آخر الأخبار

بريطانيا تعترف بفلسطين.. رمز دبلوماسي أم ضغط استراتيجي؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بريطانيا تعترف بالدولة الفلسطينية كخطوة لإحياء آمال السلام

في خطوة مفاجئة لكنها محسوبة، أعلنت بريطانيا، إلى جانب كندا وأستراليا، اعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة، لتلتحق بدول مهمة مثل فرنسا، إسبانيا، النرويج، والسويد، قبيل انعقاد مؤتمر "حل الدولتين" الذي ترعاه فرنسا والسعودية في نيويورك.

هذا التحرك لم يكن عابرا، بل يحمل رسالة سياسية واضحة لإسرائيل: استمرار تجاهل حقوق الفلسطينيين وغياب خطوات ملموسة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لا يمكن أن يمر دون محاسبة، وأن خيار حل الدولتين يظل الطريق الوحيد لتحقيق سلام مستدام.

سياق الاعتراف وأبعاده التاريخية

أوضح الباحث في العلاقات الدولية، أحمد عجاج، خلال حديثه إلى "غرفة الأخبار" على سكاي نيوز عربية أن "الاعتراف البريطاني يحمل رمزية خاصة. بريطانيا هي التي قدمت وعد بلفور عام 1916، الذي حرم الفلسطينيين من أرضهم، والاعتراف الحالي يأتي كخطوة لإعادة التوازن الأخلاقي والسياسي، لتأكيد حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة."

وأضاف عجاج أن هذا الاعتراف يمثل خطوة أولى على طريق طويل، لكنه شدد على أن "الرد الإسرائيلي المتوقع سيكون حاسمًا.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى أن قيام دولة فلسطينية يشكل تهديدا وجوديًا لإسرائيل، فيما يصر اليمين الإسرائيلي، ومن بينهم وزير الأمن القومي إتمار بن غفير، على فرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية".

ويشير عجاج إلى أن هذه الخطوة تحمل أيضًا بعدًا رمزيًا وسياسيًا، إذ تؤكد "أن إسرائيل بنكرانها حقوق الفلسطينيين كان لابد لبريطانيا من أن ترد بالاعتراف رسمياً بحق الفلسطينيين في دولتهم، وهي الوسيلة الوحيدة لحل الأزمة في منطقة الشرق الأوسط، التي تهم بريطانيا وأوروبا أكثر من الولايات المتحدة الأميركية".

السياق الداخلي البريطاني وتأثيره على القرار

تعود جذور هذا القرار البريطاني إلى ديناميات السياسة الداخلية في بريطانيا، بحسب عجاج، موضحا أن رئيس الوزراء اضطر لاتخاذ موقف واضح بعد ضغوط داخل حزب العمال، حيث "يوجد تيار يساري كبير ومؤمن ب القضية الفلسطينية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في غزة. الاعتراف بالدولة الفلسطينية جاء كخطوة لتثبيت موقعه القيادي داخليًا، مع إبراز موقف أخلاقي قبل السياسي".

وأضاف أن هذا الاعتراف "ليس مجرد مناورة سياسية، بل مؤشر على جديّة بريطانيا في الضغط على إسرائيل. فإذا تراخت الحكومة البريطانية بعد الاعتراف، فلن يكون للاعتراف قيمة فعلية، وسيكون مجرد إعلان شكلي بلا تأثير على الواقع".

وأشار عجاج إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، رغم محاولته عدم إزعاج الرئيس الأميركي ترامب، أعلن أن هذا الاعتراف "عمل أخلاقي"، لكنه لم يتطرق إلى فرض عقوبات على إسرائيل في حال استمرارها بالتصعيد العسكري في الضفة الغربية أو القدس الشرقية، مما يترك علامات استفهام حول مدى تنفيذ هذه السياسة عمليًا.

المأساة الإنسانية في غزة.. خلفية الأزمة

في المقابل، أبرز الكاتب الصحفي شريف النيرب حجم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، مؤكدًا أن "القطاع اليوم عبارة عن 5 محافظات، جميعها متأثرة بالاحتلال والقصف الإسرائيلي، مع نزوح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني قسرا، منهم حوالي نصف مليون في مدينة غزة وحدها".

وأضاف النيرب أن "المناطق التي تصفها إسرائيل بأنها 'إنسانية' لا تستوعب حتى نسبة صغيرة من السكان، وتعاني من نقص حاد في المياه والطعام والمساعدات الطبية، إلى جانب انهيار البنية التحتية. كل الموارد الأساسية التي يحتاجها سكان القطاع لم تعد متوفرة، والمعالجات الصحية والطبية شبه منعدمة".

وأشار إلى أن "الوضع في غزة يشبه غرفة إنعاش حقيقية، حيث يعيش السكان على وقع القصف المستمر، بلا مأوى أو وسائل نقل كافية للنزوح، مما يجعل الأزمة الإنسانية متفاقمة يومًا بعد يوم".

كما وصف النيرب المشهد بأنه "يوم قيامة حقيقي"، موضحا أن "الأهالي مضطرون للمشي لمسافات طويلة للبحث عن مأوى أو الحصول على احتياجاتهم الأساسية، وسط شح الموارد وغياب المنظمات الدولية عن القيام بدورها بشكل كامل".

الضغوط الدولية والتحولات الإقليمية

يرى المحللون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يأتي ضمن سياق دولي وإقليمي متغير، إذ يعكس "تحول الموقف الغربي تجاه القضية الفلسطينية، خاصة مع عزلة إسرائيل نسبيا في مواقفها تجاه غزة والضفة الغربية".

وأوضح عجاج أن "الدول العربية تلعب دورا مهما في تحريك هذا الضغط الدولي، فتهديد بعض الدول مثل الإمارات بقطع العلاقات إذا مضت إسرائيل في ضم الضفة الغربية يمثل عامل ضغط على الولايات المتحدة وأوروبا، ويزيد من حدة الموقف ضد إسرائيل".

وأكد أن الاعتراف البريطاني هو بمثابة "رسالة سياسية واضحة: لا يمكن تجاوز حقوق الفلسطينيين، وأن استمرار العنف في غزة لن يمر دون تداعيات سياسية ودبلوماسية، وهو ما يضع إسرائيل أمام مسؤولية دولية كبيرة."

التحدي الإسرائيلي والرد المتوقع

نتنياهو أعلن أنه سيرد على الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد عودته من الولايات المتحدة ولقائه بالرئيس ترامب، في محاولة لمواءمة الموقف الإسرائيلي مع السياسات الأميركية.

وأشار عجاج إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواجه انقسامات داخلية، بين مؤيدين لحل الدولتين بشكل محدود، وبين تيار ديني متطرف لا يعترف بحق الفلسطينيين في دولتهم، مما يجعل التحدي كبيرًا ويزيد من تعقيد الموقف السياسي في الداخل الإسرائيلي.

وأكد أن "هذا الانقسام الداخلي يعكس التعقيد الكبير في التوازنات السياسية، حيث تتداخل الضغوط الدولية، والحقائق الميدانية في غزة، والديناميات الداخلية للإدارة البريطانية، في وقت حرج على الفلسطينيين، الذين يعيشون أزمة إنسانية غير مسبوقة".

حجم النزوح والمعاناة الإنسانية

يسلط النيرب الضوء على حجم النزوح في قطاع غزة، موضحًا أن "مدينة غزة وحدها شهدت نزوح أكثر من نصف مليون فلسطيني، وسط قصف مستمر يهدد حياة السكان، وغياب كامل لمقومات الحياة الأساسية، من مياه وشبكات كهرباء وأماكن للإيواء، الأمر الذي يفاقم معاناتهم يوميا".

وأضاف أن "المناطق الإنسانية التي تصفها إسرائيل لا تكفي لاستيعاب هذا العدد الكبير من السكان، ومعظم هذه المناطق متضررة بشدة من القصف، مثل خان يونس و رفح، حيث تدمير واسع في البنية التحتية والمنازل، مما يجعل السكان يعيشون في ظروف لا يمكن وصفها إلا بالمأساوية".

وتابع: "كل الموارد التي يحتاجها السكان لم تعد متوفرة، والمعالجات الصحية والطبية شبه معدومة، والمساعدات الإنسانية تصل بصعوبة، بينما تستمر العمليات العسكرية في تفاقم الأزمة".

الضغط الشعبي والدور التاريخي

يشير عجاج إلى أن "الاعتراف البريطاني يكتسب أهميته أيضا من الضغط الشعبي الدولي. الفلسطينيون، عبر معاناتهم اليومية، يخلقون حالة من التعاطف العالمي، كما حدث في جنوب أفريقيا مع النظام العنصري، حيث أجبِرت الحكومات على اتخاذ مواقف مختلفة تحت تأثير الرأي العام الدولي".

وأضاف أن "اللحظة التاريخية المهمة اليوم مرتبطة بتحولات سياسية داخل المنطقة، وتحركات عربية واضحة، مثل تحذير الإمارات من ضم الضفة الغربية، ما يشكل ضغطًا مباشرًا على الغرب ليتخذ موقفًا حقيقيًا".

وأكد عجاج أن "النجاح في هذه السياسة يتطلب خطوات فعلية، مثل فرض عقوبات تدريجية على إسرائيل إذا استمرت في سياسة الاحتلال، كما حدث سابقًا مع جنوب أفريقيا، وإلا فإن الاعتراف يبقى مجرد كلام بلا تأثير على الأرض."

السيناريوهات المستقبلية

تستعرض التحليلات أن الاعتراف البريطاني والدولي بالدولة الفلسطينية قد يغير قواعد اللعبة على صعيد السياسة الإسرائيلية، لكنه يظل مرتبطًا بتطورات الميدان في غزة، والضغط الشعبي، والرد الأميركي، والسياسات الإقليمية.

ويشير عجاج إلى أن "الرد الإسرائيلي المحتمل بعد لقاء نتنياهو بترامب سيكون حاسما، لكنه مرتبط أيضا بالدعم الأميركي لهذه الخطوة، وما إذا كان الغرب سيصعد ضد أي تجاوزات إسرائيلية، خاصة في الضفة الغربية والقدس الشرقية".

كما شدد على أن " الحكومة الإسرائيلية الحالية تواجه تحديا داخليا بين مؤيدين لحل الدولتين وفق قيود محددة، وبين تيار ديني متطرف لا يعترف أساسًا بحق الفلسطينيين في دولة، ما يزيد من صعوبة إدارة الأزمة".

الوضع الإنساني كعامل ضغط

يؤكد النيرب أن "الوضع الإنساني في غزة ليس مجرد أزمة عابرة، بل يشكل عامل ضغط مستمر على المجتمع الدولي، حيث يعيش أكثر من 1.3 مليون فلسطيني في مساحة جغرافية صغيرة لا تتجاوز 3 كيلومترات مربعة، مع صعوبة كبيرة في التنقل والوصول إلى الخدمات الأساسية".

وأضاف أن "المشهد في غزة يعكس حالة مجاعة فعلية، مع نقص شديد في المياه والطعام والخدمات الصحية، ما يجعل الحاجة إلى تدخل دولي عاجل وفعلي أكثر من أي وقت مضى".

وأشار إلى أن "كل يوم يمر يزيد من حجم الكارثة الإنسانية، ويؤكد ضرورة اتخاذ خطوات جدية من المجتمع الدولي، وليس مجرد تصريحات، لضمان حماية المدنيين وإنهاء الأزمة."

الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية ليس مجرد خطوة رمزية، بل يحمل أبعادا سياسية، أخلاقية، واستراتيجية كبيرة، ويضع إسرائيل أمام تحديات دولية جديدة.

القرار البريطاني يعكس تحولات سياسية داخلية وخارجية، ويركز على تعزيز حقوق الفلسطينيين وحمايتهم من العنف المستمر، بينما يشكل ضغطًا على الحكومة الإسرائيلية لمراجعة سياساتها في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في ظل الأزمة الإنسانية الحادة، والضغط الدولي المتزايد، يبقى السؤال الأبرز: هل سيترجم هذا الاعتراف إلى خطوات فعلية لحماية الفلسطينيين وإنهاء الحرب، أم أنه سيبقى مجرد إعلان رمزي في وقت يحتاج فيه الشعب الفلسطيني إلى حلول ملموسة وفورية؟

مع استمرار النزاع في غزة وتفاقم المعاناة الإنسانية، تتضح أهمية التحرك الدولي الجاد، ليس فقط لإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل لضمان تطبيق هذا الاعتراف على أرض الواقع، وإنهاء المعاناة التي يعيشها ملايين الفلسطينيين تحت القصف والاحتلال المستمر.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا