في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على وقع استهداف إسرائيلي مفاوضي حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في الدوحة ، عاد ملف غزة إلى نقطة حرجة يتقاطع فيها الجهد القطري والأميركي مع حسابات إسرائيلية معقدة.
ورغم أن الوساطة بدت الأقرب إلى كسر حلقة الحرب المستمرة، فإنها تصطدم بعقبات أجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورهاناته السياسية الداخلية.
الدوحة التي دفعت ثمنا مباشرا من استهداف أراضيها، واصلت جهودها الدبلوماسية في واشنطن ، حيث التقى رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بمسؤولين في الإدارة الأميركية قبيل اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في نيويورك .
وحمل اللقاء بعدين متوازيين: ضمان أمن قطر بعد الاعتداء، ودفع مسار مفاوضات غزة نحو هدنة محتملة. غير أن هذه الجهود تصطدم برفض إسرائيلي لأي تسوية تقيّد عملياتها العسكرية قبل استعادة جميع الأسرى.
الباحث الأول في معهد الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي يرى في حديثه لبرنامج مسار الأحداث أن نتنياهو تعمد خلط الأوراق باستهداف الوفد الحمساوي في لحظة حساسة، ليؤجل أي تسوية قد تفرض عليه تنازلات مبكرة.
وفي رأيه، فإن مقترح ترامب -المبني على معادلة "وقف الحرب مقابل إطلاق الرهائن"- يبدو في جوهره هدية لإسرائيل ، إذ لا يفرض عليها التزامات دائمة، بل يتيح لها استغلال فترة الهدنة لترتيب أوراقها الميدانية.
الجانب الأميركي، كما أوضح المسؤول السابق في الخارجية توماس واريك، يركز على شرط جوهري يتمثل في نزع سلاح حماس قبل أي حديث عن إعادة إعمار غزة أو وقف دائم لإطلاق النار.
وهو شرط يراه مراقبون غير واقعي، لأنه يتجاوز طبيعة المفاوضات الإنسانية إلى فرض معادلة استسلام سياسي، ويعني عمليا إبقاء القطاع تحت رحمة الاحتلال المباشر أو غير المباشر.
في المقابل، يعتبر مكي أن قطر -رغم الضربة التي تعرضت لها- تمتلك قدرة على استعادة موقعها وسيطا رئيسيا، لكن نجاح ذلك مرهون بوجود ضمانات أميركية تقي المفاوضات من التلاعب الإسرائيلي.
ومع ذلك، يظل هاجس الوقت هو العنصر الأكثر حساسية، إذ يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد العمليات البرية والجوية في غزة لتحقيق مكاسب ميدانية، أو على الأقل فرض واقع تهجيري يغير من تركيبة القطاع.
أما الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى فذهب أبعد في توصيفه ذهنية نتنياهو، معتبرا أن الأخير أصبح "سياسيا بلا شيء يخسره"، يوظف ما يسميها "سياسات الضغينة" لمواجهة الضغوط الدولية، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من العزلة لإسرائيل.
وفي رأيه، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستخدم المفاوضات ورقة لإدارة أزماته الداخلية، لا لإنهاء الحرب، ويستفيد من الإجماع الإسرائيلي الواسع في استهداف قيادات حماس لتثبيت موقعه أمام جمهوره.
وفي حين يحاول ترامب إعادة تثبيت دور بلاده وسيطا قادرا على الجمع بين مصالح إسرائيل وأمن قطر ووقف المأساة الإنسانية في غزة، فإن غياب رؤية أميركية ملزمة يفتح الباب لاستمرار الحلقة المفرغة.
فواشنطن تضغط، لكنها لا تجبر تل أبيب على التزامات واضحة، وهو ما يتيح لنتنياهو المناورة بين تقديم وعود شكلية واستمرار الحرب تحت مسمى "العمليات الدفاعية".
من زاوية أخرى، يبرز القلق من أن يتحول المسار الدبلوماسي إلى مجرد غطاء لإعادة إنتاج المأساة، إذ تخشى أطراف فلسطينية أن أي وقف لإطلاق النار دون ضمانات للإعمار وعودة النازحين قد يكون مجرد محطة انتقالية تهيئ لمرحلة جديدة من التهجير أو فرض الوصاية الدولية.
وهو ما يفسر إصرار حماس والفصائل الأخرى على التشاور الجماعي قبل اتخاذ أي قرار مصيري، رغم تعرض مفاوضيها للقصف.
في ظل هذا التعقيد، تبدو الجهود القطرية الأميركية أشبه بمحاولة السير فوق خيط مشدود: من جهة، الحاجة الماسة لإنهاء حرب استنزفت غزة، ومن جهة أخرى، صلابة الموقف الإسرائيلي المرتبط ببقاء نتنياهو السياسي.
وبين هذا وذاك، يجد الوسطاء أنفسهم أمام معادلة محكومة بميزان قوى يميل لإسرائيل، وبتردد أميركي في كبح حليفها رغم إدراكها خطورة استمرار النزف.
وعليه، فإن السؤال يبقى مفتوحا: هل تستطيع الضغوط المتزايدة، سواء عبر مجلس الأمن أو من خلال الحراك الدبلوماسي في واشنطن، أن تدفع نتنياهو إلى القبول بوقف حقيقي لإطلاق النار؟ أم أن المشهد يتجه نحو مزيد من المراوحة، حيث تُقدَّم الصفقات الجزئية كإنجازات مؤقتة، بينما يستمر جوهر الحرب بلا نهاية واضحة.
في كل الأحوال، يظل الأفق ضبابيا. فحتى لو جرى الإعلان عن هدنة مؤقتة أو صفقة تبادل، فإن جذور الأزمة أعمق من أن تُحلّ باتفاق عابر. إسرائيل تبحث عن وقت إضافي، ونتنياهو يبحث عن نجاة سياسية، والولايات المتحدة تبحث عن معادلة تحفظ ماء الوجه. أما غزة، فهي تدفع الثمن الأكبر، بين ركام المنازل المدمرة وأحلام هدنة قد لا تأتي أبدا.