شفق نيوز- واشنطن/ مصطفى هاشم
حذر خبير الطاقة الأميركي بول سوليفان، يوم الخميس، من أن التوسع في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي داخل الشرق الأوسط، ولا سيما العراق، يواجه تحديات كبيرة تتعلق باستقرار منظومات الكهرباء والبنى التحتية، مؤكداً أن غياب الكهرباء الموثوقة يجعل تشغيل هذه المراكز "شبه مستحيل" في بعض المناطق، رغم الفرص الاقتصادية الضخمة التي يمكن أن توفرها هذه التكنولوجيا للدول الغنية بالموارد.
وقال سوليفان في حوار مع وكالة شفق نيوز، إنه "في كثير من مناطق العالم، هذا المستوى من الكهرباء لا يوجد، إذا حاولت بناء مراكز بيانات في بعض مناطق العراق، ببساطة لن تعمل بشكل صحيح".
وأوضح سوليفان وهو أستاذ أمن الطاقة في جامعة جونز هوبكنز، أن "مراكز البيانات تواجه ارتفاعات وانخفاضات هائلة في استهلاك الكهرباء خلال اليوم، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على شبكات الكهرباء، خاصة في الدول التي لم تطوّر بنيتها التحتية لتلبية هذه الاحتياجات".
وأضاف: "بالنسبة للغاز، كما في قطر، فإن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي ستحتاج إلى كميات كبيرة منه"، مبينا أنه "في الولايات المتحدة، الغاز يشكل حوالي 40 إلى 50% من الوقود المستخدم لإنتاج الكهرباء لتشغيل هذه المراكز".
وتطرق في حديثه إلى تجربة بلاده، موضحاً تعقيدات النظام الكهربائي الأميركي: "النظام الأميركي هو أكبر آلة على وجه الأرض، يمتد عبر البلاد بأكملها، ويتضمن أسواقاً منظمة وغير منظمة، وأنظمة متكاملة رأسياً، وأنظمة مفككة بعد التحرير التنظيمي. التوسع في مراكز البيانات يرفع أسعار الكهرباء، وهذا يمكن أن يخلق ضغوطاً سياسية كبيرة على الحكومات والشركات".
وحول تقييم دول الشرق الأوسط، فقد أجاب قائلا: "الإمارات والسعودية من الدول المستعدة نسبياً للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، مع بنيات تحتية كهربائية قوية وخطط واضحة لدعم مراكز البيانات"، مشيرا إلى أن "تركيا قريبة إلى أن تكون مستعدة".
أما مصر، أار سوليفان، إلى أنها "قد تواجه تحديات كبيرة بسبب نمو السكان، الطلب المتزايد على الكهرباء، والاعتماد على الشبكات العامة"، موضحا بالقول: "إذا بدأت أسعار الكهرباء بالارتفاع لمواجهة الطلب من مراكز البيانات، فإن المواطن العادي سيشعر بالضربة مباشرة، وسيكون هناك غضب شعبي محتمل".
وحول ليبيا والمغرب وبعض دول شمال أفريقيا فقال: "لديهم الرغبة في الدخول إلى سوق الذكاء الاصطناعي، لكنهم بحاجة لاستثمارات ضخمة في الكهرباء، وإصلاحات تنظيمية في تسعير الكهرباء، وبناء كفاءات محلية".
وتطرّق سوليفان إلى العراق بشكل خاص، مشدداً على ما يملكه من فرص وتحديات أيضا، قائلا: "يمكن لمركز بيانات متطور في العراق أن يجعل عمليات استخراج النفط والغاز أكثر كفاءة، ويحسّن إدارة خطوط الأنابيب وعمليات الشحن، الأمر الذي يعزّز القدرة التنافسية للعراق في الأسواق العالمية".
وتابع أن "تأمين مراكز البيانات على مدار الساعة يُعدّ أمراً بالغ الأهمية، إذ إن أي اختراق قد يسبب أضراراً كبيرة للقطاع الصناعي"، موضحا أن "عدم استقرار الكهرباء في بعض مناطق البلاد قد يعرقل عمل هذه المراكز بشكل فعّال".
وأردف بالقول: إن "إقليم كوردستان قد يكون الخيار الأنسب للاستثمار نظراً لاستقراره النسبي مقارنة بالجنوب".
وأكد، سوليفان أن "تدريب الكوادر المحلية أمر بالغ الأهمية، حيث يجب أن يتعلم الناس كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير الصناعة، الزراعة، النقل، الحكومة، والتعليم. هذا ينطبق على كل دول المنطقة".
وشدد أيضا على أهمية "التعاون الدولي"، مشيراً إلى "دور الولايات المتحدة واليابان في دعم دول الشرق الأوسط لتحسين كفاءة الطاقة وإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي".
كما نبه إلى أن "هذا يتطلب ترتيبات تعاقدية معقدة وحماية الملكية الفكرية، حيث إن مراكز البيانات والأنظمة غالباً ما تكون محمية ببراءات اختراع ومعلومات سرية"، فيما نصح الدول بـ"الاعتماد على توليد جزء من الكهرباء خلف العداد، أي توليد الكهرباء مخصص لمراكز البيانات مباشرة دون التأثير على الشبكات العامة، لتجنب الغضب الشعبي والمشاكل السياسية".
وشدد سوليفان، على أن "الذكاء الاصطناعي ليس مجرد كمبيوترات، بل أداة لتحسين مختلف القطاعات، حيث يمكن استخدامه لجعل الزراعة أكثر كفاءة، الصناعة أكثر إنتاجية، النقل أفضل تنظيماً، وتحسين التعليم، وذلك يحدث إذا استُخدم بشكل صحيح، حيث يمكن أن يوفر كفاءات ضخمة ويخفض التكاليف، ويجعل الدول أكثر تنافسية".
وأشار إلى "الأمثلة العملية، مثل استخدام الحرارة الناتجة عن مراكز البيانات في أوروبا لتدفئة المنازل"، موضحاً أن "التطبيقات تختلف بحسب البيئة ففي مصر على سبيل المثال، ستحتاج هذه المراكز إلى التعامل مع الطلب على التكييف، لكن يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل استخدام الكهرباء أكثر كفاءة".
وحذر سوليفان من أن "دول الشرق الأوسط التي تتأخر في هذا السباق ستفقد فرصاً كبيرة"، مبينا أن "الإمارات والسعودية يعرفون ما يفعلونه، ولديهم المال والخطط".
وأستطرد: "أما باقي الدول، مثل مصر والمغرب والعراق، لديهم الإمكانيات، لكن يحتاجون لتدريب شعوبهم، تحسين البنية التحتية، وتنظيم أسواق الكهرباء لتكون جزءاً من هذا المستقبل".
واختتم حديثه بالقول: "الذكاء الاصطناعي فرصة عظيمة، لكن الدول بحاجة إلى التخطيط الدقيق، الاستثمارات الصحيحة، حماية البيانات، وتطوير الكوادر المحلية لتستفيد بالكامل من هذه الثورة التكنولوجية، من يفشل في ذلك، سيتأخر عن الركب ولن يتمكن من المنافسة".
المصدر:
شفق نيوز