بينما تتواصل المساعي الإقليمية والدولية لتثبيت اتفاق إنهاء الحرب في غزة، كشفت مصادر فلسطينية أن السلطات المصرية شرعت في ترتيبات مكثفة لبدء جولة جديدة من المفاوضات مع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الذي صيغ برعاية أميركية ومصرية.
ووفق المعلومات، يُنتظر وصول وفدين من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي إلى القاهرة خلال أيام، لبحث آليات تنفيذ ما تبقى من بنود المرحلة الأولى، خصوصًا ما يتعلق بإدارة معبر رفح وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
مصدر فلسطيني أكد لـ سكاي نيوز عربية أن المعبر سيظل مغلقا من الجانب الإسرائيلي إلى أن يصدر قرار رسمي من تل أبيب بشأن تسليم إدارته والانسحاب منه بالكامل.
وأضاف المصدر أن الخطة المطروحة تقضي بتسليم إدارة المعبر إلى لجنة فلسطينية مشتركة تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، لتكون الجهة المسؤولة عن المعبر ضمن إطار اتفاق أوروبي فلسطيني قائم.
خطة ترامب تحت الاختبار
في واشنطن، تسربت تفاصيل جديدة حول ما وصفته مصادر أميركية لـ"رويترز" بأنه خطة لإرسال قوة دولية إلى قطاع غزة.
المصادر أوضحت أن هذه القوة، التي ما زالت قيد التفاوض بين الولايات المتحدة وعدد من الدول المشاركة، تهدف إلى دعم الاستقرار والمراقبة الميدانية في القطاع، وليس تولي إدارة مباشرة للأمن.
كما أشارت إلى أن واشنطن تدرس إنشاء مناطق آمنة داخل غزة لتأمين المدنيين، مؤكدة أن "لا أحد سيُجبر سكان القطاع على مغادرته"، في حين شددت على أن أموال إعادة الإعمار لن تُوجَّه إلى المناطق التي لا تخضع لسلطة الحكومة الفلسطينية.
وتتضمن الخطة – وفق ما تسرّب من بنودها – مراحل تبدأ بوقف الحرب وتسليم الرهائن وتحرير الأسرى، وتنتهي بانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، مع عودة السيادة الفلسطينية إلى معبر رفح ودمج غزة ضمن مؤسسات الدولة الفلسطينية.
عبد الفتاح دولة: نتنياهو يبحث عن الذرائع
في مداخلة عبر غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، قال عبد الفتاح دولة، المتحدث باسم حركة فتح، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يحاول التذرع بأي ملف لتعطيل تنفيذ الاتفاق"، سواء تعلق الأمر بجثامين الرهائن أو بآليات فتح معبر رفح.
وأوضح دولة أن نتنياهو "أُكره على هذه الخطة" نتيجة الضغط المباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدًا أن حكومة نتنياهو "مبنية على الحرب لا على التسوية السياسية".
وأضاف: "ترامب هو الوحيد القادر على إجبار نتنياهو على الالتزام بالاتفاق، وقد يضطر إلى التدخل بنفسه لدفع العملية إلى المرحلة الثانية إن أراد ذلك".
المتحدث باسم فتح شدد على أن الموقف الفلسطيني والعربي موحد، وأن الدور المصري والعربي المتواصل يمثل "ضمانة أساسية للحفاظ على وقف النار والانطلاق نحو إعادة الإعمار والتعافي المبكر".
معبر رفح.. رمز السيادة الفلسطينية
وحول مستقبل معبر رفح، أوضح دولة أن الخطة الحالية تنسجم مع الاتفاق الأوروبي الفلسطيني والذي يمنح السلطة الوطنية الفلسطينية الدور المركزي في إدارة المعبر ومراقبته.
وأشار إلى أن السلطة كانت قد مارست هذا الدور في فترات سابقة، حتى أثناء فترات الهدنة، عبر جهاز أمن الرئاسة الفلسطينية.
وأضاف: “إذا عاد العمل بالاتفاق، فمن الطبيعي أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية هي الجهة المسؤولة عن إدارة المعبر، لأن المعبر يمثل سيادة فلسطينية خالصة”.
ويرى دولة أن تمكين السلطة من إدارة المعابر هو الأساس الذي يمنح الخطة "أقدامًا قادرة على التنفيذ"، موضحا أن مؤسسات السلطة الإدارية والأمنية هي "الضمان الحقيقي لنجاح أي خطة ترتبط بالشأن الفلسطيني".
الإدارة الفلسطينية الجديدة.. كفاءات لا فصائل
في موازاة ذلك، تحدث المتحدث باسم فتح عن الرؤية الفلسطينية العربية المشتركة لمرحلة ما بعد الحرب، مشيرا إلى أن الخطة تتضمن إنشاء لجنة إدارية من الكفاءات المستقلة لإدارة القطاع، ترتبط مباشرة بالحكومة الفلسطينية، بما يضمن وحدة القرار والسيادة.
وأكد أن الهدف هو إعادة دمج غزة ضمن الدولة الفلسطينية التي تشمل الضفة الغربية و القدس، بحيث تكون السلطة الوطنية الفلسطينية صاحبة الولاية السياسية والقانونية والإدارية الكاملة على الشعب الفلسطيني والأراضي كافة.
وقال دولة إن الحكومة الفلسطينية أعدت بالفعل خططًا جاهزة لتنفيذ هذه المرحلة، مضيفًا: "نطمح أن يبدأ العمل فورًا حتى تعود الحياة إلى قطاع غزة".
القوة الدولية ودور الأمن الفلسطيني
أما بخصوص الحديث عن إرسال قوة دولية إلى غزة، فأوضح دولة أن هذه الفكرة طُرحت ضمن خطة ترامب، لكنها تظل محصورة في نطاق الرقابة والدعم اللوجستي.
وأضاف: "ما من قوة غير فلسطينية قادرة على إدارة الأمن في غزة بعد حرب دامت عامين، والإدارة الأمنية يجب أن تكون فلسطينية خالصة".
وأشار إلى وجود تعاون مصري – أردني لتدريب نحو 5 آلاف عنصر من قوى الأمن الفلسطينية استعدادًا لتولي هذه المهمة.
وبرأيه، فإن أي دعم أو إشراف دولي يجب أن يبقى في إطار "الإسناد والمتابعة"، بينما تبقى السلطة الوطنية الفلسطينية هي الضامن الأساسي للاستقرار وإعادة الإعمار.
نزع سلاح حماس.. البند الأكثر حساسية
وفي أكثر تصريحاته صراحة، أكد عبد الفتاح دولة أن تصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة أوضحت أن الاتفاق يتضمن التزام حماس بتسليم سلاحها.
وقال: "من الواضح أن حماس فاوضت الأميركيين والإسرائيليين على هذا الملف، واليوم ترامب يطالبها بالالتزام بما وقعت عليه". وأضاف أن حركة فتح تتعامل مع المسألة من منظور وطني شامل.
ويرى دولة أن حصر السلاح في يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية يمثل خطوة جوهرية نحو إنهاء الانقسام، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة الشرعية الواحدة والقانون الواحد.
اختبار الإرادة الفلسطينية
مع تزايد الحديث عن تفاصيل خطة ترامب، يبقى التنفيذ هو التحدي الأكبر.
فنجاح المرحلة المقبلة، كما يرى المتحدث باسم فتح، مرتبط بقدرة السلطة الفلسطينية على فرض إدارتها الأمنية والمدنية في غزة، وبمدى التزام حماس بتعهداتها.
وبينما تتحرك القاهرة لتقريب المواقف، وتواصل واشنطن ضغوطها على تل أبيب والفصائل، يبدو أن الكرة الآن في الملعب الفلسطيني.
ففي الوقت الذي تتحدث فيه العواصم الكبرى عن " إعمار غزة" و"المرحلة الانتقالية"، يختصر عبد الفتاح دولة المشهد بعبارة واحدة: "الضامن لنجاح أي خطة هو وجود دولة فلسطين بمؤسساتها الأمنية والمدنية". عبارة تعيد جوهر النقاش إلى أصله — السيادة أولًا، ثم كل شيء آخر.