"في البداية، كان يجتاحني شعور بأن تأليف كتاب، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، هو أمٌر فَظٌّ، خاصةً في ظل احتجاز الرهائن هناك، بعيدًا عن عائلاتهم في إسرائيل ، وتواصل الدمار في غزة ، بحسب ما تقول الكاتبة الإسرائيلية أييلِت غوندار غوشِن، والتي تضيف: "ثم تمنح نفسك ميزة الهروب إلى عالم مختلف تصنعه بكلماتك الخاصة - وشعرتُ أن هذا شيئ خاطئٌ".
لكن أييلِت غوندار غوشِن غيّرت رأيها هذا وتخلصت من تأنيب ضميرها وذلك عندما دعا مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية إلى مقاطعة الكتب والأفلام التي تُصوّر الفلسطينيين بطريقة إنسانية". وتقول: "هنا فكرت أنَّ هؤلاء الفاشيين يخافون الكلمات. وبما أنَّهم يعتقدون حقًا أنَّ الكلمات يمكنها تغيير شيء ما، فيمكن استخدام الكلمات كسلاح. ليس من أجل الهروب من الواقع، بل على العكس تمامًا: كوسيلة لمواجهة الواقع".
وهكذا استأنفت أييلِت غوندار غوشِن العمل في روايتها الأخيرة التي كانت بدأتها قبل وقت طويل بعنوان "ضيوف غير مدعوين" (Ungebetene Gäste)، ونُشرت هذا الصيف باللغة الألمانية أيضًا.
في الرواية، يرمي طفل إسرائيلي صغير مطرقة من الشرفة، ما يسفر عن مقتل مراهق. ويتم اعتقال عامل فلسطيني كان يعمل في الشرفة. وتبقى والدة الطفل الصغير صامتة. وتبدأ مأساة من الشعور بالذنب والقمع والانتقام ــ وهي بمثابة رسم بياني نفسي للمجتمع الإسرائيلي، الذي ترى غوندار غوشن أنه محاصر في نظام مُمِيت من الخوف من "الآخر".
رواية أييلِت غوندار غوشِن الجديدة "ضيوف غير مدعوين" تستكشف الهوة بين الإسرائيليين والفلسطينيينصورة من: Kein & Aber Verlagأييلِت غوندار غوشِن ليست كاتبة فقط، بل هي معالجة نفسية أيضًا. وتَتَبَّعُ في روايتها آليات خفية تكتشفها في نفسها أيضًا. وكأم لطفل رضيع كان لديها قبل بضع سنين عامل فلسطيني في منزلها. وفجأة ذكرت الأخبار قتل عامل فلسطيني لصاحب عمله الإسرائيلي. تقول: "امتلأ المكان على الفور بالخوف، صار يعج برائحة الخوف. ثم لاحظت بسرعة أنَّه كان خائفًا مني تمامًا كما كنت خائفة منه. لأنَّه يعلم أنَّني أستطيع الاتصال بالشرطة الإسرائيلية لأنني لا أشعر بالأمان، وسيأخذونه معهم خلال دقيقتين".
وروايتها "ضيوف غير مدعوين" تسلط الضوء على آليات نفسية خفية تحدد حياة الفلسطينيين والإسرائيليين اليومية. وتقول غوندار غوشن إنّك "عندما تعتبر نفسك ضحية؛ تصير مستعدًا لأن تصبح معتديًا".
وفي ذلك تؤثر وجهة نظر المعالجة النفسية على وجهة نظر الكاتبة، بمعنى ألّا تحكم على الناس وإنما أن تفهم أسباب تصرفاتهم. "أفكر في مدى صعوبة أن يعترف الناس بصدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر المروعة، والتي لا يمكن أن يوجد لها مبرر. وأن يعترفوا في الوقت نفسه بالصدمة المروعة التي ترتكب الآن بحق الفلسطينيين ، بينما تستمر صدمة عائلات الرهائن . يبدو الأمر كما لو أنه لابد من محو أحد الجانبين، حتى يصمدَ الناسُ".
امرأة فلسطينية وأطفال أثناء هروبهم من حي أبو إسكندر في مدينة غزة (22.08.2025)صورة من: Bashar Taleb/AFP/Getty Imagesوأييلِت غوندار غوشِن تقف وحيدة إلى حد كبير في تعاطفها مع كلا الجانبين. وأصوات مثل صوتها تغرق في ضجيج نقاش عالمي مشحون أيديولوجيًا، ويتم خوضه أحيانًا بالعنف، ولكن قبل كل شيء بالمظاهرات، واعترافات قسرية ذات دوافع سياسية، ورفض الفنانين والمثقفين والموسيقيين من كلا الجانبين. وفي إسرائيل نفسها لا يتمتع التأمل الذاتي النقدي، كما تمارسه وأييلِت غوندار، بأية فرصة تقريبًا. وهذا يزيد من أهميته.
"أحاول أن أرى نقاطي العمياء وأن أستكشفها. وكثيرًا ما أُلاحظ أنَّها نقاط عمياء عالمية. وإذا لم نمر بهذه اللحظة المؤلمة التي ننظر فيها إلى أنفسنا في المرآة بصدق، فلن نتمكن أبدًا من تغيير أي شيء".
وبحسب رأيها، يجب أن يتغيّر الكثير. ومن أجل ذلك تخرج للتظاهر بانتظام ضد حكومة بنيامين نتنياهو ومن أجل عودة الرهائن ومن أجل إنهاء الحرب.
والكتابة أيضًا يمكن أن تكون بالنسبة لها شكلًا من أشكال المقاومة. بيد أنَّها تولي أهمية كبيرة لعدم اقتصار المقاومة على الأدب وحده. "يجب عليك الجمع بين الأمرين: السير بقدميك في الشارع ويجب أن تصرخ في الشارع وأن تكتب بيديك. والجسد كله يجب أن يشارك هنا!"
بصوت عالٍ في الشوارع: أقارب الرهائن الإسرائيليين يطالبون بالإفراج عنهم ووقف إطلاق النار في حرب غزة (تل أبيب، 26.08.2025)صورة من: Jack Guez/AFP/Getty Imagesوأييلِت غوندار غوشِن لا تتخلى عن الأمل في التغيير والتفاهم. وتقول إنَّها غير متشائمة لأنَّها تفكر وتنظر إلى التاريخ: "أنظر إلى حقيقة أنَّنا نتحدث الآن هنا في برلين . ولو أخبرت أجدادي قبل سنين أنَّني سأجلس هنا أتحدث مع صحفية ألمانية، لما صدقوا ذلك. الأمور يمكن أن تتغير عبر التاريخ. إما للأسوأ أو حتى للأفضل أيضًا".
أعده للعربية: رائد الباش/ تحرير: صلاح شرارة