آخر الأخبار

كيف تعيد المسيّرات تشكيل ديناميكيات النزاعات المسلحة في أفريقيا؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في قارة أفريقيا ذات الساحات الممتلئة بالنزاعات المسلحة والحروب الداخلية، برزت الطائرات المسيّرة كعنصر مؤثر في تغيير المسرح القتالي وإعادة تشكيل خريطة القوة والنفوذ في المنطقة.

وتعتبر الطائرات المسيرة من أهم وسائل القوة في الحروب الحديثة، لقدرتها على جمع الاستخبارات وتنفيذ الضربات الجوية الموجهة، وتحديد المواقع المستهدفة بدقة عالية، كما أنها تساهم في مهام الحرب الإلكترونية التي تهدف إلى تعطيل الأنظمة الدفاعية للعدو.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 انفلات إسرائيلي.. ما دلالات الهجوم على قطر وتداعياته الإقليمية؟
* list 2 of 2 كيف يشكل "أسطول الصمود العالمي" حملة تضامن كبرى لمواجهة الإبادة بغزة؟ end of list

ومن إثيوبيا في القرن الأفريقي ، إلى دولة مالي في منطقة الساحل الأفريقي ، دخلت الطائرات المسيرة ساحات المعارك الداخلية وساهمت في تغيير مشهد القتال الدائر بين الحركات المسلحة والقوات الحكومية.

ونتيجة لضراوة القتال بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، بالإضافة لمخاطر ما تُوصف بالجماعات الإرهابية، تزايد الإنفاق الحكومي على هذه الطائرات ليصل إلى 65.5 مليون دولار أميركي في عام 2023.

وحول تزايد المشتريات الأفريقية من الطائرات المسيرة، ودورها في تغيير موازين القوى، نشر مركز الجزيرة للدراسات ، ورقة تحليلية للباحث مصطفى جالي بعنوان " كيف تعيد المسيرات تشكيل ديناميكيات النزاعات المسلحة في أفريقيا؟ " قدمت معلومات حول الإقبال الأفريقي على هذه التقنيات، ودرها في إعادة رسم ملامح النزاع، ومجالات استخدامها.

مصدر الصورة في عام 2023 أنفقت أفريقيا على الطائرات المسيرة أكثر من 65 مليون دولار (الجزيرة)

تزايد الطلب الأفريقي على المسيرات

وفقا للبيانات، فإن قارة أفريقيا في الفترة الممتدة بين عامي 1980 و2024 اشترت حوالي 1534 من المسيّرات بأحجام وأشكال مختلفة.

وقد شهد عام 2020 أعلى ذروة للاقتناء، حيث تم الحصول على 237 طائرة، كما تم إبرام ما لا يقل عن 15 صفقة ثنائية للحصول على هذه الطائرات.

وتُقدّر القيمة الإجمالية لسوق المسيرات في أفريقيا بـ65.5 مليون دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 107 ملايين دولار في عام 2030، بنمو سنوي قدره 7.3%.

إعلان

أما عدد الطائرات فقد بلغ في عام 2023 حوالي 293، وقد يرتفع إلى 663 في نهاية العقد الحالي، بنمو يصل إلى 12.4%.

تشمل المسيرات التي تم الحصول عليها أنواعا مختلفة، بدءا من الطائرات الصغيرة المحمولة التي يقل وزنها عن كيلوغرام واحدا، وتُستخدم بشكل أساسي لجمع المعلومات الاستخباراتية إلى الطائرات عالية التحمل من طراز "هال" (HALE) التي يمكن أن تحلق لمدة 24 ساعة، وتقطع أكثر من 300 كيلومتر في الساعة، وتسقط أكثر من 900 كلغ من الذخائر الموجهة بدقة.

ومن حيث المشتريات الوطنية، برزت مصر مشتريا رئيسيا، حيث استحوذت على 267 طائرة، تمثل 17.41% من إجمالي الوحدات، يتبعها المغرب ونيجيريا وإثيوبيا ثم الجزائر مشترين مهمين.

وعلى صعيد التوزيع، تتصدر دول شمال أفريقيا الترتيب، حيث تمثل 818 وحدة (53.32% من العدد الإجمالي)، تليها منطقة غرب أفريقيا بـ338 وحدة، وشرق أفريقيا بـ218 وحدة، ومنطقة جنوب أفريقيا بـ160 وحدة.

ويتأثر هذا التوزيع الإقليمي إلى حد كبير بانتشار الاضطرابات والتحديات الأمنية في القارة التي تزايدت وتيرتها بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة.

ويدفع بهذا الطلب المتزايد على المسيرات مجموعة من العوامل أهمها:


* المخاوف الأمنية: لأن هذه الوسيلة تساهم بشكل فعال في تأمين الحدود، ومكافحة الأنشطة والتحركات غير المشروعة.
* سهولة الوصول والاستخدام للمسيرات: مكّن الدول الأفريقية من دمجها بسرعة في منظوماتها الدفاعية.

وفي القارة السمراء، تقود قوى خارجية "دبلوماسية المسيّرات"، إذ تعد الصين في المرتبة الأولى لتوريدها حيث تمثل طائراتها 26% من جميع المسيرات التي تم شراؤها من قبل الجيوش الأفريقية.

وفي السنوات الأخيرة، برزت تركيا مورّدا بارزا في المنطقة خاصة مع نجاح مسيرات بيرقدار التي حظيت بثقل الجيوش في منطقة الساحل الأفريقي.

تغيير موازين القوى

أدى الاندماج المتزايد للمسيرات في العمليات العسكرية إلى تغيير ديناميكيات النزاع في جميع أنحاء أفريقيا، بدءا من الاستخبارات إلى تنفيذ الضربات الدقيقة.

وغالبا ما تساعد هذه الضربات في قلب الموازين لصالح القوات التي تستفيد بشكل فعال من هذه التكنولوجيا.

و كانت أول ضربة مؤكدة بطائرة مسيرة في أفريقيا، في 23 يونيو/حزيران 2011، عندما هاجمت مسيرة أميركية قافلة تُقِلّ اثنين من كبار قادة حركة الشباب المجاهدين بالقرب من ميناء كيسمايو في الصومال ، و منذ ذلك الوقت، وقع ما لا يقل عن 900 غارة في 15 دولة أفريقية.

ورغم أن الضربات أصبحت شائعة بشكل متزايد، إلا أن استخدامها في العمليات الهجومية يتركز حتى الآن في السودان وإثيوبيا و بوركينا فاسو ومالي و ليبيا والصومال.

وقد مكّنت الطائرات المسيرة الجيش الإثيوبي من تغيير موازين القوى في حربه مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ، فبعد أن وصل مقاتلو الجبهة إلى مشارف العاصمة أديس أبابا استخدمت الحكومة هذه التكنولوجيا في هجومها ضد الجبهة، وهو ما مكنها من حسم المعركة لصالحها في عام 2022.

واستخدم الجيش الإثيوبي في حربه مع جبهة تيغراي المسيرات الإيرانية والتركية والصينية.

وفي حرب السودان المستمرة منذ عام 2023، تمكّنت القوات المسلحة من إلحاق الكثير من الضربات في الصفوف الأمامية لقوات الدعم السريع ، وهو ما أضعفها بشكل ملحوظ.

إعلان

وفي مالي، تمتلك القوات المسلحة تفوقا جويا واضحا بفضل مسيّرات "بيرقدار تي بي 2″ و"أقينجي" التركية، لكن تأثيرها محدود جغرافيا وتكتيكيا.

وتركزت معظم الضربات في شمال البلاد، خصوصا في كيدال ضد الحركات الانفصالية، بينما ظل تأثيرها ضعيفا في وسط البلاد بسبب الكثافة السكانية والغطاء النباتي.

المخاطر الأمنية

يصاحب انتشار المسيرات بشكل كبير في النزاعات الأفريقية تداعيات خطيرة على أمن المنطقة، إذ يمكن أن يؤثر على الاستقرار خاصة إذا كان استخدامها يؤدي إلى خسائر في صفوف المدنيين بسبب عدم الدقة ونقص التجربة في الاستخدام.

وفي ذات السياق، فإن الحصول على المسيرات وتشغيلها من قبل جماعات غير حكومية أصبح واقعا، وهو ما يؤدي إلى تفاقم القتال وتعادل ميزان القوى بين الجيوش والمتمردين.

ورغم أن الضربات الدقيقة للمسيرات المسلحة تهدف إلى تقليل الأضرار الجانبية، فإنها لا تزال تنطوي على مخاطر وقوع الإصابات في صفوف المدنيين، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان.

وتظهر بعض البيانات إلى أن الضربات التي تم تنفيذها في 13 دولة من أفريقيا من خلال المسيرات، أسفرت عن سقوط ما يربو على 1000 ضحية من المدنيين.

ويعتبر انتشار المسيرات في أفريقيا من أدوات التشرذم ومخاطر التفرقة، حيث إن ظاهرة استخدامها في النزاعات بين الحكومة والجماعات الإرهابية أو الميليشيات، يُعقّد مسارات التفاوض ويرفع كلفة الوساطة الدولية، ويسهم في إطالة أمد النزاعات.

أداة جيوساسية

في قارة أفريقيا، لم تعد المسيرات وسيلة حرب وأداة لإعادة تشكل القوة، وإنما أصبحت بوابة جيوسياسية متعددة الأبعاد لرسم التحالفات السياسية والعسكرية، من خلال التبعية التكنولوجية التي تتيح لقوى خارجية التنافس على النفوذ والموارد دون أن تدخل في مواجهة مباشرة.

وتُتيح المسيرات للدول الأفريقية تنويع شركائها الأمنيين خارج الإطار الغربي التقليدي، ما يُضعف من الهيمنة الغربية، فعلى سبيل المثال استبدلت مالي بالقوات الفرنسية طائرات مسيرة تركية، وعناصر من مليشيات " فاغنر " الروسية.

ومن خلال التحديات التي تحيط بانتشار المسيرات، ودورها في تشكيل المشهد العسكري في القارة، يمكن القول إن مستقبل المسيرات في أفريقيا لن يحدده من يملكها، بل من يضبطها، لأن التكنولوجيا وحدها لا تصنع الأمن، بل السياسات والمؤسسات.

ورغم تلك التحديات، فإن الأطراف في أفريقيا إما أن تُسخّر هذه التكنولوجيا لخدمة السلام والأمن عبر الحوكمة والمسؤولية، أو تتحول إلى وقود جديد لحروب قد لا تنتهي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا