طوارئ تستند إلى إستراتيجية قطاع المياه وبرامجها التنفيذية، ويتم تطبيقها حسب السيناريوهات المعدّة والتغيّرات التي تطرأ على المصادر المائية، وتعتمد كذلك على البرامج والتوقّعات المناخية الوطنية المنشورة التي بيّنت منذ 10 سنوات تأثر قطاع المياه بانخفاض الهطول المطري وما ينتج عنه من قلة التغذية الجوفية والجريان السطحي للمياه، وزيادة احتمالية حدوث ظاهرة الجفاف خلال السنوات المقبلة.
وقال الأمين العام الأسبق لـ"المياه" إن دولا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، توجهت منذ فترة ليست بالقصيرة نحو تحلية مياه البحر كخيار مستدام إستراتيجي، مضيفا: "بالتالي أصبح لزاما علينا تنفيذ هذا الحل والذي نحن في المراحل النهائية للبدء في تنفيذه".
وبين أن معدل حجم الهطول المطري طويل الأمد، بلغ 8.5 مليار متر مكعب سنوياً، لا يستفاد من 93 % منه، أي حوالي 7.9 مليار متر مكعب سنوياً، بسبب التبخّر، في حين يتبقى منها حوالي 600 مليون متر مكعب يستخدم منها 275 مليونا لتغذية وشحن المياه الجوفية، و325 مليونا كجريان سطحي يتم تجميع جزء منه في السدود البالغة طاقتها التخزينية نحو 288 مليون متر مكعب.
وأوضح أنه يتم الاعتماد على كمية 650 مليون متر مكعب من المياه الجوفية وتشكل 60 % من الموازنة المائية السنوية البالغة 1.100 مليون، تستخدم 57 % منها لأغراض الشرب، و40 % منها للري في المناطق المرتفعة تحقيقا لرؤية الأمن الغذائي.
وتابع أن ذلك يتم من خلال أربعة أحواض جوفية رئيسة تشكّل 80 % من إجمالي المياه الجوفية المستخدمة سنوياً وهي حوض الديسي غير المتجدد، وحوض عمان-الزرقاء، وحوض الأزرق، وحوض اليرموك، مع الأخذ بالاعتبار هبوط منسوب ومستوى سطح المياه فيها من 1-3 أمتار/ العام، بسبب التغيير المناخي حيث يتم تعميق آبار هذه الأحواض سنوياً لاستغلال الطبقات المائية الأخرى بحسب تقارير معهد علوم الأرض الفيدرالي الألماني (BGR).
ونوه الدحيات بأن تغذية وشحن للمياه الجوفية لا تحصل في الموسم المطري ذاته، حيث تعتمد التغذية على نفاذية ومسامية الطبقات المائية في التكوينات الجيولوجية المختلفة المشكّلة للأحواض المائية، وبالمعدّل تحتاج المياه حسب سرعتها النفاذية لمدة تتراوح بين 5-10 سنوات لتغذية المياه الجوفية.
ولفت إلى مساهمة الجريان السطحي في تعزيز كمية المياه في السدود الرئيسة في المملكة البالغة سعتها التصميمية 288 مليون متر مكعب، وأكبرها وأهما سد الوحدة بسعة تصميمية 110 ملايين متر مكعب، وسد الملك طلال 78 مليونا، وسد الموجب بسعة 30 مليونا، بالإضافة إلى كميات المياه السطحية التي تشكل حقوق الأردن المائية الثابتة بموجب اتفاقيات المياه المشتركة التي يحصل عليها الأردن سنوياً، والتي تتراوح بين 120 – 140 مليون متر مكعب سنويا.
وعن سيناريوهات الحلول لمواجهة ضعف الموسم المطري في حال طول أمده، اقترح الأمين العام الأسبق لـ"المياه"، المضي في سياق مجموعة إجراءات من شأنها الحد من أي أزمات قد تشهدها المملكة صيفا، من ضمنها؛ أهمية الاستمرار في تنفيذ إجراءات خفض فاقد المياه والذي انخفض بنسبة 6 % خلال العامين السابقين، وردم الآبار المخالفة والتي أدت بدورها إلى توفير ما يتجاوز 60 مليون متر مكعب خلال العام 2023 – 2024.
ودعا إلى ضرورة زيادة كميات المياه التي يتم ضخها من مشروع جر مياه الديسي من 100 مليون متر مكعب العام 2025 لتصل إلى 120 مليونا، بزيادة قدرها 20 مليون متر مكعب وبشكل مماثل لما كان يتم في السنوات السابقة.
وأوصى بأهمية إعادة تأهيل وتعميق الآبار الجوفية في مجموعة الآبار الرئيسة في المملكة، الكوريدور، العاقب، اللجون، السلطاني، الحلابات، أبو الزيغان، القطرانة، السواقة، سمنة، الحسا، الأوسا، بهدف ثبات وزيادة كمياتها المستخرجة لغايات الشرب، بالإضافة لشراء المياه من الآبار الخاصة المرخّصة في المناطق التي قد تتأثر من تدني الهطول المطري العام 2025.
وأشار إلى تخصيص بعض لمبالغ لذلك في موازنة العام 2025 لقطاع المياه، وتجهيز وحدات متنقلة لتحلية الآبار المالحة وربطها على شبكات المياه لبعض التجمعات السكانية.
وخلص الدحيات إلى أهمية البدء بالسماح للمزارعين في الأغوار الشمالية والوسطى بحفر الآبار المالحة، وتركيب وحدات معالجة وخلطها مع مياه الري بموجب موافقة مجلس الوزراء التي صدرت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2024، ما سيوفر مياها إضافية للري.
ومن ضمن الإجراءات التي دعا الدحيات إلى أهمية المضي بها في سياق مواجهة أي تحديات قد تجابه المملكة الصيف المقبل، شدد على أهمية طرح عطاء شراكة مع القطاع الخاص لتمويل وتنفيذ وتشغيل تطوير حوض العاقب الجنوبي (البازلت) على مبدأ (BOT) الذي تم اكتشافه العام 2017 والذي يوفر كميات مياه 10-15 مليون متر مكعب سنوياً، وبنفس الطريقة عطاء لتمويل وتنفيذ وتحلية وتشغيل مجموعة آبار حسبان المكتشفة سابقاً والتي توفر كميات مياه تبلغ 10 ملايين متر مكعب سنويا.
وذلك إلى جانب تشغيل نظام إعادة استخدام المياه المعالجة من محطات التنقية في محافظة إربد، والذي تم تنفيذه بتمويل بنك الإعمار الألماني الذي يوفر كميات مياه معالجة وفق أفضل المواصفات الفنية تصل إلى 10 ملايين متر مكعب سنويا يمكن استخدامها لأغراض الري في الأغوار الشمالية وبعد الخلط مع مياه سطحية من قناة الملك عبدالله.
ودعا إلى أهمية تفعيل بند الموازنة الوارد في موازنة وزارة الزراعة والخاص بإدارة المخاطر الزراعية لتعويض بعض المزارعين المتأثرين بنقص حصصهم المائية في وادي الأردن وخاصة في الأغوار الشمالية.
وأكد أهمية دور توقيع مذكرات تفاهم مع القطاع الخاص بخصوص مناطق امتياز لاستكشاف المياه الجوفية في الطبقات المائية المتوسطة والعميقة في الأحواض المائية الجوفية وبشكل مماثل لمذكرات تفاهم استكشاف النفط والغاز التي تبرمها وزارة الطاقة والثروة المعدنية مع القطاع الخاص.
وشدد على أهمية إنجاز الغلق التجاري والمالي لمشروع الناقل الوطني للمياه خلال العام الحالي 2025 والذي يتوقع أن يؤمن كميات مياه تصل إلى 300 مليون متر مكعب من مياه الشرب في نهاية العام 2029، وهو المشروع الإستراتيجي الذي سيحقق درجة عالية من الأمن المائي لمصادر مياه داخل الحدود وبتكلفة متقاربة مع التكلفة الإجمالية الحالية للمتر المكعب الواحد من المياه.
ونوه بأهمية دور تفعيل عمل اللجان الفنية للمياه المشتركة مع الجانب السوري المشكلة بموجب اتفاقية العام 1987 بخصوص استغلال مياه نهر اليرموك وتبادل المعلومات
حول المزروعات والمياه المستخدمة والمحجوزة خلف السدود ونوعية المياه، وأي تلوث في المناطق داخل الأراضي السورية أعلى سد الوحدة في حوض اليرموك،بالإضافة لحوكمة المياه الجوفية واستدامة المياه الجوفية.
من جانبه، أشار الأمين العام الأسبق لسلطة المياه مالك الرواشدة إلى تحدّ كبير قد يواجه الصيف المقبل في ظل تأخر موسم الأمطار للموسم الشتوي الحالي وانحباسها على فترات، وخاصة فيما يرتبط بمختلف الاستخدامات من جهة، والطلب على مياه الري حاليا في فصل الشتاء من أخرى، وهو الأمر الذي يشكل ضغطا على الموارد.
وفي مواجهة تحديات التزويد المائي خلال الصيف، لفت الرواشدة إلى حساسية عالية في حال تعطل أحد المصادر، الأمر الذي ينعكس على أدوار التوزيع، مبينا أنه لدى الجهات المعنية في إدارة التزويد سواء في وزارة المياه والري بسلطتيها أو الشركات التابعة لها، دوما، "إجراءات وخطط تنفيذية وتشغيلية للحد من الأثر المباشر للتعامل معها، آخذين بالاعتبار أن هناك جهودا كبيرة تبذل بهذا الخصوص".
وقال: "نثق في قطاع المياه في الأردن وتمتعه بمرونة عالية وفعالية كبيرة للتعامل مع كافة الظروف والتحديات، وأن هناك خططا إستراتيجية وتنفيذية تتم متابعتها وتنفيذها بكفاءة إدارية وفنية عالية".
وأضاف: "توجد مشاريع متعددة تنفذ على أرض الواقع وقدرة كبيرة على جلب تمويلات كبيرة الجهات المانحة والممولة لمشاريع القطاع، وأيضا أنظمة وممارسات
ذات تقنية وخبرات واسعة يتم تنفيذها وتحسن في الكثير من مؤشرات الأداء".
إلا أنه رأى في الوقت ذاته، أن "التحدي ما يزال كبيرا ويتطلب الكثير من الاستثمارت في القطاعات والاختصاصات الفنية والإدارية والهندسية والمصادر والمحطات
والأنظمة".
أما ما يخص المحافظات والقطاعات الأكثر تأثرا في حال كان الهطول المطري أقل من المعدل، فأوضح الأمين العام الأسبق لـ"المياه" أن "معظم المحافظات تتأثر
بدرجات متفاوتة وحسب كميات التوزيع المطري على مناطق المملكة والشحن الجوفي، والكميات التي تزود السدود التي تعتمد عليها الزراعات المروية".
وتابع: "لا بد من الأخذ بالاعتبار أنه حتى في الأعوام التي يكون فيها معدل الهطول المطري مقاربا للمعدل طويل الأمد، فإن قطاع المياه كان يعاني في مواجهة تحديات
الطلب على المياه خلال فصل الصيف".
وفي حالة الموسم المطري الحالي، فإن الموسم المطري تأخر كثيرا وعلى غير العادة، ولذلك فإن تأثيره على الأردن قد يكون كبيرا، لا سيما وأنه يعتمد بشكل مباشر على مياه الأمطار في الزراعة وتغذية المصادر المائية الجوفية والسطحية.
والأردن من بين أكثر الدول تأثرا بالتغيير المناخي كونه يقع في منطقة مناخ شبه جاف، وفق الرواشدة الذي أشار لحساسية عالية للتغيرات الجوية وانعكاسها على وضعه المائي.
وأشار إلى أن التحديات تصبح أشد إلحاحا عند الأخذ بالاعتبار وجود عجز مائي سنوي كبير يتزايد تبعا لزيادة الطلب على المياه لمختلف الاستخدامات سواء للزراعة أو الصناعة أو السياحة أو الشرب، ولاسيما المعروفة والناتجة عن اللجوء السوري والزيادة المطردة في عدد السكان ونمو استخدامات المياه في المرافق البلدية والمنزلية والتطور الحضري وغيرها.
بدوره، أكد المستشار الإقليمي في قطاع المياه مفلح العلاوين على ضرورة قيام قطاع المياه بتبني إستراتيجيات مستدامة لإدارة الموارد المائية خاصة لمواجهة تحديات استنزاف المياه الجوفية بسبب الاعتماد الكبير عليها في حال تواضع أو قلة الهطولات المطرية، وذلك مثل تحسين تقنيات حصاد مياه الأمطار، وتشجيع الزراعة المستدامة وتقنيات الري الموفرة للمياه، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات المائية.
وأشار العلاوين إلى أهمية تعزيز التعاون مع الدول المتشاطئة فيما يخص مصادر المياه المشتركة مع الدول المحيطة بالأردن لضمان استخدام عادل ومستدام لهذه الموارد المائية المشتركة.
وقال المستشار الإقليمي في قطاع المياه، إن الأردن من أكثر الدول شحا في المياه على مستوى العالم، حيث يعتمد بشكل كبير على موسم الأمطار السنوي لتوفير المياه اللازمة للسكان والزراعة والصناعة.
وأضاف إن هذا الاعتماد يجعل الوضع المائي في الأردن مرتبط بشكل كبير بمياه الأمطار، حيث تؤثر التغيرات في نمط وكميات الأمطار بشكل مباشر على توافر المياه سواء السطحية وخصوصا السدود والمياه الجوفية، ولذلك تعتمد معظم مصادر المياه في الأردن على موسم الأمطار السنوي.
وبين أن منسوب المياه في السنوات الجافة التي تشهد قلة في كميات الأمطار، ينخفض بشكل ملحوظ، ما يؤثر على مختلف الاستخدامات الحيوية، بينما يزداد في فترات الجفاف على المياه الجوفية التي تشكل جزءًا مهما من إمدادات المياه في الأردن.
ومع تزايد الاعتماد على هذه المصادر دون تجديد كافٍ، يصبح نقص المياه الجوفية مشكلة حقيقية، وفق العلاوين الذي حذر من تحديات هذا النقص في هبوط منسوب المياه الجوفية، والتأثير على جودة المياه وزيادة ملوحتها في بعض الحالات.
ومن الآثار المباشرة والفورية لنقص كميات المياه الجوفية في الأردن؛ انخفاض توافر المياه للشرب والزراعة والصناعة، وزيادة التكلفة الاقتصادية بسبب الحاجة لتطوير
مصادر مياه بديلة، وتدهور جودة المياه الجوفية وزيادة ملوحتها، ما يؤثر على الصحة العامة والمحاصيل الزراعية، وفق العلاوين.

الغد


سرايا المصدر: سرايا
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا