أهالي بلدة سعير شمال الخليل يطالبون السلطة الفلسطينية بزيادة حصتهم من المياه، وحل أزمة المياه المتفاقمة. pic.twitter.com/FFaD48fQrh
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) June 11, 2025
الخليل- يعاني أكثر من مليون فلسطيني بمحافظة الخليل (جنوبي الضفة الغربية) من أزمة مياه خانقة، نظرا للتراجع (أكثر من النصف) في كميات المياه المخصصة لهم -وأغلبها مشتراة من شركة إسرائيلية، وفق مصادر رسمية.
فقد أعلنت بلدية الخليل (كبرى مدن الضفة) عن تراجع الكميات الواردة إلى المحافظة بشكل كبير، ودعت في بيان إلى "ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وإجراءات فورية للحد من تفاقم الأزمة وتفادي تداعياتها".
وكشفت البلدية عن انخفاض معدل التزويد اليومي للمحافظة ابتداء من مايو/أيار الماضي مقارنة بالسنوات السابقة بنحو 55%، وهو ما يشكل "مؤشرا خطيرا على دخول المحافظة في أزمة مائية مبكرة تهدد الأمن المائي وتلقي بظلالها الثقيلة على حياة المواطنين، خصوصا مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع الطلب على المياه".
طالبت بلدية الخليل سلطة المياه الفلسطينية بصفتها الجهة المختصة بـ"ضرورة التحرك الجاد بشكل فوري من خلال الضغط على الجانب الإسرائيلي بزيادة الكميات الواردة إلى المحافظة والإسراع بإجراء أعمال الصيانة اللازمة للآبار المتعطلة التي تعد مصدرا رئيسيا للتغذية بالمياه لتفادي تفاقم الأزمة المتسارعة".
كما ناشدت كافة الجهات الرسمية والدولية والمؤسسات الحقوقية والإنسانية "سرعة التحرك والضغط من أجل استعادة الحد الأدنى من العدالة المائية لأبناء محافظة الخليل".
ووفق عضو مجلس بلدية الخليل عبد الكريم فرّاح -في حديثه للجزيرة نت- فإن أزمة المياه تفاقمت "نتيجة النقص الملحوظ والكارثي في كمية المياه الواردة للمدينة والمحافظة بشكل عام".
وأشار فراح إلى أن ما يصل للمدينة يوميا يتراوح بين 5 و9 آلاف كوب (الكوب متر مكعب) من أصل 22 ألف كوب هي الحد الأدنى من احتياجات البلدية والتي كانت تصل قبل مايو/آيار.
ووفق عضو المجلس البلدي فإن مصدر المياه الرئيس للمدينة هو شركة موكوروت الإسرائيلية، موضحا أن "سلطات الاحتلال تتذرع هذا العام بوجود صيانة في الآبار" متسائلا: لماذا لا تنقص كميات الأمطار عن المستوطنات التي تعتمد على ذات المصادر؟ ولماذا تتكرر المشكلة كل صيف؟
ولفت إلى أن نقص المياه يؤدي إلى غضب المجتمع نتيجة الضرر الحاصل سواء في توريد المياه المنزلية أو المصانع أو المتاجر أو المزارع.
من جهته يقول عصام عرمان، القائم بأعمال مدير عام الصيانة والتشغيل بسلطة المياه الفلسطينية، إن المصدر الرئيسي المزود لمحافظة الخليل بالمياه هو محطة "دير شعار" شمال بلدة بيت أمر (شمال المدينة) والتي تتزود يوميا بين 30 و33 ألف كوب يوميا من آبار مياه أغلبها داخل الخط الأخضر أي من إسرائيل .
ويوضح عرمان أنه منذ بداية أبريل/نيسان الماضي، بدأ معدل التزويد اليومي للمحطة في التراجع "حتى وصل 16 ألف كوب في اليوم، أي بتخفيض يصل إلى 40%".
وأشار إلى متابعات حثيثة لحل المشكلة، موضحا أن رد الجانب الإسرائيلي هو أن النقص ناتج عن أعطال فنية، موضحا أن المشكلة الفنية لم تنعكس على المستوطنات التي زادت حصصها مع دخول الصيف مع أن أغلبها يعتمد على ذات الآبار.
وقال المسؤول الفلسطيني إن نقص المياه جنوبي الضفة يتأثر به أكثر من مليون نسمة هم سكان مدينة الخليل وعدة قرى تابعة لها، موضحا أن المشكلة تتعمق مع الابتعاد عن مصدر التزود.
ويلفت إلى إشكالية أخرى ملموسة تواجه شبكات المياه وهي التعديات عليها وسرقة المياه خاصة في المنطقة المصنف "ج" والخاضعة لسلطة الاحتلال، مشيرا إلى توجه كثير من المواطنين للزراعة بعد فقدان أعمالهم بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبالتالي محاولة الحصول على المياه بطرق ووصلات غير قانونية.
ولا تقتصر مشكلة المياه على جنوبي الضفة، إنما تتوزع في أنحاء الضفة حيث قام مستوطنون مؤخرا بتجفيف نبع العوجا (شمالي مدينة أريحا) وفق ما أعلنته منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، وهو ما اضطر التجمعات الفلسطينية المعتمدة على تربية الماشية إلى البحث عن مصادر بديلة ومكلفة.
وفي محافظتي جنين وطولكرم دمر جيش الاحتلال شبكات المياه وبنيتها التحتية في مخيماتها التي هجر سكانها.
تأتي أزمة المياه بعد شتاء شحت فيه المياه، حيث تشير توثيقات دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية إلى أن نسبة الأمطار في الشتاء المنقضي لم تتجاوز في أغلب المحافظات الفلسطينية نسبة 60% من المعدل العام، وهو ما ألقى بظلاله على الزراعة البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار من جهة، وعلى مخزون آبار التجميع من جهة ثانية.
ووفق معطيات نشرها الجهاز المركزي للإحصاء وسلطة المياه الفلسطينيان بمناسبة يوم المياه العالمي في 22 مارس/آذار الماضي، فإن جيش الاحتلال -الذي دمر أكثر من 85% من مرافق وأصول المياه والصرف الصحي في قطاع غزة- يهيمن على مياه الضفة.
وتفيد تلك المعطيات بأن فلسطين تعتمد بشكل أساسي على المياه المستخرجة من المصادر الجوفية، حيث بلغت كمية المياه التي تم ضخها من آبار الأحواض الجوفية نحو 106 ملايين متر مكعب في الضفة للعام 2023.
وتوضح أن "معيقات يضعها الاحتلال أمام حفر الآبار وتأهيلها، وتزايد عمليات السيطرة وجرائم المستوطنين في ضم الينابيع، وتدمير البنية التحتية خلال الاقتحامات المتواصلة في الضفة مما يفاقم الوضع المائي الصعب".
وقد أدت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي -وفق المؤسستين- إلى الحد من قدرة الفلسطينيين على استغلال مواردهم الطبيعية، وبخاصة المياه، وإجبارهم على تعويض النقص بشراء المياه من شركات المياه الإسرائيلية، حيث بلغت كمية المياه -في الضفة- المشتراة من إسرائيل 85.9 مليون متر مكعب أي ما يعادل 39% من كميات المياه المتاحة، وتمثل حوالي 60% من المياه المزودة للاستخدام المنزلي خلال 2023.
ووفق المؤسستين الحكوميتين فإن الاضطرار -إلى زيادة الاعتماد على شراء المياه من إسرائيل- يمثل بحد ذاته تحديا كبيرا أمام الحكومة الفلسطينية مع تحكم إسرائيل بأسعار وكميات المياه، وبخاصة في فصل الصيف، كما يعتبر نهجاً تتبعه إسرائيل لتقويض فرص حل الدولتين بمنع الفلسطينيين من السيادة على المصادر الطبيعية.
"يهدد حياة الفلسطينيين، ويقوض صمودهم"… سكان الأغوار بالضفة الغربية يشتكون من ما وصفوها بعمليات تجفيف مياه نهر العوجا بمنطقتهم من قبل مستـوطنين إسرائيليين pic.twitter.com/3MDgDIIa22
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) May 2, 2025
وتشير بيانات العام 2023 إلى زيادة حصة الفرد اليومية من المياه بنسبة قليلة عن السنوات السابقة، لتبلغ 88 لتراً للفرد يوميا في الضفة، وهذه الحصة لا تزال أقل من المعدل الموصى به عالمياً وهو 120 لتراً للفرد في اليوم.
وعند مقارنة كميات الاستهلاك في فلسطين باستهلاك الفرد الإسرائيلي، تشير المعطيات إلى أن معدل استهلاك الأخير يزيد 3 أضعاف عن الفلسطيني، ويتضاعف بالمقارنة مع حصة المستوطنين، أو إذا أخذت الاستخدامات غير الزراعية بعين الاعتبار.
وأظهرت مؤشرات عام 2023 أن الفاقد من المياه في الضفة ما زال مرتفعاً بما يزيد على 35% جراء تهالك الشبكات، والتعديات على خطوط وشبكات المياه من قبل المواطنين. وقد أظهرت الإحصاءات تفاوتاً بين المحافظات في نسبة الفاقد، حيث كانت النسبة الأعلى بمحافظة الخليل، وأقلها محافظة سلفيت .