شفق نيوز- كركوك
يعمل الشاب أحمد كريم (23 عاماً)، في مهنة إيصال الطلبات "ديليفري" منذ سنتين تقريباً، حيث يقضي يومياً ما لا يقل عن 10 ساعات بين المطاعم والشوارع لتحقيق العدد المحدد له من طلبات التوصيل .
غير أن أحمد يعتبر عمله مهدداً، كما أن مستقبله وحتى حياته تحت التهديد دائماً، لعدم وجود ضمان يحمي عمله أو يغطي نفقات علاجه في حال تعرّض لحادث مروري أثناء عمله المحفوف بمخاطر الشارع .
ويقول أحمد في حديث لوكالة شفق نيوز، "عندما بدأت العمل في هذا المجال قبل سنتين، لم أكن أجد فرصة عمل ثابتة بعد تخرجي من المعهد، لكن الديليفري وفّر لي دخلاً يومياً أستطيع من خلاله إعانة أسرتي ".
ويضيف، "المشكلة أنني أعمل أكثر من 10 ساعات يومياً دون أي ضمان صحي أو راتب ثابت، فأنا أعتمد فقط على عدد الطلبات التي أوصلها ".
كما يتخوّف أحمد من إمكانية تعرّضه لحادث سير على غرار الكثير من زملائه، ما يعني فقدانه لعمله الحالي مع فقدان أي مكسب مستقبلي له يعوّضه عن العمل .
ويقول أحمد، "في الشهر الماضي تعرّض زميل لي لحادث سير خطير أثناء توصيل طلب في الليل، وظل لأيام في المستشفى، ولم يكن لديه أي تأمين يغطي تكاليف العلاج ".
حوادث السير تمثل هاجساً مقلقاً لدى أصحاب المطاعم أيضاً، ممن يعرفون جيداً أن تعرّض أحد عمّال التوصيل إلى حادث ما، يعني تركه للعمل أو التأثير على التزامه على أقل تقدير .
ويقول عبد الله جابر، وهو مالك أحد المطاعم في كركوك، في تصريح لوكالة شفق نيوز، ، إن "المطاعم تواجه صعوبة في تنظيم العمل، فالشباب يتركون الوظيفة بسرعة لغياب الاستقرار، وبعضهم يتعرض لحوادث سير تؤثر على التزامه ".
ويشير جابر، إلى أهمية هذه المهنة في إنجاح عمله خدمة التوصيل أصبحت ضرورة لا يمكن لأي مطعم أن يستغني عنها، أكثر من نصف مبيعاتنا تعتمد على الديليفري ".
انتشرت مهنة "الديليفري" في كركوك وبقية مدن العراق، منذ عام 2017، مع انتشار تطبيقات الهواتف الذكية وتوسّع المطاعم والمتاجر الإلكترونية .
وتحوّلت المهنة من عمل هامشي إلى قطاع واسع يشغّل آلاف الشباب في مختلف أحياء المدينة وبقية المدن، لكنها ورغم ما توفّره من فرص عمل سريعة، لا تزال تعاني من تحديات كبيرة تجعلها مهنة محفوفة بالمخاطر وغير مستقرة .
وساهمت البطالة المتزايدة بين الشباب في كركوك، والتي تجاوزت نسبتها في بعض المناطق 30% وفق تقارير رسمية، في دفع كثير منهم إلى امتهان "الديليفري" باعتباره وسيلة سريعة للحصول على دخل يومي .
كما شجّع النمو الكبير في المطاعم، والمقاهي، ومتاجر الملابس، والصيدليات على الاعتماد على خدمات التوصيل لتلبية طلبات الزبائن .
ومع دخول تطبيقات مثل "طلبات" و"كريم فود" وبعض المنصات المحلية إلى الخدمة، توسّعت دائرة العمل بشكل أكبر، وأصبح الزبون قادراً على طلب الطعام أو البضائع من هاتفه ليصل إلى باب بيته خلال دقائق .
وبذلك أصبحت مهنة التوصيل، جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية في كركوك، حيث لا يكاد يخلو حي أو شارع من دراجة نارية أو سيارة صغيرة يقودها شاب يضع حقيبة عازلة للطعام على ظهره أو صندوقاً خلف مركبته، يحمل طلباً استعجله زبون جائع أو عائلة تنتظر وجبة عشاء وغيرها .
وغالباً ما يعتمد العاملون في هذا المجال على الدراجات النارية لسهولة حركتها بين الأزقة المزدحمة، في حين يفضّل آخرون استخدام سيارات صغيرة لتوصيل طلبات أكبر أو التنقل لمسافات أطول .
ويعتمد نظام العمل في الغالب على "القطعة"، أي أن العامل يتقاضى مبلغاً يتراوح بين 1500 إلى 3000 دينار عراقي عن كل طلب، حسب المسافة .
وفي بعض الحالات، يرتبط العامل بعقد مباشر مع مطعم معين مقابل راتب شهري بسيط .
غير أن المخاطر التي يواجهها العاملون في هذه المهنة متعددة، لعل أبرزها الحوادث المرورية، إذ أن كثيراً من السائقين يقودون بسرعة لتسليم الطلب في الوقت المحدد، ما يعرّضهم لحوادث خطيرة .
كما أن الدراجات النارية كثيراً ما تكون غير مستوفية لشروط السلامة أو لا تحمل لوحات تسجيل رسمية، وهو ما يعرّض أصحابها للمساءلة القانونية، وهو ما يحدث مع الكثير من عمّال التوصيل، ويثير قلق الكثير منهم .
ويقول الناشط الاجتماعي حسن علي لوكالة شفق نيوز، إن "سوّاق الدراجات يتعرّضون إلى حوادث مميتة أثناء عملهم في عموم مناطق العراق، ومنها كركوك، حيث سجّلنا خلال العام الحالي وفاة نحو أربعة عمال ديليفري وإصابة قرابة 12 آخرين في حوادث مختلفة ".
إلى جانب المخاطر المرورية، يشكو العاملون من ضعف الأجور مقارنة بغلاء المعيشة وارتفاع أسعار الوقود وصيانة المركبات .
كما أن غياب نقابة أو جهة رسمية تنظم المهنة يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل بعض أصحاب العمل .
وتتكرر كذلك حوادث الغش أو الاستهتار من قبل بعض الزبائن، إذ يروي أحد العاملين حادثة مؤلمة قائلاً، إن "أحد الأشخاص طلب منا أكثر من 40 دجاجة مشوية، وبعد أن أعددنا الوجبة كاملة وحمّلناها للتوصيل، أغلق هاتفه تماماً، وبعد محاولات عديدة لم نتمكن من تسليم الطلبية، ما تسبب بخسائر مادية كبيرة للمطعم وللعامل الذي قضى ساعات في تجهيزها ونقلها ".
وتحميل مهنة التوصيل، على المستوى الاجتماعي، بعداً مهماً، إذ أنها وفرت مصدراً سريعاً للرزق لآلاف الشباب الذين كانوا عاطلين عن العمل، لكنها في الوقت ذاته، لا تخلو من نظرة "دونية" لدى البعض، حيث يعتبرونها "مهنة مؤقتة" أو "عمل بلا مستقبل"، وهو ما يؤثر على معنويات الكثير من العاملين، على الرغم من أهميتها بالنسبة للكثير من الأشخاص .
وتقول إسراء محمد، وهي طالبة جامعية وزبونة دائمة لخدمات التوصيل في كركوك، لوكالة شفق نيوز، إن "هذه المهنة مهمة جداً وتستحق التقدير ".
وتضيف، "أنا شخصياً لا أستغني عن الديليفري، سواء لطلب الطعام أو الأدوية أو حتى بعض الاحتياجات المنزلية، هؤلاء الشباب يسهلون حياتنا ويستحقون الاحترام والدعم ".
ومع ازدياد الاعتماد على خدمات التوصيل، بات من الضروري التفكير بتنظيم هذا القطاع عبر تشريع قوانين أو تعليمات تحفظ حقوق العاملين، كما يرى المختصون، عبر شمول إجراءات هذا العمل بإلزام المطاعم والتطبيقات بتوفير تأمين صحي للعاملين، أو منحهم عقوداً تضمن الحد الأدنى من الأجر، فضلاً عن تدريبهم على قواعد السلامة المرورية .
ويقول الخبير الاقتصادي علي عباس، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن "تطوير مهنة الديليفري من الممكن أن يسهم في خفض نسب البطالة وتحويلها إلى قطاع منظم، إذا ما جرى إدخال شركات متخصصة وتنظيم عملها بشكل قانوني، لتوفّر آلاف الوظائف المستقرة، ولتدر دخلاً إضافياً للدولة عبر الضرائب والرسوم ".
مهنة الديليفري في كركوك، انطلقت من حاجة بسيطة لإيصال الطعام أو البضائع، لتتحوّل اليوم إلى شريان مهم يربط بين المتاجر والزبائن، وإلى مصدر دخل رئيسي لفئة واسعة من الشباب .
لكن هذه المهنة، في ظل غياب التنظيم وضعف الحماية، لا تزال مهنة متعبة ومليئة بالتحديات .
كما أن دعم هذه الشريحة وتقدير جهودها، وتنظيم المهنة بشكل رسمي، سيكون خطوة مهمة نحو جعلها عملاً أكثر أماناً واستقراراً، يليق بالشباب الذين اختاروا أن يحملوا على عاتقهم مسؤولية خدمة المجتمع مقابل لقمة عيش كريمة .