تتصدر السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب واجهة الجدل الدولي مع إدخال ما وصفته بلومبيرغ بـ"التعريفات الثانوية"، وهي أداة اقتصادية غير مسبوقة مستعارة من فكرة "العقوبات الثانوية" التي تُفرض على أطراف ثالثة تتعامل مع الدول المستهدفة ب العقوبات .
غير أن تطبيقها في السياق الراهن موجه ضد الهند والصين بحجة شراء الدولتين المتزايد للنفط الروسي، ما يجعلها في قلب المواجهة بين واشنطن وموسكو.
وأشار التقرير إلى أن هذا النهج يفتقر إلى تاريخ عملي راسخ ويبدو بلا مستقبل واضح، إذ لم يُستخدم فعليًا سوى في حالات محدودة.
فترامب سبق أن هدد بفرض تعريفات على مشترين للنفط الفنزويلي دون متابعة جادة، فيما ظهر المفهوم بشكل أكبر في النقاشات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا والبحث عن أدوات تضغط على روسيا عبر شركائها التجاريين.
وتوضح بلومبيرغ أن الخطوة الأكثر تأثيرا جاءت قبل أسابيع عندما فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25% على الهند بسبب مشترياتها من النفط الروسي، ليصبح إجمالي الرسوم الجمركية المفروضة على الكثير من سلعها بنسبة 50%.
وكان الرد الهندي سياسيًا بامتياز، إذ بادر رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى زيارة الصين للمرة الأولى منذ سنوات، حيث ظهر في محادثات ودية مع الرئيس شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واعتبر مراقبون أن هذه الصورة شكلت "نتيجة عكسية" لسياسة ترامب، إذ قوّت التعاون بين بكين ونيودلهي بدلًا من دفع الأخيرة إلى الابتعاد عن موسكو.
أما الصين، فقد واجهت مطلع هذا العام زيادة أميركية في الرسوم تجاوزت 100%، وهو ما ردت عليه بكين بإجراءات "سريعة وفعالة" أجبرت واشنطن على التراجع.
هذا المشهد يعكس، محدودية جدوى التعريفات الثانوية مع اقتصادات كبرى قادرة على الرد بالمثل.
ويضيف التقرير أن بعض الاقتصاديين يرون أن "سياسات الحماية التجارية تضر غالبًا بالبلد الذي يفرضها أكثر مما تضر بخصومه".
وترى بلومبيرغ أن الهند والصين مؤهلتان نظريًا لأن تكونا أهدافًا لهذا النوع من الرسوم نظرًا لضخامة مشترياتهما من النفط الروسي التي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات سنويًا.
غير أن الواقع المعقد يربط واشنطن بمصالح مباشرة مع كلا البلدين، من تسويق صادراتها الزراعية وصفقات الدفاع مع الهند، إلى ملفات حساسة مع الصين مثل الذكاء الاصطناعي والفنتانيل.
وترى الوكالة أن إقحام ملف أوكرانيا في هذه القضايا يضاعف العقبات ويهدد بتقويض المحادثات التجارية الهشة أصلًا.
وبحسب بلومبيرغ، لجأ ترامب مؤخرًا إلى اتصالات هاتفية مع كل من مودي وشي جين بينغ، حيث حرص على إظهار نبرة إيجابية رغم غياب أي اتفاق ملموس حتى الآن.
وفيما وصفت الهند مفاوضاتها مع واشنطن بأنها "بناءة"، بقيت متمسكة برفضها وقف شراء النفط الروسي، وهو شرط رئيسي تطرحه الإدارة الأميركية مقابل تخفيف الرسوم.
ويشير التقرير إلى أن الحلفاء الأوروبيين، الذين فرضوا بالفعل حزمًا متكررة من العقوبات على روسيا، يدرسون توسيع قائمتهم لتشمل شركات صينية وهندية، لكنهم لا يبدون استعدادًا لتبني فكرة "التعريفات الثانوية".
هذا التردد يفتح أمام ترامب مجالًا للمناورة، فهو يلوّح برسوم "قوية جدًا" كما قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه في الوقت نفسه يجد مبررًا لتجنب خوض معركة اقتصادية لا يضمن نتائجها، خاصة إذا لم يواكبه الأوروبيون بالخطوات نفسها.
وبهذا، ترى بلومبيرغ أن سياسة "التعريفات الثانوية" تبقى أقرب إلى ورقة ضغط تفاوضية أكثر منها أداة عملية قابلة للتنفيذ في ظل تعقيدات المصالح وتشابك الحسابات الدولية.