في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
شهد التعليم الطبي قفزات هائلة خلال السنوات الماضية، كان من أهم ركائزها استخدام المحاكاة في التدريب الطبي، فما هذا العلم وما الذي يقدمه للأطباء والمتخصصين في الرعاية الصحية وللمرضى؟ وكيف يتم تطبيقه في الرعاية الصحية؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتور عبد الله صبابحة رئيس قسم المحاكاة في سدرة للطب في قطر، والمستشار والخبير في المحاكاة والتعليم الطبي، والمدرب الإقليمي المعتمد في جمعية القلب الأميركية.
المحاكاة هي تمثيل للواقع واستشراف للمستقبل، وهي علم قديم استخدم في مجالات متعددة مثل مجالات الطيران وتعليم الطيران، وفي المجالات العسكرية مثل المناورات العسكرية التي تشكل جزءا من المحاكاة، أما دخول مصطلح المحاكاة في المجال الطبي والتعليم الطبي فهو حديث العهد، تقريبا قبل 40 سنة.
والهدف من إدخال هذا العلم الحديث في التعليم الطبي هو توفير البيئة الآمنة للكادر الطبي والمتدربين لممارسة مهاراتهم السريرية وتطويرها، ويمكن استخدامه أيضا لغايات الأبحاث وتطوير البروتوكولات الطبية المختلفة، بما ينعكس على الرعاية الصحية للمريض والمتدرب في الوقت نفسه.
تقدم المحاكاة بيئة آمنة لطرفي المعادلة: المتدرب الذي قد يكون طالبا على مقاعد الدراسة في الجامعة أو عاملا في القطاع الصحي، والمريض، إذ تحسن المحاكاة من جودة الرعاية الطبية المقدمة، وتسهم في تقليل الأخطاء الطبية، وتزيد من كفاءة الرعاية الصحية، وهو ما ينعكس على الرعاية المقدمة للمريض.
يمكن تقسيم المحاكاة بأكثر من طريقة، إذا أردنا تقسيمها من حيث الأدوات المستخدمة في المحاكاة، فيمكن تقسيمها إلى محاكاة باستخدام دمية كاملة الأعضاء (full body manikin) تحاكي وظائف الجسم بنسبة تزيد على 99%، الشيء الوحيد غير القادرة على عمله هو القيام عن السرير والمشي، عدا ذلك يمكنها محاكاة أي علامات حيوية لدى الإنسان مثل ضربات القلب وارتفاع الصدر عند التنفس، والدمية قادرة على الكلام والتفاعل مع مقدمي الرعاية الصحية، وحديثا تم استخدام الذكاء الصناعي لجعل الدمية قادرة على الإجابة عن أي سؤال من المتدرب.
بعض الدمى قادرة على الاستجابة للأوامر مثل رفع اليد أو الإصبع، وهذه تمثل الدمى الأكثر تطورا والأعلى ثمنا، وتوجد دمى تمثل جزءا من الجسم، ولكنها أقل تطورا وتكون أقل سعرا.
الدمى المتطورة يزيد سعرها على 140 ألف دولار للدمية الواحدة، والسعر يعتمد على التطور التكنولوجي. بعض الروبوتات المستخدمة في العمليات الجراحية يزيد سعرها على مليون دولار، وهذه الكلف العالية تشكل أكبر التحديات التي تواجه العاملين في هذا المجال، إضافة لكلف التشغيل العالية والصيانة الدورية للدمى، كما توجد ندرة في اختصاصيي المحاكاة.
لا يشترط أن تتوفر أحدث التقنيات في المجال في كل مركز للمحاكاة، إذ يتم تحدد نوع الأداة المستخدمة في المحاكاة بما يتناسب مع الهدف المنشود منها.
إذا أردنا تصنيفها من حيث نوع المتدربين المنخرطين، فالنوع الأول هو المتدربون الموجودون على مقاعد الدراسة، وتم حديثا استخدام الواقع الافتراضي الذي يستخدم في الألعاب وغيره، فهذا النوع من المحاكاة يجذب انتباه هذا الجيل.
والنوع الثاني هو الممارسون الطبيون الذين يعملون في المستشفى ويكون التركيز هنا على تطوير البروتوكولات المتبعة في المستشفيات، مثل بروتوكولات التعامل مع الكوارث الطبيعية، حيث يتم عمل تمرين سنوي لتدريب الكوادر الطبية على التعامل مع هذه الحالات، وهذا نوع من استشراف المستقبل.
تقدم المحاكاة بيئة آمنة للمتدرب من مقدمي الرعاية الصحية لتطوير مهاراته السريرية وتطوير بروتوكولات صحية، وذلك بعيدا عن الضغوط النفسية المتعلقة بسلامة المريض، ويحصل المتدرب بعد انتهاء المحاكاة على تغذية راجعة ونقاط يمكن تطويرها، ويمكن إعادة السيناريو حتى يصل المتدرب لأفضل أداء.
المحاكاة تساعد المريض على الحصول على أفضل رعاية صحية في أقل وقت ممكن من دون حدوث أخطاء أو مضاعفات، ومن ثم تزيد من رضا المريض ومرافقيه.
المنظومة الطبية بشكل عام تستفيد من المحاكاة، إذ تقل التكلفة العلاجية الناتجة عن الأخطاء الطبية والمضاعفات.
إحدى قصص النجاح التي عشناها عام 2018 في مستشفى سدرة في قطر كانت عملية لفصل توأمين متلاصقين، هذه العملية كانت من أولى العمليات التي يتم إجراؤها في المنطقة.
قبل الولادة كان من المعروف أن إحدى الحوامل تحمل توأمين متلاصقين، وبدأ التحضير لعملية الولادة وكيف سيتم مع التعامل مع التوأمين. التحدي الأبرز تمثل في أن التوأمين كانا يشتركان في الكبد، في حين كانت باقي أعضائهم منفصلة.
تم إجراء 32 ساعة محاكاة بمشاركة 150 مقدم رعاية صحية من المعنين في هذه الحالات من أطباء تخدير وجراحة وأنسجة والمختبر وبنك الدم، وكانت النتائج الإيجابية لهذه المحاكاة من ضمن العوامل التي أثرت على نجاح العملية.
في كندا عام 2019 أُجريت دراسة على مجموعتين من جراحي الروبوتات، مجموعة تم تدريبها بالطرق التقليدية، والأخرى تم تدريبها باستخدام المحاكاة، وكانت النتيجة أن جراحي الروبوتات الذين تم تدريبهم بالمحاكاة كانوا قادرين على إنجاز العملية في وقت أقل بنسبة 30% من الفريق الذي تدرب بالطرق التقليدية، وقلت نسبة المضاعفات بعد العملية بما يزيد على 25%.
التكنولوجيا صديقة للإنسان، وإذا استُخدمت بالطرق الصحيحة، فيمكن استخدامها لاستشراف المستقبل وتطوير الأدوية واللقاحات بما يقلل من عدد المتطوعين لتجريبها. والذكاء الاصطناعي وخوارزمياته قطعا سيحسن الرعاية الطبية وسيسهم في تطوير السياسات المتبعة في القطاع الطبي.