آخر الأخبار

من أربيل إلى بغداد والجوار.. نيجيرفان بارزاني يحدّد ملامح "العراق الذي لم يُبنَ بعد"

شارك
مصدر الصورة نيجيرفان بارزاني خلال ملتقى "ميري"

شفق نيوز- أربيل

بعد أكثر من عشرين عامًا على سقوط النظام السابق، بدا نيجيرفان بارزاني وكأنه يُعيد صياغة سؤال العراق من جديد، ماذا تبقّى من "العراق الفيدرالي الديمقراطي" الذي وُعد به الجميع عام 2003؟

في حوار هادئ لكنه صريح، قدّم رئيس إقليم كوردستان قراءة نقدية للواقع السياسي والاقتصادي في البلاد، مستحضرًا تجربة الإقليم قبل 2003 كمثال على بلدٍ عاش الانقسام ثم سعى إلى إعادة بناء نفسه عبر الدستور الذي يصفه بارزاني بأنه "المنجز الأكبر الذي لم يُطبَّق".

ومن داخل قاعة مزدحمة بصناع القرار والدبلوماسيين والأكاديميين، بدا حديثه أشبه برسالة مزدوجة، بين تحذير لبغداد من تكرار أخطاء المركزية، ودعوة لجيران العراق إلى احترام توازن إقليمي هش يحاول كوردستان الحفاظ عليه بين طهران وأنقرة ودمشق وواشنطن.

"لقد بذلنا كل ما في وسعنا لبناء هذا العراق الجديد"، يقول بارزاني، خلال جلسة حوار في ملتقى الشرق الأوسط (ميري) المنعقد في أربيل وحضرته وكالة شفق نيوز.

ويشير إلى جهود القيادات الكوردية، من مسعود بارزاني إلى جلال طالباني لتأسيس دولة تتجاوز المعاناة التي عاشها الكورد لعقود، لكن الحلم لم يكتمل، لأن الدستور الذي اعتبره إنجازًا وطنيًا كبيرًا بقي معلقًا من دون تطبيق.

مصدر الصورة

الدستور: من منجز وطني إلى نصّ معطّل

يرى رئيس الإقليم أن جوهر الأزمات المزمنة بين أربيل وبغداد، من ملفات الموازنة والنفط إلى المادة 140 وقوات البيشمركة، يعود إلى إهمال تطبيق الدستور الذي صوّت عليه أكثر من 80 في المئة من العراقيين.

"إذا سألت الشيعة فهم يخشون الماضي، وإذا سألت السنة يقولون إن المستقبل غير واضح، أما الكورد فيخشون الماضي والحاضر والمستقبل معًا"، بهذه العبارة يلخّص بارزاني مأزق الثقة في العراق.

ويضيف أن استقرار البلاد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا لن يتحقق إلا عبر الالتزام الفعلي ببنود الدستور، لا بالتصريحات السياسية.

ورغم الخلافات المستمرة، شدد بارزاني على أن "العمق الاستراتيجي لإقليم كوردستان هو بغداد"، مضيفًا أن هذا ليس مجاملة سياسية، بل قناعة راسخة.

وأكد أن العلاقة مع الحكومة الاتحادية يجب أن تقوم على التفاهم والشراكة الحقيقية، لا على المساومات حول رواتب الموظفين أو صلاحيات الإقليم.

وعند تطرقه إلى الديمقراطية، حذر من اختزالها في مجرد انتخابات دورية، موضحًا أن الديمقراطية ليست "هدية" يمكن استيرادها من الخارج، بل ممارسة ومسؤولية تنشأ من داخل المجتمع عبر بناء المؤسسات والثقة والعدالة.

وفي قراءة أوسع للمشهد العراقي، يرى بارزاني أن التحدي الأكبر اليوم ليس الأمن، الذي تحسن نسبيًا، بل ضعف المؤسسات. فالعاصمة بغداد كما قال انتقلت من مرحلة الانفجارات إلى مرحلة "الاختناقات المرورية"، لكن ما زال غياب البناء المؤسسي يعطل تطور الدولة.كما يحذر من "شخصنة المؤسسات"، داعيًا إلى تحويل تركيز الدولة من الأفراد إلى المؤسسات لضمان استقرار سياسي دائم.

واعتبر بارزاني أن الانتخابات العراقية المقبلة هي "الأهم منذ عام 2005"، وأن نتائجها ستحدد مسار البلاد نحو الإصلاح أو الانسداد.

كما حذّر من أن العراق لا يمكنه الاستمرار في دفع ستة مليارات دولار شهريًا كرواتب، محذرًا من أزمة مالية كبرى إذا هبطت أسعار النفط دون 50 دولارًا للبرميل.

ويقول إن الوقت حان لـ"تغيير مؤسساتي" حقيقي داخل الدولة، لا الاكتفاء بالعودة إلى أمجاد الماضي أو الشعارات الوطنية.

"ابنِ الدولة من جديد، وحدثنا عما يمكنك أن تقدمه للجيل الجديد"، بهذه الدعوة ختم حديثه عن ضرورة بناء مستقبل مختلف.

مصدر الصورة

خطر السلاح خارج الدولة

وتوقف بارزاني عند الحركات الاحتجاجية، فقال إن فشل احتجاجات تشرين كان بسبب "شعارات غير واقعية"، مؤكدًا أن الخطر الحقيقي على العراق ليس الشباب أو دعوات التغيير، بل "القوى التي تمتلك السلاح خارج إطار الدولة".

وفي لهجة غير معتادة في الصراحة، أشار إلى أن الطائرات المسيّرة التي استهدفت إقليم كوردستان انطلقت من جهات "تتلقى رواتب من الدولة العراقية"، محذرًا من أن هذا "تهديد مباشر للسيادة العراقية".

وقال بوضوح: "إقليم كوردستان لن يسكت بعد اليوم على هجمات الدرونات".

وطالب بأن تُوضع جميع القوات تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، محذرًا من أن بقاء الوضع الحالي "لن يستمر".

في محور السياسة الإقليمية، عرض بارزاني توازنًا محسوبًا بين الواقعية والدبلوماسية.

فمع إيران، أكد أن الإقليم لا يشكّل تهديدًا للجمهورية الإسلامية وأن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين تجاوزت 11 مليار دولار سنويًا.

وأوضح أن لقاءه بالمرشد الإيراني علي خامنئي "فتح صفحة جديدة" في العلاقات، مشددًا على أن كوردستان "لن تكون مصدر خطر على إيران، بل عامل استقرار".

وفي الشأن التركي، وصف بارزاني العلاقة مع أنقرة بأنها "ودية ومختلفة"، مشيرًا إلى جدّية تركيا في المضي بعملية السلام رغم بطئها.

لكنه حذر بالوقت ذاته من أن "ألاعيب حزب العمال الكوردستاني" قد تضر بالشعب الكوردي وتبدد فرصة تاريخية لتسوية الصراع.

أما بشأن سوريا، فنبّه إلى أن البلاد "أمام فرصتها الأخيرة لبدء مرحلة جديدة"، داعيًا الكورد هناك إلى التوجّه نحو دمشق والانخراط في العملية السياسية كـ"أصحاب للبيت لا ضيوف فيه".

وشدد على أن الدولة السورية لا يمكن أن تُدار مركزياً في بلد متعدد المكونات، محذرًا من أن أي تدخل خارجي أو عسكري في الشأن الكوردي السوري "لن يقود إلى حل بل إلى مزيد من الأزمات".

كما أشاد رئيس الإقليم بدور الولايات المتحدة في دعم قوات البيشمركة خلال الحرب ضد داعش، وأعرب عن دعمه لسياسات الرئيس دونالد ترمب "الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة".

ووصف العلاقات مع واشنطن بأنها "استراتيجية وفرصة يجب الحفاظ عليها"، مشيرًا إلى أن الإقليم ينظر إلى أمريكا كحليف ساعده في أحلك الظروف.

مصدر الصورة

نحو عراق مؤسساتي جديد

اختتم نيجيرفان بارزاني حديثه في ملتقى الشرق الأوسط (ميري) بالتعبير عن أمله في أن تكون الانتخابات المقبلة نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من بناء المؤسسات، وتطبيق الدستور، وتحقيق الشراكة الحقيقية بين بغداد وأربيل.

وقال إن الديمقراطية في العراق تمر بمرحلة انتقالية، لكنها يمكن أن تنضج إذا توفرت الإرادة السياسية والشجاعة لتطبيق القانون على الجميع.

"لن يتحقق الاستقرار بالشعارات أو بالماضي، بل ببناء مؤسسات قوية تحمي مستقبل العراقيين جميعًا." يقول بارزاني.

أخبار ذات صلة مصدر الصورة

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شفق نيوز المصدر: شفق نيوز
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا