في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أعاد الهجوم الإسرائيلي على قطر الحديث عن ضرورة العمل على توحيد الصفوف وإبرام التحالفات العسكرية، والاتفاقيات الثنائية والجماعية المتعلقة بالدفاع المشترك وصد العدوان.
ولم يكن العدوان الإسرائيلي على الدوحة بالحدث الذي يمكن أن يمر مرور الكرام، فهو يشكل تحولا جذريا في مسعى الاحتلال الإسرائيلي نحو التوسع الإقليمي، مما يدفع الدول الخليجية والعربية والإسلامية إلى مراجعات لبناء عمل مستقبلي يمكّنها من الوقوف في وجه التحديات المشتركة.
وبين ضرورة بناء التحالفات العسكرية، وخطورة الاتفاقيات الفردية لدول مجلس التعاون الخليجي، نشر مركز الجزيرة للدراسات تعليقا مطولا للباحث الدكتور عبد الله العمادي تحت عنوان " دول مجلس التعاون الخليجي ومخاطر التوجهات الفردية في التحالفات العسكرية " عرض فيه مسار الاتفاق العسكري بين باكستان و السعودية الذي تم التوقيع عليه يوم 17 سبتمبر/أيلول الجاري، والاتفاق بين دولتي قطر و تركيا عام 2017.
وناقش المقال الأسباب التي جعلت دول مجلس التعاون الخليجي تلجأ إلى إبرام تحالفات عسكرية خارجية، بدلا من صناعة منظومة دفاعية عربية مشتركة.
بالتزامن مع موجة الاستنكار العالمي للهجوم الإسرائيلي على قطر، أعلنت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية عن اتفاق للدفاع الإستراتيجي المشترك.
وجاء في البيان المشترك أن الاتفاق يهدف إلى "تعزيز التعاون الدفاعي وتطوير القدرات المشتركة، بما في ذلك الردع ضد أي اعتداء، وأن أي هجوم على أحد البلدين سيُعتبر اعتداء على كليهما".
ويكتسي هذا الاتفاق أهميته من أنه موقع من طرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف .
وفي هذا السياق، كانت الإمارات العربية المتحدة قد دخلت في لجنة مشتركة للتعاون الدفاعي والعسكري والتبادل المعلوماتي مع دولة الهند .
وكانت اللجنة المشتركة التي عقدت اجتماعها الثالث بالعاصمة نيودلهي في يوليو/تموز الماضي، قد بحثت سبل تعزيز التعاون الدفاعي وتطوير القدرات المشتركة.
وقبل الإمارات والسعودية، أبرمت دولة قطر عام 2017 اتفاقا عسكريا مع تركيا يهدف إلى الزيادة من التعاون العسكري بين البلدين وتطوير الصناعات الدفاعية.
وفي سياق هذه التحالفات التي تمت بين دول الخليج وبعض الدول غير العربية، يُطرح التساؤل: لماذا لا تتجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو بناء تحالفات عربية مشتركة لحفظ الأمن القومي العربي؟
يلاحظ أنه من الأسباب التي لا تسهم في هذا التوجه أن المعاهدات العربية لم تثبت نجاعتها، ولم تقدر على مواجهة التحديات القومية المشتركة.
ففي 13 أبريل/نيسان 1950 وقّعت 7 دول عربية على معاهدة التعاون العربي المشترك، وهذه الدول هي: مصر ، و الأردن ، و سوريا ، و العراق ، والسعودية، و لبنان ، واليمن .
وقد نصت المادة الثانية من المعاهدة بشكل واضح وصريح على أن "الدول المتعاقدة تعتبر كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا".
لكن الأحداث الجسام التي مرت على المنطقة العربية أثبتت أن معاهدة الدفاع العربي المشترك لم تكن سوى حبر على ورق، فالعدوان الإسرائيلي على مصر والأردن وسوريا، في يونيو/حزيران 1967 من أوضح الأمثلة على ذلك.
وبعد 3 عقود من أول معاهدة عربية للدفاع المشترك، وفي سياق حرب جديدة اندلعت على أطراف الخليج بين العراق وإيران وامتدت 8 سنوات، ظهرت منظومة التعاون الدفاعي الخليجي، بدعم أميركي حيث تم التوقيع عليها في البحرين عام 1982، ونصت على تأسيس قوة دفاع مشتركة تسمى " درع الجزيرة "، وبقيت من دون تفعيل عملي حتى تم تطويرها إلى قوة دفاعية عسكرية مشتركة سنة 2000.
ولم يتم اختبار تلك القوة أو الاتفاقية فعليا إلا في مارس/آذار 2011، حين استعانت بها مملكة البحرين لتأمين المنشآت الإستراتيجية في البلاد أثناء الحركة الاحتجاجية التي نظمتها قوى المعارضة البحرينية وهو الأمر الذي نجحت فيه، لكن لم يوجد لها أثر بعد ذلك التدخل.
ويمكن القول إن عدم تفعيل هذه الاتفاقيات إلى مبادرات حية تعمل على أرض الواقع هو ما جعل الدول الخليجية تندفع نحو البحث عن حلول فردية خارج المنظومة.
وبالإضافة لهذه المعطيات، فإن اختلاف الرؤى والمصالح للدول الأعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي، يدفع بالاتجاه نحو الحلول الفردية، وهذا الدافع يشمل بقية الدول الأعضاء في الجامعة العربية .
وعلى نفس الصعيد، فإن تفرد كل دولة في قراراتها الإستراتيجية بتحالفات لا تنسجم مع الإستراتيجيات الخليجية أو العربية المشتركة، سواء على الصعيد الأمني أو العسكري أو الاقتصادي، يجعل من الصعب في المستقبل تجسيد أي اتفاقية جماعية على أرض الواقع.
وبمنطق الحكومات الكبيرة والمصالح المتعددة، فإن لكل قوة عسكرية -قد تتحالف معها دولة من دول الخليج- مصالح إستراتيجية قد لا تكون بالضرورة متسقة مع طموحات الدول الخليجية الباحثة عن تحالفات واتفاقيات بشكل منفرد.
فقوى مثل باكستان وتركيا مثلا، لا يزال معظم أنظمة تسليحها وفق الأنظمة الأميركية، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة عريقة ومتينة، وبالتالي يُستبعد أن يحدث تصادم أو تضارب بين تلك القوى والإدارة الأميركية في سبيل الحفاظ على الاتفاقيات الدفاعية مع دول الخليج.
بناء على تلك القراءة، يمكن القول إن الاتفاقيات الثنائية بين دول الخليج وقوى خارج المنظومة العربية، تعود غالبا بالنفع المادي على تلك القوى بالدرجة الأولى، وهي -لا شك- تضع مصالحها الإستراتيجية وعلاقاتها الدولية مع القوى المؤثرة على قائمة أولوياتها.
وفي هذا السياق، يتعين على الدول الخليجية والعربية أن تعيد النظر في أمنها الإقليمي والقومي عبر تعزيز التعاون المشترك، وتوحيد الرؤى والأهداف ضمن إستراتيجية أمن قومي يتفق فيها جميع الدول الأعضاء على تسمية "العدو المشترك".
ومع تزايد التهديدات التي تحيط بالمنطقة، يتعين على الدول العربية أن توجه الاستثمارات نحو صناعة عسكرية عربية خالصة.
ورغم أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال العسكري ليس بالأمر السهل، إلا أنه قد لا يكون مستحيلا، خاصة في ظل التهديدات الوجودية للأمة العربية جمعاء.