تخيّل أن أمامك خاتمين يلمعان بالدرجة نفسها من البريق… أحدهما يحمل حجراً تكوّن في باطن الأرض عبر ملايين السنين، والآخر صُنع في مختبر خلال بضعة أسابيع. أيهما تختار؟
هذا السؤال يشعل اليوم واحدة من أكثر المعارك جرأة في عالم المجوهرات، ويعيد تشكيل ذوق جيل كامل، ويؤثر بوضوح على سلوك الشراء في أسواق الألماس.
ففي حين يتميّز الألماس الطبيعي بندرته وقيمته العالية وتاريخه الجيولوجي الطويل، يجتذب الألماس الصناعي شريحة واسعة من الشباب بأسعاره الأقل وبصمة يُقال إنها أكثر صداقة للبيئة.
ولكن قبل أن تختار، دعونا نفهم أولاً:
الألماس الطبيعي هو حجر أخذ ملايين، وأحياناً مليارات السنين، ليتكون في أعماق الأرض تحت ضغط وحرارة هائلين، وذلك وفقاً لتقرير مجلس الألماس الطبيعي (National Diamond Council) وهي منظمة دولية تدعم صناعة الألماس الطبيعي عالمياً.
وبعد هذا المشوار الجيولوجي الطويل، تدفعه انفجارات بركانية معروفة بـ"الكيمبرلايت" إلى السطح، ليظهر في مجاري الأنهار أو قيعان المحيطات، بينما تبقى أجزاء كبيرة منه محصورة داخل الصخور. هذه الندرة، إلى جانب رحلته الفريدة، هي ما يكسبه قيمته العالية.
وجوده محدود أيضاً: فالألماس الطبيعي يقتصر على بلدان معينة مثل بوتسوانا وكندا وروسيا وأستراليا وأنغولا وجنوب إفريقيا، وعدد قليل من الدول الإفريقية الأخرى.
أما الألماس الصناعي، فيوضح مجلس الألماس العالمي (National Diamond Council)، الذي تأسس عام 2000 لحماية نزاهة سلسلة توريد الألماس الطبيعي، أنه صنع لأول مرة في فبراير 1953 في ستوكهولم على يد شركة سويدية.
لكن الجودة التي تصلح للمجوهرات لم تظهر إلا في السبعينيات، حين أتقنت شركات ناشئة في الولايات المتحدة، ثم الهند والصين، تقنيات الضغط العالي ودرجة الحرارة العالية (HPHT) وترسيب البخار الكيميائي (CVD) لإنتاج أحجار تبدو طبيعية تماماً.
إذاً، الألماس الصناعي يفتقر إلى التاريخ والندرة، فكيف أصبح الخيار الأول للكثير من الشباب في السنوات الأخيرة؟
رغم أن الألماس الصناعي يفتقر إلى التاريخ والندرة، فإن السنوات الأخيرة جعلته النجم الصاعد بين الشباب. لم يشهد السوق العالمي رواجاً كبيراً لهذا الحجر المصنوع إلا بعدما بدأت الشركات المنتجة له بالتأكيد على أن خصائصه الفيزيائية والكيميائية مطابقة تماماً للألماس الطبيعي، بل مع ميزتين إضافيتين جذابتين: سعر أقل بكثير وبصمة بيئية أفضل لأنه لم يُستخرج من المناجم، وبالتالي لا تتسبب عمليات استخراجه من الطبيعة أضراراً على البيئة.
كما أن صناعته داخل المختبرات تجعله بعيداً عن شبهات استخدامه في بعض الدول - التي تدور فيها النزاعات - كأحد مصادر تمويل الحروب.
فمثلاً، في سيراليون، وثّق تقرير للأمم المتحدة عام 2000 تورّط "الجبهة الثورية المتحدة" في السيطرة على مناطق غنية بالألماس، واستخدام العمالة القسرية لاستخراجه وبيعه دولياً لشراء السلاح. وقد أدت هذه الممارسات إلى إطلاق "عملية كيمبرلي" لضمان خلوّ الألماس المتداول من تمويل الصراعات.
وبالمثل، أشار تقرير أممي عام 2001 إلى تهريب الألماس لتمويل النزاع في الكونغو، المعروف بـ"الحرب العالمية الإفريقية".
عن عامل السعر، تقول يارا نعمة، خبيرة في مجال بيع الألماس في دبي ، لبي بي سي نيوز عربي: "الفارق في السعر كبير… فقيراط الألماس الطبيعي قد يصل إلى 7000 دولار، بينما الصناعي يكلف حوالي 2000 دولار فقط. هذا يجعل الشباب، خصوصاً المقبلين على الزواج، يختارون الألماس الصناعي، خاصة وأن التفريق بين الاثنين يكاد يكون مستحيلاً بدون أجهزة دقيقة".
تضيف نعمة: "الآن أصبح الشباب يشترون خاتم الخطوبة من الألماس الصناعي، وهو غالباً أول هدية مهمة في حياتهم" وهو ما يدل، برأيها، على أن الألماس الصناعي لم يعد خياراً ثانوياً بل أصبح جزءاً من المناسبات الكبرى.
الأرقام الصادرة مجلس الألماس العالمي تؤكد ذلك بالفعل، فوفقاً لتقديرات عام 2024، إن حوالي 45% من خواتم الخطوبة التي بيعت في الولايات المتحدة كانت مزوّدة بألماس صناعي.
مع ذلك، يرى المجلس أن المقارنة بين الألماس الطبيعي والصناعي ليست عادلة، ويقول إن مؤيدي الألماس الصناعي يشبهونه بالأدوية: ويقولون إنه مطابق كيميائياً للطبيعي، لكن أقل تكلفة بكثير ولكن قيمة الألماس الطبيعي لم تكن تاريخياً مبنية فقط على تركيبه، بل على تاريخه ورمزيته العاطفية؛ فملايين السنين التي قضتها الحبة في باطن الأرض هي ما تجعل كل حجر طبيعي فريداً ومميزاً .
في الفترة الأخيرة بدأت أسعار الألماس الطبيعي تشهد بعض التراجع، مما أثار التساؤلات حول مستقبل هذا السوق.
ورغم انتشار الألماس الصناعي، تشير ناتالينا ناصيف، خبيرة الألماس الخام، إلى أن التراجع في أسعار الألماس الطبيعي ليس سببه المنافسة، بل عوامل أخرى مثل التوترات الجيوسياسية والحروب وتوجّه بعض المستثمرين إلى الذهب كملاذ آمن.
وتقول: "الألماس الطبيعي شيء، والصناعي شيء آخر. وكل حجر طبيعي فريد، مثل ضحكة كل شخص منا على الأرض. ملايين السنين التي استغرقها تكوّن الحجر الطبيعي لا يمكن مقارنتها بقطعة صُنعت خلال أسابيع في مصنع."
يرى مؤيدو الألماس الصناعي أنه خيار أكثر استدامة لأنه لا يحتاج إلى التعدين. لكن ناتالينا ناصيف تلفت إلى أن إنتاجه في المختبرات يستهلك كميات كبيرة من الطاقة والحرارة، ما يترك أثراً بيئياً لا يمكن تجاهله.
وبذلك، يبقى الجدل قائماً حول حجم الأثر البيئي لكل من النوعين، لا سيما مع غياب البيانات الدقيقة في هذا الإطار.
هذه هي زاوية أخرى يستند إليها المدافعون عن الألماس المصنوع في المختبرات. فرغم القيمة العالية للألماس الطبيعي، ارتبط اسمه أحياناً كثيرة بالصراعات المسلحة، فبات ينتشر مصطلح "الألماس الدموي" أو Blood Diamonds ، وهو وفقاً لمجلس الألماس العالمي، الألماس الطبيعي الذي يُستخرج في مناطق نزاع لتمويل الحروب، مما أدى إلى معاناة كبيرة للسكان المحليين.
لكن ناتالينا ناصيف توضح أن الهيئات العالمية استحدثت نظاماً يحمل اسم "عملية كيمبرلي" أوKimberley Process Certification لضمان أن الألماس الطبيعي المتداول في الأسواق خال من أي تمويل للصراعات.
إلى جانب كل ذلك، يثير النقاش حول الألماس الطبيعي والصناعي سؤالاً جوهرياً: هل يستطيع الألماس الصناعي أن يحمل الرمزية العاطفية نفسها التي يكتسبها الألماس الطبيعي المتكوّن في باطن الأرض عبر ملايين السنين؟ كثيرون في هذا القطاع يستبعدون ذلك. وتوضح يارا أن "المستهلك قد يختار الألماس الصناعي للاستعمال اليومي بسبب كلفته الأقل، لكنه ما يزال يتجه نحو الألماس الطبيعي في المناسبات المهمة، أو عند التفكير في الاستثمار، أو عندما يرغب في اقتناء قطعة تحمل قيمة تُورَّث للأبناء، لما يتمتع به الألماس الطبيعي من تاريخ وخصوصية لا تُعوَّض".
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة