وجّه الكاتب الإسرائيلي المتخصص بالاقتصاد أدرين فيلوت في تحليل اقتصادي حديث نشر في صحيفة كالكاليست الاقتصادية المتخصصة نقدا لاذعا للسياسات المالية التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية، مؤكدا أن إسرائيل لم تعد تواجه حالات طوارئ استثنائية، بل باتت تعيش في نمط دائم من الطوارئ الاقتصادية تديره حكومات تفتقر إلى الانضباط المالي وتمعن في توسيع العجز دون رؤية إستراتيجية أو وعي بالعواقب.
ويشير الكاتب إلى أن العقلية السائدة في الإدارة الاقتصادية للدولة تقوم على استخدام كل أزمة -سواء حرب، جائحة، أو كارثة- ذريعة لزيادة النفقات وتوسيع الدين العام وفتح أبواب العجز بلا حدود.
لكن هذه "العقيدة المالية" -كما سماها الكاتب- لم تعد فقط مكلفة، بل باتت تهدد الأساس الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
وبحسب التحليل، تتبع الحكومة الإسرائيلية نمطا من الإنفاق لا يتماشى مع إمكانيات الدولة، وتصر على استخدام القروض لتغطية النفقات الجارية بدلا من ربط هذه النفقات بالإيرادات الفعلية.
وهذا ما دفع يهلي روتنبرغ المحاسب العام في وزارة المالية إلى التحذير بداية الأسبوع من خطورة هذا المسار، مؤكدا ضرورة ألا يتجاوز العجز في موازنة 2025 نسبة 4%.
لكنه -كما تقول كالكاليست- قال الشيء ذاته العام الماضي، ولم تلقَ تصريحاته أي اهتمام، مما يجعل تحذيراته هذا العام -كما في السابق- بلا أثر يذكر.
ويرى فيلوت أن مجرد المطالبة بسقف عجز لا يكفي، بل يجب فرض قواعد مالية جديدة ملزمة تبدأ بما يُعرف بـ"العجز الأولي الصفري"، أي أن الحكومة لا يجوز لها أن تنفق أكثر مما تجبيه من إيرادات، باستثناء الفوائد على الديون القائمة.
وبهذا تُجبر الحكومة على مواجهة قراراتها، فإن أرادت توسيع الإنفاق فإن عليها أن ترفع الضرائب أو تخفض الإنفاق في مجالات أخرى.
ورغم التحذيرات المتكررة من كبار المسؤولين الماليين فإن الحكومة الإسرائيلية لا تزال ماضية في توسيع العجز دون ضبط، مما أدى إلى تضخم الدين العام بشكل مقلق.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة بدأت خدمة الدين تستنزف جزءا متزايدا من الموازنة، مهددة بتقليص القدرة على تمويل الخدمات الأساسية والاستثمارات الحيوية، ويمكن توضيحها كما يلي:
إسرائيل -كما يقول الكاتب- لا تعاني فقط من اختلال مالي، بل أيضا من عدم استقرار سياسي مزمن، حيث شهدت البلاد 3 حكومات مختلفة خلال 6 سنوات فقط، وكل حكومة جديدة ترث عجز من سابقتها، وتُضطر إلى التعامل مع التزامات لم تكن جزءا من قرارها.
لكن الأسوأ أن هذا الإرث لا يقابله أبدا استعداد للقطع مع الماضي أو تبنّي قواعد انضباط مالي، وفي نهاية المطاف الفائدة تُدفع والدين يتراكم، ولا أحد يتحمل المسؤولية الحقيقية.
والنتيجة -كما تقول الصحيفة- أن الحكومة لا تملك المرونة لإعادة تخصيص الموارد أو تقليص النفقات، لأنها لا تستطيع التوقف عن دفع الفوائد، وهو ما يهدد باستنزاف تدريجي للميزانية، ويقوض قدرة الدولة على الاستثمار في البنى التحتية أو التعليم أو الصحة.
ويشير الكاتب إلى أن إسرائيل باتت تعتمد بشكل منهجي على مفهوم "الحالة الطارئة" كمبرر دائم للإنفاق غير الممول، لكن الأسواق لم تعد تتقبل هذا التبرير، وبدأت تعيد تقييم الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي كما ظهر في مؤشرات سوق السندات والعملات.
والفرصة -كما يختم فيلوت- لا تزال قائمة لتعديل هذا المسار، لكن الباب يضيق بسرعة، إسرائيل بحاجة عاجلة إلى اعتماد قاعدة "العجز الأولي الصفري"، وهو مبدأ معمول به في العديد من الدول الأوروبية، وهذا يعني أن على الحكومة أن تتوقف عن تمويل أي نفقات جديدة من خلال الدين، وأن تربط كل بند إنفاق بإيراد حقيقي.
وإذا لم تُعد صياغة السياسة المالية من الجذور فالحرب الحالية بكل تكاليفها لن تكون مجرد تهديد أمني، بل بداية لانهيار اقتصادي تدريجي صامت، لكنه قاتل، وحينها -كما تحذر صحيفة كالكاليست- لن تكون هناك أزمة يمكن تبريرها، بل فشل بنيوي ستكون تكلفته الأجيال المقبلة.