شفق نيوز- البصرة
في كل فجر جمعة، تستيقظ البصرة على إيقاع مختلف، إذ تتحول شوارعها القديمة إلى متحف مفتوح للذكريات، حيث تُبعث الحياة من جديد في سوقٍ يرفض أن يشيخ رغم مرور السنين.
ففي قلب المدينة، وتحديداً وسط مركزها الحيوي يتقاطع صوت الباعة مع خطوات الزوار الباحثين عن عرض قديم أو ذكرى من زمن جميل، ووسط هذا الزحام يجلس أبو قاسم، أحد أقدم باعة السوق، تحيط به سلع تراكم عليها الغبار لكنها ما زالت تجذب المارة، بدا كأنه جزء من ذاكرة المكان أكثر من كونه بائعاً عابراً.
ويروي أبو قاسم لوكالة شفق نيوز، قصته مع هذا السوق الذي لن يشيب، قائلاً "منذ ثلاثين عاماً وأنا هنا، لا أستطيع ترك السوق، فقد صار جزءاً من حياتي اليومية، نعرف الزبائن واحداً واحداً، وكثير منهم يعود كل أسبوع ليبحث عن قطعة مميزة أو ذكرى من زمن مضى".
ويضيف أبو قاسم وهو يشير إلى طاولته التي تزدحم بالبضائع القديمة: "الأسعار تبدأ من 20 ألف دينار، وترتفع حسب نوع السلعة، فهناك من يشتري لحاجته، وهناك من يشتري بدافع الاقتناء، فكل غرض هنا يحمل قصة من الماضي ويجد طريقه لبيتٍ جديد".
وعلى الطرف الآخر من السوق، حيث تتناثر أصوات المساومات والضحكات، يجلس أبو إياد خلف رفوف صغيرة تزدحم بالتحف النادرة والعملات القديمة والتماثيل المصغّرة، يراقب الحركة بنظرة خبير يعرف كيف يقرأ ملامح الزبون قبل أن يتكلم، وبين كل صفقة وأخرى، يتبادل المزاح مع جيرانه الباعة الذين تربطه بهم علاقة تمتد لعقود طويلة، تجعل السوق بالنسبة إليهم أشبه بعائلة كبيرة أكثر من كونه مكاناً للعمل.
ويقول أبو إياد: "سوق الجمعة ليس مجرد مكان للبيع، بل ملتقى لأبناء البصرة من مختلف الطبقات، تجد الغني والفقير يقفان معاً أمام نفس البضاعة، وكأن السوق مساحة واحدة تجمعهم بلا فوارق".
ويضيف أبو إياد، في حديثه للوكالة، أن "معظم الباعة يواصلون العمل فيه منذ عقود"، مؤكدا بالقول: "نحن جيل تربى في هذا المكان، لا نغيب عنه مهما تغيرت الظروف، هنا نعيش ذكرياتنا ونتنفس أجواء البصرة القديمة التي نحبها".
وعند الساعة الـ12 ظهراً، تباشر القوات الأمنية بإغلاق السوق وإعادة فتح الشارع الرئيسي أمام حركة السيارات، لينتهي يومٌ آخر من ذاكرة المدينة المتجددة، ورغم تبدل الزمن وتطور الأسواق الحديثة، يبقى سوق الجمعة شاهداً على البصرة القديمة، ومعلماً شعبياً يحتفظ برائحة ماضيها الأصيل.