موسكو- رحبت موسكو بنوع من التحفظ ب خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب بين روسيا و أوكرانيا والتي تعيد صياغة مسار الحرب وتنهي ما تصفه الخطة بـ3 عقود من الغموض الجيوسياسي في القارة الأوروبية، واعتبرت موسكو الخطة أساسا محتملا للمفاوضات بين الجانبين.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن خطة ترامب بحاجة إلى مزيد من التطوير، وإنه لم يتم نقاشها بالتفصيل بعد، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لم تبحث الخطة بالتفصيل مع الجانب الروسي.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 نشر موقع أكسيوس خطة سلام مكونة من 28 بندا، صاغها الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا . ودعت الخطة أوكرانيا إلى التنازل عن منطقتي دونيتسك ولوغانسك شرق البلاد ل روسيا التي ستعود إلى مجموعة الثماني للدول الأكثر تقدما على المستوى الاقتصادي.
ووصف مسؤولون روس الخطة المقدمة بأنها نسخة "محدثة" من مقترحات نوقشت قبل قمة بوتين وترامب في ألاسكا في أغسطس/آب 2025، ويؤكدون أن موسكو مستعدة لدراسة المقترحات، لكنها تصر على مراعاة مصالحها، وأنها لم تر بعد أي استعداد ملموس للتفاوض من أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين.
وتدعو خطة ترامب، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال ومصادر أخرى، إلى تجميد الأعمال العدائية على طول خط المواجهة الحالي، وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، والحفاظ على السيطرة الروسية على الأراضي المتواجدة فيها حاليا، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) لفترة طويلة (على سبيل المثال، 20 عاما)، وبنود أخرى.
ويعتقد خبراء روس أن موسكو ستتبع على الأرجح نهج الترقب والانتظار، آخذين في الاعتبار الخلاف الذي تحدثه خطة ترامب بين أوكرانيا والولايات المتحدة وأوروبا، حيث تبدو العديد من بنودها -مثل احتمال نقل الأراضي والتخلي عن عضوية الناتو- في صالح موسكو.
وأعرب الخبير في الشؤون الدولية ديمتري كيم، عن مخاوفه بشأن أحد بنود خطة السلام التي اقترحها ترامب، معتقدا أن هذا البند قد يستخدم ذريعة لصراع عسكري بين دول الناتو وروسيا، مشيرا إلى البند المتعلق بأنه في حال انتهاك روسيا لبنود معاهدة السلام، سيتبع ذلك رد عسكري من الغرب.
ويعتقد كيم، في حديث للجزيرة نت، أن هذا البند أدرج في الوثيقة تحديدا لتوفير ذريعة للعمل العسكري، فبمجرد أن يشعر الغرب بأنه مستعد لحرب كبرى، أو يستشعر فوضى تلوح في الأفق في روسيا، سيلجأ إلى الاستفزاز والهجوم، حسب قوله.
ويتابع بأنه في غضون 3 سنوات فقط، ستكون أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي مستعدين لحرب جديدة، وأن قبول روسيا للخطة المقترحة لن يضمن السلام أثناء هذه الفترة، لافتا إلى أنه وعلى العكس من ذلك، "قد تتزايد الهجمات الإرهابية والقصف من دول أخرى، في حين ستحد قدرة روسيا على الرد بعد توقيع المعاهدة".
ويبدي الخبير تشككا مماثلا في فكرة نزع السلاح من الجزء الذي تعتبره القوات المسلحة الأوكرانية حاليا من منطقة دونيتسك منزوعة السلاح، ولكن مع تقدم القوات المسلحة الروسية في تلك المناطق، قد تصبح هذه النقاط أكثر قبولا لموسكو.
مع ذلك، يقول إنه بالنسبة للقيادة الأوكرانية، فقد بات الوضع أكثر تعقيدا. "فمنطقيا، ينبغي عليها الموافقة على هذا الاقتراح، لأن مبادرات السلام اللاحقة ستتطلب منها تنازلات كبرى، ولأن السلطات الأوكرانية هي المستفيدة من هذا الصراع، فستحاول إفشال عملية التفاوض لتحقيق مكاسب أكبر على الأمد القصير".
لكنه يشدد على وجود مسألة أخرى مهمة تتمثل في أننا لم نر بعد رد فعل الكرملين على خطة ترامب المقترحة، إذ أقر بوتين فقط باطلاعه عليها، مع أنها، عموما، تلبي بعض المطالب الروسية، مشيرا إلى أن القيادة الروسية على دراية بـ"فكرة" ترامب الأخيرة المتمثلة في اقتراح اتفاقية سلام متعمدة وهشة بشروط غير مواتية للطرفين.
ويلفت إلى أنه نتيجة لذلك، قوبلَت الفكرة نفسها بـ"نسف" من قبل مسؤولين في كييف وبروكسل، في حين لمحت روسيا، من خلال اجتماع الرئيس الروسي مع قادة الجيش، إلى أن موقف موسكو لم يتغير بشكل كبير.
ومن جانبه، يرى الخبير في الشؤون العسكرية فلاديمير كيرياكين، أن ترامب يريد في واقع الحال تعزيز صورته كقائد يسعى للسلام لتحقيق أقصى قدر من الدعاية الإعلامية للتغطية على إخفاقات أخرى.
ويوضح كيرياكين للجزيرة نت أمثلة على هذه الإخفاقات كانهيار الاقتصاد الأميركي وفشل السياسة الخارجية المتمثل في فرض رسوم جمركية غير قابلة للتطبيق، والتوجه المتزايد نحو عدم اعتبار الولايات المتحدة زعيمة للعالم، ليس فقط بين خصومه كالصين والهند، بل حتى بين حلفائه في مناطق أخرى في العالم.
ويشير إلى أنه من خلال ذلك، سيحاول ترامب مساعدة الجمهوريين على الاحتفاظ بسيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، لتجنب أن يصبح "البطة العرجاء" التي يسعى إليها الديمقراطيون بحماس شديد، حسب تعبيره.
ويؤكد الخبير أن أوكرانيا لن توقع على الاتفاق، بتحريض من وسطاء أوروبيين، لكنها ستتمكن من إقناع ترامب بمواصلة النقاشات التي لا تنتهي حول تفاصيل الخطة دون وعود محددة بتقديم مقترحات حقيقية للحل، بل بمطالب بمزيد من مبيعات الأسلحة.
وحسب رأيه، لن تتشكل أفضل خطة سلام إلا بعد أن يحقق الجيش الروسي جميع أهدافه في ساحة المعركة، كون روسيا استخلصت دروس اتفاقيات مينسك جيدا، عندما تمكنت كييف وحلفاؤها بسهولة الحصول على فترة راحة ضرورية للغاية للقوات الأوكرانية للتعافي، والبدء مجددا في استفزاز روسيا عسكريا.
في الوقت نفسه، يرى بأن روسيا أيضا تواجه خيارا صعبا. فمن جهة، تأخذ خطة ترامب في الاعتبار بعض الرغبات التي أعربت عنها القيادة الروسية بشأن معالجة الأسباب الجذرية للصراع. ومن جهة أخرى، على أرض المعركة، فإن المبادرة حاليا بيد الجيش الروسي، ولا يبدو التفاوض الآن في صالح موسكو.
ويضيف بأنه إذا لم تعتمد النسخة الحالية من خطة ترامب للسلام، فمن المرجح أن يشدد البيت الأبيض العقوبات الثانوية على الدول والشركات المتعاونة مع الشركات الروسية، بالإضافة إلى فرض قيود جديدة على الفروع الأجنبية للشركات الروسية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة