في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون موقفًا متقدمًا نحو التفاوض مع إسرائيل، مما أثار تساؤلات حول مستقبل لبنان في خضم التوازن الإقليمي المتغير، خصوصًا في ظل الضغوط الأميركية والدولية لتحقيق خطوات نحو السلام.
تصريحات عون أكدت على أهمية فتح حوار لحل المشاكل العالقة بين لبنان وإسرائيل، مستندًا إلى التجارب السابقة في ترسيم الحدود البحرية التي جرت برعاية أميركية.
وقال عون إن "الجو العام اليوم هو جو تسويات"، مشيرًا إلى أن لبنان لا يمكنه تجاهل التحولات الإقليمية، وإلا فإنه سيُجرف بفعل التغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة.
في المقابل، لم تتأخر ردود الفعل من حزب الله، الذي شن حملة على هذه التطورات، وهاجم قمة شرم الشيخ باعتبار أن إيران لم تحضرها، وأن لبنان لم يُدع إليها، وهو ما يعكس استمرار الصراع بين الرؤية الرسمية للرئاسة وبين الموقف الحزبي التقليدي.
موقف متأزم وواقع جديد
قال الكاتب والباحث السياسي سام منسي في حديثه لـ"التاسعة" إن حزب الله اليوم في موقف حرج، ويعيد تكرار المقولات الإيرانية فقط، معتبرًا أن إيران معزولة جدًا بعد القمة الأخيرة في شرم الشيخ، بفعل الإجماع العربي والدولي والأميركي على استبعادها.
وأضاف: "المشكلة أن إيران غير قادرة على الانخراط مع هذا العالم طالما أن عقيدتها وتوجهها السياسي لا تسمح بذلك، وهذه معضلة شرق أوسطية تحتاج إلى وقت لحلها".
وأوضح منسي أن كلام عون حول التفاوض مع إسرائيل يجب أن يُفهم بحذر. فالرئيس اللبناني أشار إلى أن سياسة الحكومة أثبتت نجاعتها، كون إسرائيل لا تفاوض إلا من يوجهها بشكل واضح، مع التأكيد على أن مواجهة إسرائيل ليست بالضرورة مواجهة عسكرية، بل من خلال موقف سياسي متين يدعم السلام.
لبنان والسلم الأهلي.. خطوة إلى الأمام
أبرز منسي أن المرحلة المقبلة تتطلب من لبنان اتخاذ خطوات واضحة لتثبيت موقفه السياسي، بما يضمن الاستفادة من دعم الولايات المتحدة.
وأوضح أن "الاعتماد على المواقف الأميركية وحدها لا يكفي، بل يجب أن يكون الموقف اللبناني ثابتًا ومدعومًا من كل الأطراف السياسية في لبنان".
وأشار إلى أن حزب الله، رغم تراجعه في بعض الملفات، لا يزال مهيمنًا على القرار السياسي اللبناني، بما يعقد عملية الانخراط اللبناني في خطة السلام.
وأكد أن الخطوة الأولى على الرئيس اللبناني اتخاذها تتمثل في إعلان خروج لبنان من الصراع العربي الإسرائيلي العسكري، مع الحفاظ على العمل الدبلوماسي المنظم لإحياء اتفاقيات الهدنة، التي أُبرمت عام 1949، بما يخلق بيئة مؤاتية للتفاوض الرسمي مع إسرائيل.
التفاوض كأداة سياسية
تجارب لبنان السابقة في التفاوض مع إسرائيل، خاصة تلك المتعلقة بترسيم الحدود البحرية برعاية الولايات المتحدة، توضح أن التفاوض ممكن لكن مشروط بدبلوماسية لبنانية فعّالة وواضحة.
ومنسى أوضح أن الخطوة الأهم الآن هي "رفع العمل الجدي بدءًا من هذا الأسبوع، وبدء التحضير للمجلس الوزاري بعد عودة نواف سلام من جولته الخارجية، للإعلان عن موقف رسمي واضح لدعم التفاوض والعملية الدبلوماسية".
وأضاف أن الإعلان عن موقف سياسي ثابت قد يثير خلافات داخل مجلس الوزراء، لكنه ضروري لتثبيت لبنان في مسار السلام الإقليمي، مع ضمان الحد الأدنى من المخاطر على السلم الأهلي الداخلي.
دور سوريا.. الحاجة إلى نهج جديد
من جهة أخرى، تناول منسى العلاقات اللبنانية السورية، معتبرًا أن العودة إلى الملفات القديمة أمر غير مجدٍ. فـ" سوريا اليوم ليست سوريا السابقة"، وملفات مثل الأسرى اللبنانيين أو اغتيالات شخصيات لبنانية في زمن النظام السوري السابق يجب التعامل معها بواقعية، والانطلاق نحو مرحلة جديدة قائمة على التعاون مع الدولة السورية بما يخدم السلام الإقليمي.
وشدد على أن سياسة حزب الله بالحفاظ على النظام السوري السابق لم تعد ذات جدوى، وأن على لبنان أن يركز على الانخراط في مسار السلام العربي–الإسرائيلي بدلاً من إضاعة الوقت في ملفات الماضي.
دعم أميركي واضح
أشار منسى إلى أن دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعون كان واضحًا، من خلال رسائل تشجيعية لدفع لبنان نحو تنفيذ التزاماته في نزع سلاح حزب الله والانخراط في خطة السلام.
وقال: "الرئيس اللبناني تلقى جرعة معنوية مهمة، تؤكد دعم الولايات المتحدة له، وهو ما يجب أن يتحول إلى خطوات عملية على الأرض".
وأضاف أن أي موقف لبناني في هذا الملف يجب أن يكون مدعومًا من القوى السياسية كافة لضمان استمرارية العمل الدبلوماسي، ولتفادي أي عرقلة من أطراف داخلية أو إقليمية.
لبنان بين السلام والدبلوماسية
يتضح من تصريحات عون ومن تحليل منسى أن لبنان أمام مفترق طرق:
الخطوات العملية تشمل إعلان موقف واضح حول خروج لبنان من الصراع العسكري مع إسرائيل، وتحريك ملف اتفاقيات الهدنة، وبدء مفاوضات سياسية مدروسة، مع مراعاة الحفاظ على الاستقرار الداخلي والتوازن مع جميع الأطراف السياسية.
وفي الوقت نفسه، يتطلب الملف السوري نهجا جديدا يتجاوز الماضي، مع التركيز على التوافق اللبناني–السوري بما يدعم الانخراط الإقليمي في مسار السلام، بعيدًا عن سياسات الماضي وحسابات حزب الله التقليدية.
لبنان اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم موقفه الإقليمي، لكن نجاح هذه الفرصة مرهون بحسن إدارة ملف التفاوض، والقدرة على التوازن بين الدعم الدولي والمواقف الداخلية، بما يحقق الهدف الأسمى: السلام والاستقرار في وطن طالما كان مركزًا لصراعات المنطقة.