آخر الأخبار

لماذا لا يزال شي جين بينغ يفتقر إلى الجيش الذي يطمح إليه؟

شارك

قالت مجلة فورين أفيرز إن الرئيس الصيني شي جين بينغ أحدث اضطرابات واسعة في القيادة العليا ل جيش التحرير الشعبي خلال ولايته الثالثة، وأعيد في عهده بناء القوة العسكرية الصينية، ولكن الثقة بها لا تزال غير مكتملة.

وذكرت المجلة الأميركية -في تقرير بقلم جوناثان أ. سين وجون كولفر- أن ما لا يقل عن 21 ضابطا كبيرا أقيلوا منذ أن بدأ شي ولايته الثالثة عام 2022، ومن بينهم ثلاثة من الأعضاء السبعة في اللجنة العسكرية المركزية، وهي الهيئة العسكرية العليا ل لحزب الشيوعي الصيني .

وقد يتجاوز شي الرئيس السابق ماو تسي تونغ المتقلب المزاج في عدد الضباط الذين تم تطهيرهم، رغم أنه أشرف على عمليات تطهير عسكري سابق، وفرض إصلاحا شاملا لهيكل قيادة جيش التحرير الشعبي عام 2015، إلا أن هذا التغيير الأخير أثار الدهشة، لأن العديد من الرجال المتأثرين كانوا حلفاء شي المفترضين، وليسوا منافسين سياسيين محتملين.

مصدر الصورة الجيش الصيني أثناء تدريبات عسكرية (الفرنسية)

وقد أدت إقالة كبار الضباط الذين كانوا يُعتبرون في السابق محميين، إلى موجة من الشائعات بأن شي يفقد قبضته على جيش التحرير الشعبي، بل دفعت إلى مزاعم أكثر تطرفا بأن زواله السياسي قد يكون وشيكا.

ولكن بدلا من تراجع نفوذ شي، فإن التحركات الأخيرة تعكس على الأرجح استمرار هيمنته على الجيش -كما تقول المجلة- كما تعكس فقدانه صبره على جيشه، واستياءه المستمر من القيادة العليا للجيش، وربما تكون جزءا من عملية مستمرة لتحقيق أهدافه الكبرى المتمثلة في إخضاع الجيش لإرادته، حسب الكاتبَين.

إصلاحات جذرية

ويرى شي -حسب الكاتبَين- أن أجندته العسكرية هي محور إرثه، ولذلك طبق بعض أكثر الإصلاحات جذرية في عهده بالجيش، في حين ركز أسلافه قوتهم السياسية على دفع الإصلاحات الاقتصادية الكبرى.

وقد حفز هدفان إدارة شي القاسية للجيش الصيني، أولهما -حسب المجلة- ضمان تسييس الجيش بشكل كامل، وبالتالي استعداده للاضطلاع بدوره كضامن نهائي لحكم الحزب في حال مواجهته تحديا من الاضطرابات الداخلية، وثانيهما القدرة على القتال إذا احتاج إليه، بما في ذلك ضد الجيش الأميركي.

إعلان

وقد اهتم بعض المحللين -حسب المجلة- بعمليات التطهير الأخيرة واعتبر بعضهم أنها تعكس سوء تقدير محرجا من جانب شي في اختياره لمرؤوسيه، في حين اعتبر البعض الآخر أنها تعكس حركة ناشئة بين قادة الحزب والجيش الساخطين الذين يسعون الآن إلى تحدي شي أو حتى عزله.

مصدر الصورة شي جين بينغ يلوح للجيش أثناء عرض عسكري (رويترز)

ولكن هاتين الفرضيتين لا تصمدان للتدقيق -حسب المجلة- إذ لا يوجد سبب واضح يدفع القيادة العسكرية إلى التمرد فجأة لمعارضة شي، ويبدو من الأرجح أن الضباط المخلوعين ببساطة ربما أخطؤوا في تقدير أن علاقاتهم بشي ستسمح لهم بملء جيوبهم دون عقاب من برنامجه الباهظ لتحديث الجيش.

ومع ذلك، فإن حجم ودراما هذه المؤامرات في القيادة العليا يثيران تساؤلات أعمق حول سبب تركيز شي الشديد على الجيش وقسوته في إدارته، وقد رأى الكاتبان أن سيرة شي الذاتية تقدم بعض الأدلة، بصفته ابن قائد لعب دورا رئيسيا في الحرب الأهلية الصينية.

وكان شي أكثر ارتياحا للشؤون العسكرية من سلفيه المهندسين، وكان أكثر انسجاما مع السياسة داخل الجيش، ولديه تقدير أكبر للأهمية السياسية لجيش التحرير الشعبي، لأنه أدرك أن السيطرة على الجيش أمر لا غنى عنه من أجل الهيمنة على السياسة الصينية.

بدأ شي فترة ولايته كقائد أعلى للقوات المسلحة بترويج فكرة أن جيش التحرير الشعبي بحاجة إلى الاستعداد "للقتال والفوز في المعارك"، وهي عبارة أوحت بأن الجيش ليس مستعدا حاليا للقيام بذلك، وربما يكون شي قد اكتشف أن وراء جدار انعزالية الجيش فسادا مستشريا.

ومن المفارقات -حسب الكاتبين- أن الجيش الصيني لديه درجة متزايدة من الاحترافية، بحيث يركز كبار الضباط فيه على القتال لا على السياسة، رغم أن التعليم الأيديولوجي يأخذ من وقته الكثير، والدورية الرئيسية لجيش التحرير الشعبي تنشر بانتظام خطبا لاذعة ضد فكرة الجيش غير المسيس.

مصدر الصورة الرئيس الصيني يسعى إلى تسييس الجيش ليضمن حكم الحزب الشيوعي (الفرنسية)

وهذا ما فاجأ شي بدلا من أن يهدئه، لأن النظام السياسي الصيني يفترض أن يكون الجيش مسيسا تماما، ويشترط أن يكون جميع الضباط تقريبا أعضاء في الحزب الشيوعي الصيني، لأن المهمة الأساسية لجيش التحرير الشعبي ومبرر وجوده الحقيقي هي حماية الحزب الشيوعي الصيني وحكمه، وليس الدفاع عن الدولة الصينية في حد ذاتها.

تصحيح المسار

وفي عام 2011، بعد عام من تولي شي رئاسة اللجنة العسكرية المركزية، أصبح السؤال حول عمل الجيش كضامن للحزب ملحا بسبب الربيع العربي، خاصة أن حركة المطالبة بالديمقراطية في الصين عام 1989، عارض قمعها عدد من الضباط، وبالتالي "إذا وقعت أحداث تيانانمن اليوم، فهل سينقذ جيش التحرير الشعبي الحزب مرة أخرى؟".

وأشار الكاتبان إلى أن شي لم يكن مطمئنا إلى دعم الجيش، وكان من غير المقبول بالنسبة له أنه لا ضابط لديه سلطة حشد رؤساء الفروع المختلفة، ولذلك شن شي هجوما خاطفا محفوفا بالمخاطر على القادة العسكريين الذين حولوا الجيش إلى ما يشبه دولة داخل الدولة، واعتقل وعزل نائبين متقاعدين -لكنهما مؤثران- لرئيس اللجنة العسكرية المركزية لتلقيهما رشاوى.

إعلان

وانتزعت إصلاحات شي السيطرة العملياتية، وسلمتها إلى هيكل قيادة جديد مبسط يعكس تركيز شي المزدوج على السيطرة الحزبية الصارمة والعمليات المشتركة، وفي غضون ذلك، خفض عدد أفراد الجيش بما يقارب 500 ألف جندي منذ عام 2010.

ورأت المجلة أنه لا ينبغي الاستهانة بنطاق وحجم الإصلاحات المؤسسية التي فرضها شي على جيش التحرير الشعبي، وقالت إنها تضاهي ما شهده الجيش الأميركي من قانون الأمن القومي لعام 1947، الذي أخضع وزارتي البحرية والحرب لوزارة دفاع موحدة، وقانون غولدووتر-نيكولز لعام 1986، الذي سعى إلى إقصاء رؤساء الأركان من التسلسل القيادي العملياتي، في آن واحد.

شي جين بينغ يسعى لضمان أن رجال جيش التحرير الشعبي سيقاومون عند الحاجة، لكنه لا يزال غير واثق من ذلك

ونظرا لجرأة عمليات التطهير والإصلاحات التي أجراها شي، فقد توقع العديد من المحللين، أو ربما تمنوا -كما تقول المجلة- حدوث رد فعل عنيف ضد شي، ومع ذلك، أجرى شي هذه التجديدات الشاملة للقيادة العليا دون أي علامة ظاهرة على المعارضة.

ومع أن تركيز شي على إصلاح جيش التحرير الشعبي غالبا ما يصوَر في الغرب على أنه هوس قصير النظر للتوحيد مع تايوان، فإن الأمر أكثر رمزية من ذلك -حسب المجلة- إذ أبدى شي شغفا كبيرا طوال فترة ولايته باحتفالات المئوية، وسيصادف عام 2027 الذكرى المئوية لتأسيس جيش التحرير الشعبي.

ومن حسن حظ شي، أن ذلك سيتزامن أيضا مع بداية ولايته الرابعة المحتملة في منصبه، وسيستغل الجيش هذه المناسبة حتما للإشادة علنا بالتقدم الكبير الذي أحرزه نحو أهدافه، وسيظل شي، خلف الأبواب المغلقة، مصرا على دفع الجيش لبذل المزيد من الجهد.

وكما أشار شي في أول خطاب له أمام جيش التحرير الشعبي الصيني بعد توليه القيادة العامة، فقد سقط الاتحاد السوفياتي لأن "أحدا لم يكن لديه ما يكفي من الشجاعة للصمود والمقاومة"، وبالتالي يسعى شي لضمان أن رجال جيش التحرير الشعبي سيقاومون عند الحاجة، لكنه لا يزال غير واثق من ذلك.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا