مع بقاء أقل من شهرين فقط على الموعد الذي يُلزم فيه القانون الحكومة بتقديم مشروع ميزانية 2026، تكشف المعطيات -التي استعرضتها صحيفة كالكاليست في تقرير لها- عن أن الحكومة لم تبدأ عمليا أي عمل جدي في هذا الاتجاه.
وفي حين يُفترض أن تكون المفاوضات الداخلية جارية بكثافة، فإن غياب التخطيط المسبق، والتأجيل في تعيين مسؤول جديد عن قسم الميزانيات، ورفض الأحزاب الحريدية دعم التوسعة المقترحة لميزانية 2025، كلها مؤشرات على أزمة متصاعدة.
وتوضح كالكاليست أن موظفي وزارة المالية صاغوا بعض الرؤى المتعلقة بالإصلاحات الهيكلية ومعدل العجز المستهدف، وعقدوا لقاءات محدودة مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ، غير أن أي نقاش جوهري لم يتم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو .
وأكدت للصحيفة مصادر مطلعة على آليات إعداد الميزانية أن "ميزانية الدولة لا تتبلور إلا بعد الاجتماع المبدئي بين وزير المالية ورئيس الحكومة، لأنه فقط بعد الحصول على دعم رئيس الوزراء يمكن إقناع باقي الوزراء بالالتفاف حول الخطة".
وحتى هذه اللحظة، لم يُعقد أي اجتماع من هذا النوع، ووفق الصحيفة، فإن هذه الثغرة تعني أن الحكومة لن تتمكن من تقديم الميزانية للكنيست قبل 31 أكتوبر/تشرين الأول كما يفرض القانون، لأن مجرد إقرارها في الحكومة يستغرق شهرين إضافيين من العمل الداخلي، ثم شهرين آخرين على الأقل لصياغة التشريعات وإجراء المداولات في الكنيست واللجان المختصة.
الأزمة -حسب كالكاليست- لا تقتصر على غياب التنسيق السياسي، بل تمتد إلى غياب القيادة الإدارية داخل وزارة المالية نفسها، فمنذ أسبوعين يعمل القسم المركزي للتخطيط المالي من دون مدير بعد مغادرة يوغيف غرادوس.
ورغم أن سموتريتش أعلن عن اختيار ماهران بروزنفر قبل 5 أسابيع من رحيل غرادوس، فإن تضارب المصالح المرتبط بشركة كان قد أسسها مع مسؤول سابق آخر أوقف مسار التعيين.
وكشفت الصحيفة عن أن وزارة العدل أجرت مفاوضات مطولة مع بروزنفر حول كيفية حل تضارب المصالح، كما كشفت عن أن التسوية لم تُحسم إلا مؤخرا، لتنتقل القضية الآن إلى لجنة التعيينات التي ستقرر إذا ما كان بالإمكان المصادقة على شغله المنصب.
وأوضحت كالكاليست أن الجدل تركز حول شركة استشارية شارك فيها بروزنفر مع المسؤول السابق عن الرواتب في وزارة المالية، كوفي بار نتان، وأن هذه الشركة كانت تقدم خدمات تفاوضية في قضايا الأجور، مما أثار شكوكا حول نزاهة موقعه الجديد.
وبالتوازي مع هذه الإخفاقات، تواجه الحكومة مأزقا إضافيا في تمرير التوسعة التي قررتها لميزانية 2025، والتي تبلغ 30.8 مليار شيكل ( نحو 9.13 مليارات دولار) مع رفع سقف العجز بنسبة 0.5% من الناتج.
والتوسعة مرتبطة بالعمليات العسكرية في إيران و"عربات جدعون" في غزة، لكن كالكاليست انتقدت الحكومة قائلة إن هذه العمليات كانت معروفة عند إعداد الميزانية، مما يكشف عن "تخطيط غير دقيق من وزارة المالية واعتماد وزارة الدفاع على إنفاق يتجاوز التقديرات".
وبررت الحكومة قرارها بعبارات عامة مثل: "استمرار العمليات العسكرية بوتيرة أعلى من المتوقع، وتزايد متطلبات وزارة الدفاع، وتعزيزات عسكرية لم تكن مخططة مسبقا، إضافة إلى استجابة لضحايا الأعمال العدائية".
لكن الصحيفة شددت على أن هذه التبريرات تعني ببساطة أن سوء التقدير والارتجال كانا وراء التضخم في الإنفاق.
العقبة الكبرى أمام تمرير التوسعة تأتي من داخل الائتلاف نفسه، فقد قال رئيس حزب "ديغل هتوراه" موشيه غفني، في بيان صحفي: "بسبب خرق التفاهمات المالية، أوصى كبار الحاخامات بالتصويت ضد أي مقترح ميزانية تقدمه الحكومة".
وحسب كالكاليست، فإن اعتراض غفني يتركز على بند مالي حساس، إذ قررت الحكومة استخدام 590 مليون شيكل (نحو 175 مليون دولار) كانت مخصصة لبرنامج "أوفِق حاداش" لدفع رواتب معلمي المدارس الحريدية غير الرسمية، وهو بند ظل مجمدا بفعل عقبات قضائية وتنظيمية.
وأوضحت الصحيفة أن سموتريتش كان في السابق يتجنب المساس بهذه الأموال ويعوضها عبر اقتطاعات من وزارات أخرى، لكنه قرر هذا العام اقتطاع 481 مليون شيكل (نحو 142.64 مليون دولار) منها، باعتبار أن احتمالات الإفراج عنها ضئيلة. وقد أشعل هذا القرار غضب غفني، الذي يسعى الآن للحصول على بدائل مالية جديدة لمؤسساته التعليمية.
في المقابل، ربطت حركة "أغودات يسرائيل" دعمها للتوسعة بتمرير قانون يعفي أبناء المجتمع الحريدي من الخدمة العسكرية، معتبرة أن "حصر النقاش في المال فقط يشوّه صورة الأحزاب الحريدية ، ويعزز الانطباع أن كل شيء قابل للبيع مقابل ميزانيات".
أما حزب "شاس" الحريدي الشرقي، و"ديغل هتوراه"، فيبدوان أكثر استعدادا للتفاوض المالي، مما قد يسمح بتمرير التوسعة في النهاية. ومع ذلك، ترى كالكاليست أن هذه المساومات تكشف ضعف الحكومة واعتمادها على "ابتزاز سياسي مكشوف".
وخلصت الصحيفة إلى أن المواطنين الإسرائيليين اعتادوا خلال السنوات الأخيرة "تراجعا متواصلا في جودة حياتهم وإدارة حكومية فاشلة"، وأن الفشل الحالي في إعداد الميزانية ليس مفاجئا. بل إن بعضهم، بحسب كالكاليست، "يأمل في انهيار الحكومة ويجد في عجزها عن تمرير الميزانية سببا للارتياح".
وفي المحصلة، فإن التخبط المالي، وسوء التقدير العسكري، والخلافات داخل الائتلاف مع الأحزاب الحريدية، كلها تعكس صورة قاتمة عن قدرة الحكومة على إدارة شؤون الدولة، حتى في أبسط مهامها المتمثلة في التخطيط المالي المنظم.