في طفرة علمية قد تغير مفهومنا لطبيعة السعال المزمن، نجح فريق بحثي دولي في كشف النقاب عن الأساس الجيني والآليات العصبية الكامنة وراء هذه الحالة المزعجة التي تؤثر على حياة الملايين.
وسلطت الدراسة التي تعد الأكبر من نوعها، الضوء على حقائق مذهلة تعيد تعريف السعال المزمن من مجرد عارض تنفسي إلى حالة عصبية معقدة.
وقام باحثون من جامعة ليستر بالتعاون مع زملائهم في جامعة كوبنهاغن وجامعة كوين ماري في لندن بتحليل البيانات الجينية لما يقارب 30 ألف شخص يعانون من السعال المزمن، مستفيدين من مصادر بيانات ضخمة مثل البنك الحيوي البريطاني. النتائج التي توصلوا إليها، والتي نُشرت في المجلة الأوروبية للجهاز التنفسي، تمثل نقلة نوعية في فهمنا البيولوجي للسعال المستمر.
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه أول دليل جيني قوي على أن السعال المزمن له جذور عصبية عميقة. حيث حدد الباحثون مجموعة من الجينات المسؤولة عن نقل الإشارات العصبية وتنظيم المسارات الحسية، مما يفسر ظاهرة "فرط حساسية منعكس السعال" التي يعاني منها المرضى. والأكثر إثارة أن الدراسة كشفت عن تشابه جيني مدهش بين السعال المزمن والألم المزمن، ما يشير إلى آليات مرضية مشتركة بين الحالتين.
وتعليقا على هذه النتائج، أوضحت الدكتورة كايشا كولي، رئيسة الفريق البحثي: "لطالما كان السعال المزمن لغزا محيرا للأطباء، خاصة في الحالات التي لا يكون لها سبب واضح. وهذه الدراسة تمثل أول خريطة جينية شاملة تساعدنا على فهم الأسس البيولوجية لهذه الحالة".
ومن الناحية العملية، تفتح هذه الاكتشافات الباب أمام جيل جديد من العلاجات الدقيقة التي تستهدف المسارات العصبية المحددة بدلا من الاكتفاء بتسكين الأعراض.
كما توفر أساسا علميا متينا لإعادة تصنيف السعال المزمن كحالة عصبية وليس مجرد عارض تنفسي، وهو ما قد يغير جذريا من طرق تشخيصه وعلاجه.
وفي ظل معاناة ما يقارب 10% من البالغين حول العالم من السعال المزمن، والذي غالبا ما يؤدي إلى اضطرابات النوم والإرهاق المزمن وحتى العزلة الاجتماعية، تأتي هذه الدراسة لتقدم أملا جديدا لملايين المرضى. كما تبرز أهمية الاستثمار في الأبحاث الجينية لفهم أفضل للأمراض الشائعة التي طالما حيرت الأطباء والعلماء على حد سواء.
المصدر: ميديكال إكسبريس