آخر الأخبار

عائشة الشيشانية: من قتل الشيشانية التي هربت من روسيا بحثاً عن الحرية؟

شارك
مصدر الصورة

عندما فرت عائشة بايمورادوفا، البالغة من العمر 23 عاماً، من بلدها في وقت سابق هذا العام، كانت تعتقد أن لديها أخيراً فرصة للعيش بالطريقة التي تريدها.

فقد جاءت من الشيشان، الجمهورية الروسية المسلمة المحافظة، وقصّت شعرها ليصبح قصيراً، وخلعت غطاء الرأس، وحلقت جزءاً من حاجبها، ونشرت صوراً شخصية طريفة على إنستغرام.

وأخبرت أصدقاءها الجدد بأنها تستطيع أن تتنفس أخيراً.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، عُثر على عائشة ميتة في شقة مستأجرة في أرمينيا المجاورة، وقالت الشرطة إنها قُتلت.

وقد شوهد شخصان يغادران المبنى الذي وُجدت فيه، من بينهما امرأة تعرّفت عليها عائشة قبل وقت قصير من وفاتها، ويُقال إنهما توجها إلى روسيا بعد ذلك بوقت قصير.

ولا يحتاج الروس إلى جواز سفر لدخول أرمينيا، إذ تكفي بطاقة الهوية الداخلية، ما يجعلها طريقاً سهلاً أيضاً لأي شخص يحاول الهرب.

وتوصف الشيشان، الواقعة في شمال القوقاز الروسي، بأنها "دولة داخل دولة"، بحسب منظمات حقوق الإنسان، فهي مكان تتركز فيه السلطة بشكل شديد، وغالباً ما تتغلب فيه الولاءات للزعيم المخضرم رمضان قديروف على القوانين والمؤسسات الرسمية.

وعلى مدى سنوات، وثّقت منظمات حقوق الإنسان حالات اختفاء قسري وتعذيب وعمليات قتل خارج نطاق القانون في الجمهورية، إلى جانب الاضطهاد الممنهج للمعارضين.

وينكر المسؤولون الشيشانيون باستمرار هذه الاتهامات، قائلين إنها مختلقة وتهدف إلى تشويه سمعة المنطقة.

مصدر الصورة

وقد قُتل عدد من المنتقدين البارزين لسلطات الشيشان في الخارج.

ففي عام 2009، قُتل عمر إسرائيلوف، الحارس الشخصي السابق لرمضان قديروف، بالرصاص في فيينا حيث كان قد طلب اللجوء. ووصفت السلطات النمساوية عملية الاغتيال بأنها ذات دافع سياسي، وربطت القتلة بالشيشان.

وفي عام 2019، قُتل المتمرد الشيشاني السابق زليمخان خانغوشفيلي في حديقة ببرلين، في هجوم أُلقي باللوم فيه على أجهزة الأمن الروسية.

لكن عائشة بايمورادوفا هي أول امرأة شيشانية معروفة تموت في ظروف مريبة بعد فرارها من روسيا بفترة وجيزة.

وكحال العديد من النساء اللواتي يهربن من المنطقة، كانت تشكو من سيطرة أسرتها عليها، وقالت إنها أُجبرت على الزواج، وتمت مراقبتها، ومُنعت من مغادرة المنزل أو استخدام هاتفها. ولم تتمكن بي بي سي من التواصل مع أسرتها للحصول على تعليق.

وكانت عائشة قد وصلت إلى أرمينيا بمساعدة منظمة "إس كي–إس أو إس"، وهي مجموعة تساعد الأشخاص الذين يواجهون الخطر في شمال القوقاز. وكانت قد اشتكت علناً من القواعد الاجتماعية المحافظة، ومن السيطرة الخانقة التي تواجهها النساء في الشيشان.

وفي البداية، عملت عائشة في بلدة صغيرة، ثم انتقلت إلى العاصمة يريفان على أمل الحصول على وظيفة أفضل وفرص أكثر.

وبالنسبة لكثير ممن يفرّون، فإن هذا القدر من الظهور العلني لا يمكن تصوره، إذ يستخدم معظمهم أسماء مستعارة، ويتجنبون إظهار وجوههم، ويرفضون لقاء أشخاص جدد. لكن عائشة اختارت طريقاً مختلفاً، وقالت صديقة لها (طلبت عدم الكشف عن هويتها) لبي بي سي: "لقد كانت تريد حياة طبيعية، وكانت ترغب في أن تثق بالناس".

مصدر الصورة

حاولت عائلتها إقناعها بالعودة، لكن عندما لم ينجح ذلك تبرأت منها، وذلك بحسب ما ذكرته منظمة "إس كي–إس أو إس".

وقالت ألكسندرا ميروشنيكوفا، المتحدثة باسم المنظمة، لبي بي سي: "قالوا لها: لم تعودي ابنتنا ولا زوجتنا. لن نمسّكِ، فقط لا تقتربي منا".

وقال عمّها لوسائل إعلام محلية إن العائلة ليس لها أي علاقة بوفاتها.

وفي ليلة وفاتها، كانت عائشة برفقة امرأة تعرفت إليها مؤخراً عبر الإنترنت، وكانت تزعم أنها من داغستان، وهي جمهورية روسية أخرى في شمال القوقاز.

وقال أشخاص عرفوا عائشة لبي بي سي إن تلك المرأة هي التي تواصلت معها أولاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم جاءت إلى أرمينيا ودعتها إلى حفلات.

أما الرجل الذي ظهر معها في كاميرات المراقبة أثناء مغادرتهما المبنى الذي وُجدت فيه جثة عائشة، فقد ذكرت قناة روسية شهيرة على تيليغرام أنه من أصل شيشاني، وذكرت منصة "أغينتسفو" الاستقصائية أنها حددت هويته باعتباره قريباً لرجل أعمال مقرّب من رمضان قديروف.

وتنفي السلطات الشيشانية أي علاقة لها بوفاة بايمورادوفا، وتصف مثل هذه التلميحات بأنها "هجوم إعلامي إرهابي". كما انتقد المسؤولون الجماعات التي تساعد النساء الهاربات، متهمين إياها بـ"تدمير التقاليد الأسرية".

مصدر الصورة

وتقول السلطات الأرمينية إنها تحقق مع شخصين لم تُكشف هويتهما على صلة بقتل عائشة بايمورادوفا، لكنها لم تصدر أي تفاصيل إضافية عنهما.

ويقول مايكل دينيس، الخبير في شؤون الشيشان بجامعة تكساس، إن رمضان قديروف حساس جداً تجاه الأشخاص الذين ينتقدون الشيشان من الخارج.

وأضاف دينيس لبي بي سي: "إن مجرد وجود الشتات الشيشاني هو إشارة واضحة للعالم إلى أن هناك شيئاً خاطئاً في الشيشان. إنها مسألة كرامة شخصية وصورة سياسية".

ومنذ أوائل العقد الأول من الألفية، بدأ طالبو اللجوء من الشيشان يصلون إلى أوروبا، فراراً أولاً من الحرب ثم من حكم قديروف القمعي.

لكن التغييرات في سياسة الهجرة الأوروبية، التي تلتها القيود على التأشيرات للمواطنين الروس بسبب الحرب في أوكرانيا، أغلقت هذا المسار تقريباً.

ولم يبقَ سوى جنوب القوقاز، حيث يمكن للروس السفر دون تأشيرة، بوصفه أسهل طريق للهرب، لكنه بعيد عن أن يكون الأكثر أماناً.

ففي يوليو/تموز الماضي، عُثر على لاورا أفترخانوفا، البالغة من العمر 24 عاماً، والتي كانت قد فرت من الشيشان، في ملجأ بجورجيا محتجَزة على يد مجموعة من أقاربها الذكور الذين حاولوا، بحسب التقارير، إجبارها على العودة إلى روسيا. وبعد استجواب الشرطة لها، تمكنت من البقاء بأمان في جورجيا.

وبالنسبة لنساء شيشانيات أخريات فررن من المنطقة، أعادت وفاة عائشة إحياء الخوف الذي ظل يطاردهن منذ مغادرتهن روسيا.

وقد أخبرت عدة نساء بي بي سي أنهن، حتى قبل مقتل عائشة، كنّ يتجنبن الفعاليات الاجتماعية، ويمتنعن عن التحدث بالشيشانية في الأماكن العامة، ويحددن بشدة وجودهن على وسائل التواصل الاجتماعي.

والآن يخشين أن كل ذلك قد لا يكون كافياً للاختباء من أولئك الذين قد يسعون لمعاقبتهن.

وقالت إحدى الفارّات المقيمات في أوروبا الغربية، والتي طلبت عدم الكشف عن اسمها أو موقعها: "الخوف الذي عشت معه طوال حياتي، والمطبوع في حمضي الوراثي، قد استيقظ من جديد وبقوة".

وأضافت: "إنه أشبه بشلل النوم؛ ظهر الوحش، أحدّق في عينيه، إنه الخوف من القتل".

ثم قالت: "يمكنكِ أن تهربي، لكنكِ لا تشعرين يوماً بأنكِ حرة حقاً".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا