في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الجزائر- تواصل الجزائر إعادة رسم موقعها ضمن خارطة العلاقات الدولية، مدفوعةً برؤية تقوم على تنويع الشراكات الإستراتيجية والانفتاح على القوى الاقتصادية الناشئة، وفي مقدّمتها رابطة دول جنوب شرقي آسيا ( آسيان ) التي انضمت إليها أخيرا.
وجاء إعلان انضمام الجزائر رسميًا إلى معاهدة الصداقة والتعاون مع آسيان على هامش افتتاح الدورة 58 لاجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرقي آسيا، ليجسّد خطوة دبلوماسية جديدة لتعزيز حضورها في الفضاءات الإقليمية الدولية البارزة.
وقال وزير الخارجية الجزائر، أحمد عطاف: "هذا اليوم يُمثل علامة فارقة في علاقات الجزائر برابطة دول جنوب شرقي آسيا، كيف لا، ونحن نتشرف بالانضمام إلى أسرة ترى في آسيان مثالاً يُحتذى به ونموذجاً يُستلهم منه في جميع أنحاء العالم".
وفي كلمة ألقاها بالمناسبة أشاد عطاف، بجهود ماليزيا في تنظيم هذا الحدث، مثمّنًا الدعم الذي حظيت به الجزائر من جميع الدول الأعضاء في الرابطة، وقال إن قرار الانضمام استند إلى 3 دوافع رئيسية أولها: "الإعجاب والتقدير العميقان لمسيرة آسيان، وما أثبتته من قدرة على تعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق الاستقرار والرخاء المشترك، كون "آسيان" تمثل نموذجاً يُلهم جهود التكامل في العالم، وخاصة في قارتنا الأفريقية".
وأبدى عطاف رغبة في تعزيز علاقات الجزائر بدول الرابطة، وإضافة بعد جماعي جديد إلى هذه العلاقات بالانخراط في الكتلة ككيان موحّد فاعل ومؤثر على الساحة الدولية.
يرى أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة وهران 2، حاكمي بوحفص، أن انضمام الجزائر إلى رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) يُعبّر عن رؤية جديدة للسياسة الاقتصادية الخارجية الجزائرية، قوامها تنويع الشركاء وتوسيع الأسواق والانخراط الفعّال في التكتلات الاقتصادية الصاعدة.
ويُوضح بوحفص للجزيرة نت، أن الجزائر منذ طرحها ملف الانضمام إلى مجموعة بريكس، تبنّت توجهًا قائمًا على البحث عن شراكات قائمة على الإنصاف والعدالة المتكافئة، مشيرًا إلى أن آسيان تتيح فرص أكبر للجزائر، بحكم كونها أحدَ أسرع مناطق النمو في العالم، وواحدة من أبرز القوى التجارية الناشئة.
ويُضيف أن الجزائر تسعى من هذا الانفتاح إلى تقوية موقعها داخل النظام التجاري العالمي، بتنويع الأسواق والشركاء، ما يُقلّل من درجة تعرضها للصدمات والأزمات الاقتصادية، كما يسمح لها هذا الانخراط بالانضمام إلى سلاسل التوريد العالمية التي تقودها بلدان شرق آسيا، المعروفة سابقًا بـ"معجزات آسيا".
أما عن توقيت الخطوة، فيعتبره بوحفص بالغ الأهمية، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة في السياسات التجارية الدولية، ورفع الرسوم الجمركية على بعض صادرات الجزائر إلى الأسواق الأميركية وإن كانت ضئيلة نسبيا، ما يفرض على الجزائر التحرك لإيجاد بدائل وشراكات تجارية أكثر عدالة وتوازناً.
ولا يرى بوحفص، أن الشراكة مع آسيان تمثل "بديلًا" من مجموعة بريكس ، بقدر ما تعبّر عن رغبة جزائرية في تنويع أوراقها الاقتصادية والدبلوماسية، من الانضمام إلى تكتلات متعددة، واستغلال موقعها الجيوسياسي من أجل توسيع خياراتها التفاوضية والتجارية.
من جهته يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، فارس هباش، أن الشراكة مع دول آسيان تمنح الجزائر مكاسب أولها، تنويع الأسواق، إذ تعتمد الجزائر حاليًا بشكل مفرط على السوق الأوروبية كمشتر رئيسي لصادراتها، خاصة النفط والغاز، كما يتيح الانفتاح على دول آسيان دخول أسواق جديدة وتعزيز صادرات جزائرية خارج قطاع الطاقة.
ويقول هباش للجزيرة نت: يُمكن لهذه الشراكة أن تُسهم في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، خصوصًا من دول معروفة بحضورها الاستثماري العالمي، مثل سنغافورة وماليزيا.
ويُرجّح هباش أن تنظر هذه الدول إلى الجزائر كبوابة للولوج إلى السوق الأفريقية، لا سيما في ظل دخول اتفاق منطقة التجارة الحرة القارية حيّز التنفيذ، إلى جانب نقل الخبرات الصناعية والرقمية مع تعزيز التكامل اللوجيستي بفضل الموقع الجغرافي للجزائر.
وعن مدى امتلاك الجزائر للأدوات الاقتصادية الكافية لتفعيل هذه الشراكة، يؤكد هباش، أن البلاد تمتلك فعلا العديد من المقومات، أبرزها سوق داخلية كبيرة تتجاوز 45 مليون نسمة، وموارد طبيعية كبيرة، ومصادر طاقة رخيصة، إلى جانب وفرة اليد العاملة.
وعن حجم المبادلات التجارية الحالية بين الجزائر ودول آسيان، يكشف الخبير أنها لا تزال دون الطموحات، إذ لا تتجاوز 1.5 مليار دولار سنويًا، حسب تقديرات 2023.
وتشمل الواردات الجزائرية من دول آسيان بشكل رئيسي زيت النخيل، والأجهزة الإلكترونية، والمواد البلاستيكية، والمنتجات الغذائية المصنعة، بينما تقتصر الصادرات الجزائرية على الغاز الطبيعي ومشتقاته، الفوسفات، وبعض المواد الأولية.
أما القطاعات الجزائرية الأكثر قدرة على الاستفادة من هذه الشراكة، فتشمل الصناعات الغذائية، والفوسفات والأسمدة، ومواد البناء، والطاقة، والخدمات اللوجيستية، والسياحة.
يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، أن الجزائر تخطو بثبات نحو شراكة إستراتيجية مع رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، في إطار مساعيها لتنويع شركائها الاقتصاديين والتجاريين، غير أن هذه الشراكة الواعدة، لا تزال تصطدم بعدة عقبات، أبرزها ضرورة ضبط الإطار القانوني الناظم للتجارة الخارجية، بما يسمح بمواءمة مع متطلبات الانخراط الفعلي في أسواق آسيان، خاصة فيما يتعلق بتبسيط الإجراءات وتحفيز الاستثمارات.
ويؤكد سليماني للجزيرة نت، أن البنية التحتية اللوجيستية والتجارية لا تزال أحد أضعف الحلقات، وهي ما تعيق توسيع المبادلات مع دول آسيان.
فالمنتجات الزراعية والتحويلية والغذائية الجزائرية -يضيف المتحدث ذاته- تُنتج بكثافة في ولايات الجنوب مثل وادي سوف وبسكرة وأدرار، ما يتطلب بنى تحتية وفتح خطوط مباشرة مع دول آسيان.
ويرى الخبير أن تحويل الشراكة من خطوة رمزية إلى مكاسب ملموسة يتطلب جهدًا مضاعفا، مؤكدا أن القطاع الخاص مدعوّ للانخراط الفعلي في مشاريع إنتاجية وشراكات مع نظرائه الآسيويين، في مجالات التصنيع والخدمات والابتكار.
وفي ظل المنافسة الإقليمية، يرى سليماني، أن الجزائر تمتلك فرصة حقيقية للتموضع داخل هذا التكتل الاقتصادي الصاعد، فموقعها الجيو-إستراتيجي يتيح لها أن تتحول إلى منصة عبور للمنتجات والخدمات بين آسيا وأوروبا وأفريقيا ، ما يمنح منتجات آسيان منفذًا متعدد الاتجاهات.
ويضيف أن الشراكة بين الجزائر وآسيان يمكن أن تُفضي إلى بناء نموذج اقتصادي أكثر تنوعًا وانفتاحًا، يرتكز على التصنيع ونقل التكنولوجيا والمعرفة ، فضلًا عن إمكانية التعاون مع البنوك والمصارف الآسيوية لتمويل المشاريع والاستثمارات في الجزائر، وتعزيز التجارة البينية على أسس مستدامة ومربحة للطرفين.