آخر الأخبار

كيف ينتهي المطاف بحقيبتك المفقودة للعرض للبيع في ألاباما؟

شارك
مصدر الصورة

يومياً، يأتي آلاف المسافرين إلى بلدة في ولاية ألاباما الأمريكية، للبحث في الحقائب المفقودة المليئة بكل شيء من فساتين الزفاف إلى الدروع الحربية من العصور الوسطى.

إذا كنت من بين ملايين المسافرين، الذين يستقلون طائرة من أو إلى الولايات المتحدة خلال موسم العطلات هذا، فهناك احتمال يزيد عن 99.5 في المئة أن تستعيد حقيبتك المسجلة في منطقة استلام الأمتعة في وجهتك، أو في حال فقدانها، خلال 90 يوماً من خلال شركة الطيران.

أما إذا كنت من بين القلة النادرة التي لا تستعيد حقائبها مرة أخرى عند الوصول لوجهتها، فمن المرجح أن تكون متعلقاتك المعبأة بعناية قد انتهى بها المطاف في سكوتسبورو، بولاية ألاباما، وستجد سريعاً ملاذاً جديداً لها بفضل العديد من المتسوقين الباحثين عن الكنوز في "Unclaimed Baggage": المتجر الوحيد في البلاد المتخصص في بيع الأمتعة المفقودة.

نشأتُ في ولاية جورجيا، على بُعد ساعات قليلة بالسيارة، وكنت أسمع قصصاً عن متجر Unclaimed Baggage "الأمتعة المفقودة" - ذلك المكان الغامض حيث تظهر الحقائب الضائعة التي تبدو وكأنها اختفت إلى الأبد.

كنتُ أعلم أن الشركة (المتجر) لديها اتفاقيات طويلة الأمد مع جميع شركات الطيران الأمريكية الكبرى، لشراء الأمتعة (حقائب اليد والحقائب المسجلة – المنقولة في عنبر الشحن بالطائرة) التي لا يُطالب بها أحد في ذلك اليوم المشؤوم الحادي والتسعين (بعد انتهاء مهلة استعادتها من شركة الطيران)، حين تنتهي رسمياً - بعد دفع تعويضات من قبل شركات الطيران – ملكيتك لملابس السفر المفضلة، والأغراض الثمينة، والمقتنيات العائلية الثمينة المفقودة.

مصدر الصورة

يتم فرز محتويات تلك الحقائب غير المطالب بها، إذا اعتُبرت قابلة للبيع، وتسعيرها بخصم يصل إلى 80 في المئة من سعر التجزئة، قبل أن تُضاف إلى أكثر من 7000 سلعة "جديدة" تُعرض يومياً في المتجر الضخم، الذي تبلغ مساحته 5 آلاف قدم مربع.

في عام 2024، تم تسجيل حوالي 500 مليون حقيبة على متن الرحلات الجوية الأمريكية، بالإضافة إلى 2.1 مليار حقيبة يد تم حملها داخل مقصورات الطائرات. وحتى قبل أن أُدرك أن شركة "Unclaimed Baggage" لديها أيضاً عقود مع شركات الحافلات، وشركات الشحن، والقطارات، وشركات تأجير السيارات، والفنادق، شعرتُ بالذهول من حجم هذه الحقائب.

لذا، قررتُ القيادة إلى سكوتسبورو، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 16 ألف نسمة تقع في الركن الشمالي الغربي من ولاية ألاباما، حيث تلتقي سفوح جبال الأبالاش بنهر تينيسي. أردتُ مقابلة بعضٍ من آلاف الزوار الذين يتدفقون إلى هنا يومياً، وفهم كيف نشأ هذا المكان غير المتوقع.

مفقودات وموجودات

كانت مواقف السيارات شبه ممتلئة في تمام الساعة الثامنة صباحاً، من يوم السبت.

ركنت سيارتي في مكان بين سيارات تحمل لوحات ترخيص من نيو مكسيكو ونيويورك، وتبعْتُ مجموعةً من المتسوقين الأكبر سناً، وهم يدخلون ببطء إلى المبنى مترامي الأطراف الذي يُشبه مساحة مبنى سكني.

مع دخول كل منهم، استقامت ظهورهم، واتسعت ابتساماتهم تحت أضواء الفلورسنت، واتجهوا مباشرة نحو عربات التسوق.

مصدر الصورة

في الداخل، امتدت رفوف الملابس - المصنفة حسب الفئة والمقاس والجنس - بعيداً عن الأنظار عبر مساحة المتجر الشاسعة. كانت تشكيلة واسعة من ملابس الناس الآخرين، من فساتين وسراويل قصيرة وبدلات وعباءات وأحزمة وقبعات وتنانير وأوشحة وجينز، ومعاطف منفوخة وملابس رياضية وقمصان وبيجامات حريرية، تحيط بخزائن عرض مليئة بالخواتم والقلائد والأساور والأقراط، والساعات والنظارات الشمسية والعطور وأزرار الأكمام.

أما الطابق الأوسط (الميزانين)، فكان مخصصاً للهواتف المفقودة وسماعات الرأس والشواحن وأجهزة الألعاب الإلكترونية، وأجهزة القراءة الإلكترونية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والكاميرات. وفي مكان آخر، امتلأت الرفوف بالأحذية الرياضية والأحذية الرسمية والأحذية الطويلة، والأحذية ذات الكعب العالي والأحذية الخفيفة والشباشب.

ولا ننسى العلامات التجارية! فعلى عكس متاجر الملابس المستعملة، التي تمتلئ بأغراض لم يعد أصحابها بحاجة إليها، تأتي بضائع Unclaimed Baggage من المسافرين الذين - بحسب جينيفر كريتنر، نائبة رئيس الشركة لشؤون البيع بالتجزئة وثقافة الشركة - غالباً ما يحزمون أمتعتهم العصرية خلال عطلاتهم.

ونتيجة لذلك، يبحث المتسوقون بين صفوف مليئة بمنتجات من علامات تجارية مثل باتاغونيا، وبربري، ورولكس، وآبل، وكارتييه، ولويس فويتون، وغوتشي، وبولغاري.

انضمت إليّ كريتنر، بينما كنت أتجول في المتجر. عندما وجدنا أنفسنا أمام جدار مليء بفساتين الزفاف، سألتها عن المشاعر والروابط الشخصية المرتبطة بالبضائع المعروضة.

مصدر الصورة

قالت كريتنر، وهي أيضاً مديرة مؤسسة "Reclaimed for Good" التابعة للشركة، والتي تتبرع بنحو ثلث البضائع الواردة إلى المؤسسات الخيرية: "جميعنا نفقد أشياء أحياناً. هدفنا هو الاستفادة القصوى مما يصل إلينا... بعض الأشياء تُباع، وبعضها يُتبرع به للمحتاجين، وبعضها يُعاد تدويره. لكن جميعها تُمنح فرصة ثانية للاستخدام".

السؤال الحقيقي هو: ماذا يوجد على الجانب الآخر من الفقد؟ توقفت قليلاً ثم قالت: "أن يتم العثور على الشيء المفقود".

رجل وشاحنة

في أبريل/ نيسان من عام 1970، اقترض دويل أوينز، بناءً على حدسه، 300 دولار أمريكي وشاحنة من طراز شيفروليه، وانطلق من سكوتسبورو إلى واشنطن العاصمة لشراء أول شحنة له من 110 حقائب، من شركة حافلات كونتيننتال تريلويز.

في فيديو يروي فيه تلك الحادثة، تذكر أوينز، الذي توفي عام 2016، شعوره وكأنه أحد أبطال مسلسل "بيفرلي هيلبيليز" وهو يعود إلى ألاباما في شاحنته المثقلة. ولكن بعد بيع تلك الشحنة الأولى - التي كانت مبعثرة على طاولات خشبية في منزل مستأجر - كان يبحث بالفعل عن الشحنة التالية. وهكذا وُلدت شركة Unclaimed Baggage.

كانت آبي جينتري بنسون، المقيمة في سكوتسبورو طوال حياتها، حاضرةً عند وصول أول شحنة. قالت لي: "عندما فتحوا الأبواب، كان هناك صف من والدتي وصديقاتها. ما زلت أحتفظ بخاتم اليشم (خاتم من الأحجار الكريمة) الصغير الذي حصلنا عليه في ذلك اليوم الأول".

سألتُ جينتري بنسون، التي كانت تبحث، كعادتها في كل زيارة، عن عطر شانيل، عن سرّ عودتها المتكررة، فقالت: "لا تعرفين ما ستجدينه. أزور المتجر عدة مرات في الأسبوع، وأحياناً مرتين في اليوم. بالنسبة لي، التسوق بمثابة علاج نفسي".

باع أوينز المتجر لابنه برايان عام 1995. كان توقيتاً حساساً. في العام نفسه، قدمت أوبرا وينفري شركة Unclaimed Baggage في برنامجها على أنها "أفضل سر للتسوق".

مصدر الصورة

لم يعد الأمر سراً. إذ يزوره أكثر من مليون شخص سنوياً للتسوق، حتى أن هيئة السياحة في ألاباما أدرجت المتجر ضمن المعالم السياحية للولاية.

يأتي الناس بحثاً عن القطع الثمينة والغريبة والعملية، التي كانت يوماً ما تحتل مكانة مميزة في خزانة أحدهم. ومثل جينتري بنسون، يأتون لاختبار شعار المتجر: "لا تدري أبداً ما ستجده".

وبينما كنت أحتسي القهوة في مقهى المتجر، سألت سوني هود، مديرة العلاقات العامة والاتصالات في الشركة، سؤالًا كان يشغلني: "لماذا لا توجد متاجر أخرى مثله؟"

قالت هود، بينما كان أحد المتسوقين يمر بعربة مليئة بمعدات ركوب الدراجات: "لدينا عقود مع شركات الطيران، لكن الأمر يتعلق حقاً بالعلاقات التي بنيناها على مدار 55 عاماً".

وأضافت: "وبوجود 300 موظف، يصعب تكرار مستوى العناية الذي نوليه. كل قطعة يُفكّ تغليفها، وتُرتب، وتُنظف، وتُفحص، وتُقيّم يشكل احترافي، وتُوثّق (لا نبيع المنتجات المقلدة أبداً)، ثم تُصنّف للبيع أو التبرع أو إعادة التدوير. إذا عُرضت للبيع على موقعنا الإلكتروني، يجب أيضاً تصويرها ووصفها وإدراجها وشحنها. نغسل 100 ألف قطعة ملابس شهرياً - إنها أكبر مغسلة تجارية في الولاية".

متسوقون شغوفون

تبعتُ هود إلى وسط المتجر، حيث تجمع حشدٌ من الناس لحضور إحدى فعاليات المتجر اليومية، حيث يحظى أحد المتسوقين المحظوظين بفرصة فتح حقيبة جديدة. (تُفحص الحقائب مسبقاً للتأكد من خلوها من أي شيء غير قانوني أو مُخالف للقانون).

ارتدت امرأة من جورجيا قفازات مطاطية زرقاء، وأخرجت بعض الأغراض، بينما كان حشد متزايد من المتفرجين، كلٌّ منهم يحمل عربة مليئة، يُدلون بآرائهم حول أي الأغراض يجب بيعها أو التبرع بها أو إعادة تدويرها بناءً على مدى تلفها، ونوع المسافر الذي تُمثله. رافقت عبارات الإعجاب والتصفيق الكشف عن بنطال، وقمصان مصممة من قبل مصممين مشهورين، ولعبة "باك مان" الكلاسيكية، وصينية تقديم زجاجية. كان الإجماع: رجل أنيق المظهر وغريب الأطوار.

ثم تجولتُ إلى متحف داخلي موجود في الموقع، والذي افتُتح عام 2023، ويعرض أكثر من مئة قطعة من أندر الأغراض التي عُثر عليها على مر السنين. من بينها: كرة سلة موقعة من اللاعب الشهير مايكل جوردان، وقناع دفن مصري عمره 3500 عام، ودرع من العصور الوسطى.

على مر السنين، عثر الموظفون على زمردة عيار 40 قيراطاً مخبأة في جورب (بيعت مقابل 14000 دولار)، وساعة رولكس من البلاتين كان سعرها الأصلي 64 ألف دولار (بيعت مقابل 32 ألف دولار)، وأفعى الجرس (نوع من الثعابين) حي (لم يُبَع).

أدركتُ حينها أن الأمر يتجاوز مجرد الاستهلاك. هناك جانب آخر: الشغفٌ بالبحث عن الأشياء الغريبة وغير المتوقعة.

يقول برايان أوينز، مالك ومدير المتجر: "لا يوجد نمط محدد للمتسوقين هنا. لدينا الجميع، من أصحاب الملايين إلى العمال، ونحن نُحبهم جميعاً. لا توجد فئة ديموغرافية محددة، بل هو أقرب إلى نمط نفسي".

بينما كنت أتجول في المتجر، أختبر حدسي الأثري (وقد عثرت خلال بحثي على سترة باتاغونيا شبه جديدة، بخصم 50 في المئة من سعرها الأصلي)، التقيت بـ ديان إتش، وهي زبونة دائمة للمتجر منذ عقود. بعد أن تفاخرت بأن كل ما ترتديه أو تحمله وجدته هنا - قميص، حذاء، بنطال، قلادة، وحقيبة من نسيج بيروفي - أخرجت من حقيبتها قطعة أخرى اشترتها مؤخراً: تمثال منحوت على نمط آرت ديكو (طراز فني) بطول 28 سم، صُنع في فرنسا عام 1930، وقيمته تقارب 2000 دولار. دفعت فيه 2.99 دولاراً فقط.

قالت ديان، وهي تتأمل كنزها بإعجاب: "عندما أجد شيئاً كهذا، أتذكر لماذا أحب المجيء إلى هنا: لشغفي بامتلاك شيء مميز لفترة وجيزة. وانظروا إليّ! لديّ حقيبة يد بيروفية، ولديّ تمثال فرنسي. لماذا أحتاج إلى السفر؟"

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا