آخر الأخبار

المناخ: لحم الغزال البري يعتبر صديقاً للبيئة في بعض الأماكن. فما القصة؟

شارك
مصدر الصورة

في دول مثل اسكتلندا، حيث تنخفض أعداد الغزلان بسبب صيدها، فتناول لحم الغزلان البري يمكن أن يكون خياراً يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية.

كانت آخر وجبة تناولتها من اللحوم قبل سبع سنوات، حين كان والداي يزورانني في لندن قادمين من كوستاريكا، وفي مطعم صغير يُقدّم شرائح اللحم، قضينا تلك الأمسية نتذوق أطباقاً من قائمة الطعام الصغيرة، لكنها كانت في ذات والوقت غنية. بالنسبة لهما، كانت هذه وجبتهما الأخيرة قبل العودة إلى المنزل، أما أنا، فكانت تلك وجبة الوداع لشغفي باللحوم.

منذ ذلك الوقت اتبعت نظاماً غذائياً يعتمد بشكل أساسي على الأطباق النباتية، مع بعض المأكولات البحرية في حالات استثنائية. وبما أنني اتبعت هذا النظام الغذائي بسبب عملي في مجال تغير المناخ، فإنني أختار طعامي بعناية: فإذا كان المنتج الحيواني منخفض الكربون، مثل بلح البحر، فسيكون موجوداً في طبقي بانتظام.

أما اللحوم - الغنية بالكربون - فتدخل إلى نظامي الغذائي في وجبات خاصة، مثل وجبة عيد الميلاد التي تعُدّها والدتي، أو في مناسبات نادرة أخرى أتناول فيها طبقاً مميزاً مثل طبق "تشيفريخو" الكوستاريكي.

ولكل شخص نهجه الخاص تجاه الطعام الصديق للمناخ، ونهجي فهو تقليل الانبعاثات الناتجة عن الطعام، وليس اتباع نظام نباتي مثالي.

ومنذ انتقالي إلى إسكتلندا قبل بضع سنوات، ظهر عامل جديد (لحم الغزلان البرية).

في إسكتلندا أعداد الغزلان خارجة عن السيطرة، إذ تقدر الحكومة الإسكتلندية أن العدد الإجمالي قد يكون نحو مليون رأس، بزيادة عن نصف مليون رأس منذ عام 1990، إذ أصبحت الغزلان تتكاثر بشكل كبير بسبب أن البشر - جزئياً - قضوا على مفترسيها - من الذئاب والوشق - قبل قرون.

نتيجة لذلك تُقتل أعداد من الغزلان سنوياً للسيطرة على تكاثرها. وفي نظامي الغذائي المُراعي للمناخ، كان لحم الغزال يُعتبر صيداً مشروعاً طالما أنه من الغزلان البرية.

لكن هل كان كذلك حقاً؟ كان هذا السؤال يدور في ذهني عندما كنت أتناول العشاء في مطعم هادئ في مالايج في المرتفعات الإسكتلندية، ورأيت شريحة لحم غزال ضمن قائمة الطعام. هل يُمكن حقاً إدراج الغزلان البرية في نظام غذائي مُراعٍ للمناخ؟.

مصدر الصورة

يقول ماثيو موران، أستاذ علم الأحياء في كلية هندريكس بولاية أركنساس الأمريكية: "أعتقد أن الإجابة هنا هي نعم".

شارك موران في دراسة عام 2020 عن إمكانية تخفيض انبعاثات الكربون من خلال صيد الحيوانات البرية في الولايات المتحدة.

وعندما جمع فريق موران عدد الحيوانات التي يتم صيدها في الولايات المتحدة، وجدوا أنها تعادل أكثر من 3 في المئة من إجمالي اللحوم المستهلكة على الصعيد المحلي، وتساءلوا عن مقدار ما يمكن تخفيضه من الانبعاثات المتعلقة باللحوم في البلاد، في حال تمّ استبدال لحوم البقر أو الدجاج الجاهزة، بلحوم الحيوانات التي يتم اصطيادها، والتي تشكل الغزلان 90 في المئة منها، إضافة إلى أصناف أخرى مشابهة لها.

وخلصت الدراسة إلى أن محاولة خفض الانبعاثات عبر صيد الحيوانات البرية، قد يعادل تخفيض عدد 400 ألف سيارة من الطرق كل عام.

ويوضح موران أن "السبب الرئيسي هو أنك عندما تصطاد الغزلان من الطبيعة كمصدر للغذاء، فإن الأثر على الأماكن الطبيعية يكاد يكون معدوماً، على عكس ما يحدث عند تربية اللحوم في المزارع".

وتبدو حجة موران منطقية، لكن الصورة تصبح أكثر تعقيداً عند التعمق في التفاصيل. إذ يمكن أن يكون لحم الغزلان خياراً منخفض الكربون إذا كان من غزلان برية وليس من غزالان يتم تربيتها في مزارع.

وكوجبة، فإن لحم الغزلان البرية قد يترك بصمة كربونية صغيرة، شرط ألا يضطر الصيادون إلى السفر لمسافات طويلة لاصطياده.

تقدير التأثير المناخي

يمكن للحم الغزال أن يكون جزءاً من الأنظمة الغذائية الصديقة للمناخ على المستوى المحلي، إلا أن المسألة تزداد تعقيداً عند النظر إليها على نطاق عالمي.

"المشكلة تكمن في نطاق التطبيق"، تقول هانا ريتشي، نائبة رئيس التحرير والباحثة الرئيسية في منظمة (عالمنا في بيانات-Our World in Data)، وهي منظمة تُسهّل الوصول إلى البيانات العلمية وفهمها، وباحثة في التنمية العالمية في جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة.

نعم، قد يكون تناول لحم الغزال البري خياراً معقولاً، ومنخفض الكربون لنسبة صغيرة من سكان المملكة المتحدة، لكن هذه الأرقام لا تنطبق على شريحة كبيرة من الناس، كما تقول.

لاستكشاف هذا السؤال، بدأتُ بسؤال أبسط: كيف يُمكن للمرء أن يعرف ما إذا كان الطعام الذي يتناوله يُساهم في تغير المناخ؟

يُعد لحم البقر مثالاً جيداً على الأغذية عالية الكربون، إذ تبلغ انبعاثات المواشي التي يتمّ تربيتها للاستفادة من لحومها نحو 5 في المئة من الانبعاثات العالمية.

وعندما تُزال الغابات لتحل مكانها حقول الرعي ومحاصيل علف الحيوانات، فإنها تُطلق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وعندما تهضم الأبقار الطعام، تُنتج بشكل طبيعي كميات كبيرة من الميثان، وهو غاز دفيء قوي. ثم هناك الوقود المستخدم لنقل الماشية إلى الحقول والمسالخ، والطاقة المستخدمة في مرافق البيع بالتجزئة والتخزين، وجميع المواد الأخرى المشاركة في هذه العملية.

وإذا ما تمّ حساب جميع انبعاثات الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري المرتبطة بلحوم البقر، وقُسّم الناتج على عدد قطع البرغر التي يمكن إنتاجها، يمكن أن نحصل على البصمة الكربونية لكل قطعة برغر.

يشار إلى أنه من أجل إنتاج 100 غرام من البروتين من لحم البقر (غالياً ما يستخدم العلماء البروتين كمقياس لمقارنة الأطعمة المختلفة)، يتمّ إطلاق 25 كغم في المتوسط، من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2e).

وينجم عن إنتاج نفس الكمية من البروتين من البازلاء 0.4 كغم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.

ويُطلق التوفو[منتج نباتي بديل عن اللحوم] 1.6 كغم، والدجاج 4.3 كغم، ولحم الخنزير 6.5 كغم من ثاني أكسيد الكربون لكل 100 غرام من البروتين.

ما هو مكافئ ثاني أكسيد الكربون؟

مكافئ ثاني أكسيد الكربون أو CO2e، هو المقياس المستخدم لتقدير انبعاثات مختلف الغازات الدفيئة بناءً على قدرتها على تسخين الغلاف الجوي، أي إمكانيتها في التسبب بالاحتباس الحراري.

يذكر أن الفجوة بين اللحوم ومصادر البروتين غير الحيوانية كبيرة. فكيف تُقارن شريحة لحم الغزال في قائمة مطعم مالايج؟

أولاً، كان عليّ التأكد من أنها لحم غزال بري، وليس لحم غزال تمّت تربيته في مزارع.

الميزة الأساسية في لحوم الغزلان البرية، عند مقارنتها باللحوم المنتَجة في المزارع، هي أنها لا تتطلب تربية أعداد كبيرة من الحيوانات في أماكن ضيقة مثل المخازن أو الحظائر. ومع ذلك، فإن العثور على لحم غزلان من التي يتمّ تربيتها في المزارع ضمن قوائم الطعام في إسكتلندا ليس أمراً نادراً، رغم وجود أعداد وفيرة من الغزلان البرية.

سألتُ النادلة عن هذا، فأخبرتني أن لحم الغزال الذي يقدمونه يأتي من نويدارت، وهي شبه جزيرة برية نائية تقع على الجانب الآخر من بحيرة مالايج. وبعد أن اقتنعت، طلبتُ طبقاً، واتضح أن كون لحم الغزال برياً أم لا هو أول سؤال مهم.

مصدر الصورة

في فبراير/شباط 2024، أصدرت جمعية الغزلان الإسكتلندية تقريراً لتقدير البصمة الكربونية للحوم الغزلان البرية في البلاد. تتبع الباحثون عوامل مثل الوقود المستخدم في المركبات التي يقودها مربو الغزلان والصيادون، والطاقة المستخدمة في منشأة المعالجة، والميثان الذي تطلقه الغزلان نفسها.

والغزلان حيوانات مجترة، تماماً مثل الأبقار والأغنام والماعز، أي أن لديها أكثر من حجرة معدة واحدة، وتطلق غاز الميثان عند هضم طعامها.

والميثان غاز قوي للغاية، ورغم قصر مدة بقائه في الغلاف الجوي، إلا أن تأثيره على الاحتباس الحراري أعلى بـ 84 مرة من ثاني أكسيد الكربون (CO2) على مدى 20 عاماً.

وبحسب تقرير جمعية الغزلان الإسكتلندية، فإن إنتاج 100 غرام من البروتين من لحم الغزلان البري يُنتج 11.9 كغم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. ورغم أن هذه الطريقة تختلف عن الدراسة التي قارنت مصادر البروتين المختلفة، إلا أنها تُعطي تقديراً تقريبياً أقل من لحم البقر ولكن أعلى من الدجاج ولحم الخنزير، أي أنها ليست وجبة صديقة للمناخ على الإطلاق.

ولكن هناك تحذير مهم، فأكثر من 90 في المئة من هذه البصمة البيئية تأتي من الغزلان نفسها. وهذا يفتح نقاشاً بين الخبراء الذين يحسبون انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

يقول كريستوفر هيرست، الأكاديمي في جامعة إدنبرة، وكتب تقريراً عام 2021 عن الغزلان البرية وعزل الكربون في إسكتلندا، وخلص إلى ضرورة خفض كثافة الغزلان لتحقيق أهداف المناخ: "هناك سؤال جوهري يتعلق بحساب انبعاثات الكربون، ستبقى الغزلان البرية موجودة وتنتج غاز الميثان بغض النظر عما إذا كان يتم صيدها من أجل لحمها أم لا، فهل يجب أن يُحتسب ذلك؟"

وفي دراسة منفصلة في شمال إيطاليا، وجد باحثون حللوا بيانات الصيد المرخص، أن احتساب الميثان الناتج عن الغزلان يجعل البصمة الكربونية للحم الغزال تتضخم – لتتجاوز أحياناً حتى بصمة لحم البقر في بعض الحالات.

وهنا السؤال الدقيق المتعلق ببصمة الكربون للغزال: هل يجب احتساب الميثان الناتج عن الغزلان البرية في برغر لحم الغزال؟

إذا كان برغر لحم بقر، فالإجابة ستكون نعم بشكل قاطع. فالبقرة تم تربيتها خصيصاً للاستهلاك البشري، وبالتالي فإن الميثان الذي تنتجه (وهو الجزء الأكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة للبقرة) لا يمكن فصله عن البرغر.

أما فيما يتعلق بلحم الغزال، يوضح هيرست وآخرون أن السبب "وراء صيد هذه الأعداد الكبيرة من الغزلان البرية ليس لإنتاج اللحم"، ففي إسكتلندا على سبيل المثال، حيث يصل عدد الغزلان إلى مليون غزال، فإن غالبية لحوم الغزلان البرية تأتي من برامج الصيد التي تجري في المساحات الخضراء الإسكتلندية، لحمايتها من الرعي المفرط.

يقول هيرست، الذي يعمل حالياً على رسالة دكتوراة تركز على الغزلان وإدارة الغابات في جامعة إدنبرة: "ستظل هذه الغزلان موجودة - وينبعث منها غاز الميثان - بغض النظر عما إذا ذُبحت أو استخدمت لحومها لاحقاً كغذاء".

مصدر الصورة

يعترف خبراء مثل هيرست بأن هذه الفكرة يمكن انتقادها، لأن أعداد الغزلان في اسكتلندا (وفي أماكن أخرى حيث تستدعي عمليات التقليل منها) ليست طبيعية، إذ تعكس كيف تخلص البشر من الحيوانات المفترسة، وغيّروا بيئتها، وكثيراً ما يقاومون جهود السيطرة على أعدادها.

ولكن في الأماكن التي تُجرى فيها عمليات الصيد، ويتوفر فيها لحم الغزلان، أليس من المنطقي استخدامه؟ إذا افترضنا عدم احتساب غاز الميثان الناتج عن الغزلان، فسيكون تأثير لحم الغزال الإسكتلندي على المناخ أقل بكثير من تأثير لحم البقر، وأقل من تأثير لحم الدجاج ولحم الخنزير. ووفقاً للدراسة الإيطالية، يُعدّ لحم الغزلان خياراً أكثر استدامة من لحم البقر، ولكنه ليس صديقاً للمناخ تماماً مثل الدجاج ولحم الخنزير.

وبمجرد تحديد ما إذا كانت الغزلان برية أم لا، يجب أن ننتقل إلى الصيادين. ففي كلا الدراستين الإيطالية والإسكتلندية، جاء نحو 90 في المئة من الانبعاثات غير الميثانية من البنزين المستخدم من الصيادين والعاملين في هذا القطاع.

ويبدو أن الصيادين هم من يملكون مفتاح جعل شريحة لحم الغزال منخفضة الكربون أم لا.

"إذا سافرت مسافة طويلة للصيد، فمن المحتمل أن تضيع أي وفرة في الغازات المسببة للاحتباس الحراري في ما تنتجه مركبة السفر"، وفق مورن.

وحالياً آمل بأن تكون شريحة اللحم التي تناولتها جاءت من صياد يعيش بالقرب من مالايج أو كنويدارت، وآمل أنه كان بارعاً في عمله، والسبب تفسره دراسة إيطالية.

كان الباحثون في هذه الدراسة دقيقين للغاية، وأحصوا جميع الصيادين لموسم 2015 (كان عددهم 168) وسجلوا عدد الغزلان التي تمكنوا من اصطيادها، وبلغ عددها 140 غزالاً أحمر.

ووفقاً لهذه الدراسة، عاد 71 صياداً (قطعوا في المتوسط 818 كيلومتراً أو 508 أميال) إلى ديارهم خاليي الوفاض.

يقول الباحثون الإيطاليون: لو أن هؤلاء الـ 71 شخصاً بقوا في منازلهم، لكان بإمكان الصيادين الـ 97 المتبقين قتل 140 غزالاً أحمر، ولما تحملوا عبء الانبعاثات المرتبطة بالبنزين التي يسببها الصيادون السيئون، ولكانت البصمة الكربونية لكل كيلوغرام من لحم الغزال انخفضت إلى النصف تقريباً.

مصدر الصورة

هل يجب أن نكون أكثر انتقائية بشأن من يحصل على رخصة الصيد لتقليل انبعاثات لحم الغزال؟ أم من الأفضل - كما في حل اقترحته الدراسة - أن نستثمر في تدريب أفضل للصيادين؟

هذا موضوع معقد للغاية، وكما تقول ريتشي: "نحن نفتقد للصورة الأكبر هنا" بالتركيز بشكل دقيق جداً على عدد الانبعاثات المرتبطة بكل غرام من بروتين لحم الغزال.

ريتشِي تشير إلى حقيقة أنه لا يمكن الاكتفاء بلحم الغزلان البرية لإطعام الناس. حتى لو تم صيد كل غزال في اسكتلندا، فلن يؤدي ذلك إلى تلبية احتياجات البلاد من اللحوم. وتؤكد دراسة الحالة الأمريكية أن حصيلة الصيد البري في الولايات المتحدة تشكل 3 في المئة فقط من السعرات الحرارية المستهلكة من اللحوم.

وتوضح ريتشي أن "البصمة الكربونية تكاد تكون مسألة ثانوية، ببساطة لا يمكننا تلبية طلبنا على اللحوم من خلال الحيوانات البرية".

لكن هناك سبب آخر يجعل تناول لحم الغزال مفيداً للمناخ.

لدى العديد من الدول أهداف مناخية تعتمد على امتصاص الأشجار لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عبر التمثيل الضوئي وتخزينه في نفسها وتحت الأرض. ولهذا، ظهرت في العقود الأخيرة العديد من المشاريع لتوسيع وحماية الغابات.

لكن الغزلان حيوانات جائعة ستأكل بسعادة الأشجار الصغيرة والبراعم الجديدة للأشجار القديمة. ففي بعض المناطق الأمريكية ذات الكثافات العالية، تضرر ما يصل إلى 75 في المئة من الشتلات. وفي اسكتلندا، أظهر مسح عام 2013 أن الغزلان تؤثر على 15-20 في المئة من الأشجار الصغيرة.

يقول هيرست، مؤلف التقرير حول تأثير الغزلان البرية على احتجاز الكربون في الغابات الاسكتلندية: "دون التحكم في أعداد الغزلان، لن تحقق الغابات الجديدة أو القائمة، كامل إمكاناتها في احتجاز الكربون".

إن تشجيع استهلاك الطرائد البرية من شأنه أن يلبي رغبات الكثير من الناس في تناول اللحوم، ولكن بطريقة أكثر استدامة – ماثيو موران

هل يجب أن نكون أكثر انتقائية بشأن من يحصل على رخصة الصيد لتقليل انبعاثات لحم الغزال؟ أم من الأفضل كما في حل أكثر مفاجأة اقترحته الدراسة، أن نستثمر في تدريب أفضل للصيادين؟

لكن هذا موضوع معقد للغاية، وكما تقول ريتشي: "نحن نفتقد الصورة الأكبر هنا" بالتركيز بشكل دقيق جداً على عدد الانبعاثات المرتبطة بكل غرام من بروتين لحم الغزال.

وتشير ريتشي إلى حقيقة أنه لا يمكن إطعام الجميع من لحم الغزلان البري، حتى لو تم صيد كل الغزلان من إسكتلندا، إذ أنها لن تلبي احتياجات البلد من اللحوم، وهو ما تؤكده الدراسة الأمريكية، إذ شكلت حصيلة الصيد البري في الولايات المتحدة 3 في المئة فقط من السعرات الحرارية المستهلكة من اللحوم.

وتوضح ريتشي "البصمة الكربونية تكاد تكون مسألة ثانوية، ببساطة لا يمكننا تلبية طلبنا على اللحوم من خلال الحيوانات البرية".

لكن هناك سبب آخر يجعل تناول لحم الغزال مفيداً للمناخ.

لدى العديد من الدول أهداف مناخية تعتمد على امتصاص الأشجار لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عبر التمثيل الضوئي وتخزينه. ولهذا، ظهرت في العقود الأخيرة العديد من المشاريع لتوسيع وحماية الغابات.

لكن الغزلان حيوانات جائعة ستأكل بسعادة الأشجار الصغيرة والبراعم الجديدة للأشجار القديمة. ففي بعض المناطق الأمريكية ذات الكثافات العالية، تضرر ما يصل إلى 75 في المئة من الشتلات. وفي اسكتلندا، أظهر مسح عام 2013 أن الغزلان تؤثر على 15-20 في المئة من الأشجار الصغيرة.

يقول هيرست، مؤلف التقرير حول تأثير الغزلان البرية على احتجاز الكربون في الغابات الإسكتلندية: "دون التحكم في أعداد الغزلان، لن تتمكن الغابات الجديدة أو القائمة من احتجاز الكربون".

لا توجد دراسات تحدد مقدار الغازات الدفيئة التي يمكن إبعادها عن الغلاف الجوي عبر صيد الغزلان في إسكتلندا، لكن العلماء مثل هيرست يتفقون على أن تقليل أعداد الغزلان سيزيد من تخزين الكربون.

وأنفقت هيئة الغابات والأراضي في إسكتلندا 38.8 مليون جنيه إسترليني (نحو 55 مليون دولار) بين 2014 و2019 على إدارة الغزلان. وعلى الرغم من أن جزءاً صغيراً من التعويض جاء من مبيعات لحم الغزال، التي بلغت نحو 9 ملايين جنيه إسترليني (12.1 مليون دولار) في تلك الفترة (وهناك تجار لحم غزال آخرون في البلاد)، إلا أن هذه عملية مكلفة.

ويقول هيرست: "زيادة استهلاك لحم الغزلان من الغزلان البرية في إسكتلندا يمكن أن يكون جزءاً من نهج لدعم الإدارة المستمرة للغزلان في إسكتلندا، سواء لتحقيق أهداف المناخ أو استعادة المناظر الطبيعية".

لكن هناك عوائق أمام المستهلكين لاختيار لحم الغزال، كما يقول هيرست، بما في ذلك السعر، والتوافر، وعادات الطهي. ويجب التغلب على هذه العوائق لجعل لحم الغزال جزءاً منتظماً من النظام الغذائي للناس.

يقول موران: "رأيي الشخصي أن النباتية في الأساس نظام غذائي متخصص، لن يكون شعبياً أبداً بين غالبية الناس. ويبدو أن القضاء على اللحوم غير محتمل بسبب التفضيلات الشخصية. لذا، حجتي هي أن تشجيع استهلاك الحيوانات البرية سيُلبي رغبات كثير من الناس في تناول اللحوم، لكن بطريقة أكثر استدامة".

بالعودة إلى بداية المقال، كنت أتساءل عما إذا كانت شريحة لحم الغزال التي تناولتها قد جاءت من غزال بري؟

طرحت على نفسي ذات السؤال عندما أعدت والدة زوجتي حساء لحم الغزال من شرائح اشترتها في كنويارت، و عندما رأيت لحم الغزال في قائمة تذوق في مطعم راقٍ.

في الماضي، كنت سأكتفي بسؤال النادل: "عذراً، هل هذا لحم غزال بري أم من مزرعة؟" الآن أعلم أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك. لكن في بلد تعج بالغزلان، يبدو أنه مصدر بروتين معقول.

عندما زرت معرض كينروس للماشية، قرب بحيرة ليفين في فايف، قبل بضعة أسابيع، كان هناك كشك يبيع أنواعاً مختلفة من البرغر: لحم بقر، دجاج، ولحم غزال.

سألت النادلة، وكانت واثقة في إجاباتها: "نعم، إنه غزال بري. نعم، تم صيده"، على بعد أقل من 20 ميلاً (32.2 كم) في كوبار. حينها جاء دوري لأقول نعم، كان برغر لحم الغزال لذيذاً جداً.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار