شفق نيوز- بغداد
يستبعد أربعة مراقبين في الشأن العراقي، صحة الطروحات المتداولة أخيراً بشأن احتمال ارتباط مناطق الجنوب أو ذات الغالبية الشيعية بإيران، مؤكدين أن هذه التصورات لا تستند إلى أي معطىً سياسي أو اجتماعي واقعي.
ويعتبر هؤلاء المراقبون، أن إثارة هذا النوع من الطروحات يأتي في سياق التوظيف السياسي والإعلامي، بهدف تصعيد التوتر الداخلي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
ويُثير هذا الجدل الذي تصاعد في الأيام الأخيرة عبر تصريحات إعلامية وقراءات تحليلية، تساؤلات حول ارتباطه بما يُعرف بـ"خطة الشرق الأوسط الجديد"، التي تقوم على إعادة ترسيم الحدود الإقليمية على أسس طائفية وعرقية، أم أنه مجرد ورقة سياسية لتأجيج الشارع وخلط الأوراق الانتخابية.
خيارات أمام الشيعة ومن تلك التصريحات، ما أعلنه المحلل السياسي سلام عادل أخيراً، بقوله إن "الحرس الثوري الإيراني مع الفصائل المسلحة الشيعية أيديهم على الزناد، وجاهزون لابتلاع 11 محافظة عراقية في أية لحظة في حال وجود أي مخطط مقامر لإسقاط النظام السياسي وإحداث فوضى في البلاد".
وفي حديثه لوكالة شفق نيوز، يحذر عادل من خطورة التهديدات التي تسعى إلى إعادة رسم خرائط المنطقة بالقوة، قائلاً إن "المنطقة لن تسير وفق المخططات التي يتصورها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي حال فُرضت معادلات جديدة، فإن شعوب المنطقة أيضاً تملك تصورات وخططاً لمواجهتها".
ويضيف، ان "أهل الأرض هم من يستطيعون فرض المعادلات، لا القوى الخارجية، وفي حال تم فرض تقسيم البلدان، فسيكون بحسب رؤيتنا نحن وليس هم".
ويرى عادل أن العراق، رغم تعدده الطائفي والقومي، "قادر على البقاء موحداً"، لكنه لم يستبعد خيار التحالف مع إيران في حال تغيّرت الخريطة الإقليمية بشكل جذري.
ويقول: "إذا انفصل الكورد ووجدت المناطق السنية بديلاً خاصاً بها، فإن الشيعة قد لا يجدون أمامهم سوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية كخيار جيوسياسي".
ويؤكد عادل أن الخرائط الحالية "ليست مقدسة"، بل هي نتاج اتفاقات استعمارية كـ"سايكس – بيكو"، وبالتالي فهي قابلة للتغيير. ويلفت المتحدث الانتباه إلى أن "التاريخ أثبت أن لا شيء يبقى على حاله، فبغداد التي كانت عاصمة العالم الإسلامي أصبحت تحكم 19 محافظة فقط، وليس هناك ما يضمن بقاء هذا الشكل في المستقبل".
الانتخابات والتصعيد الطائفي
تأتي هذه التصريحات في وقت حساس للغاية، إذ تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، وهو ما يراه مراقبون سبباً مباشراً في تصاعد هذا الخطاب، باعتباره أداة سياسية لإضعاف الخصوم، أو جس نبض الشارع، أو حتى تصعيد الاستقطاب الطائفي لخدمة أجندات حزبية.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي أثير الشرع إن "هذه التصريحات تهدف بالدرجة الأولى إلى استفزاز الشارع أو إضعاف بعض القوى الشيعية، من خلال التلويح بفكرة اندماج محافظات الجنوب مع إيران".
ويضيف الشرع لوكالة شفق نيوز، ان "بعض الأطراف قد يوظف هذا الخطاب كورقة ضغط على الحكومة أو على خصوم سياسيين محددين، وذلك لتبرير تدخلات خارجية أو تعزيز الحضور السياسي قبيل الانتخابات".
ويربط المحلل السياسي هذه التصريحات بسياق جيوسياسي أوسع، يتمثل في ما يُعرف بـ"خطة الشرق الأوسط الجديد"، وهي بحسب الشرع مشاريع أمريكية – إسرائيلية تم طرحها منذ عام 2006، تقوم على إعادة ترسيم الحدود في المنطقة عبر تفكيك الدول الكبيرة إلى كيانات عرقية أو طائفية.
ويشير إلى أن "أحد أبرز هذه الطروحات كان تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم: شيعي، سني، كوردي"، ومثّلت "خطة بايدن" التي ظهرت عام 2007، أحد أوجه هذا التصور.
لكن الشرع يستدرك بالقول: "رغم كثافة الدراسات النظرية حول هذا المشروع، إلا أن الواقع الميداني يبرهن على صعوبة تطبيقه، إذ أن العراق كبلد مركب ومعقد سياسياً وطائفياً لا يمكن تجزئته بهذه البساطة".
وحول موقف إيران من هذه التصريحات، يلفت الشرع إلى أن "طهران لم تطرح مطلقاً – لا علناً ولا سراً – مسألة ضم الجنوب العراقي إليها، لأن ذلك سيؤدي إلى صدام مباشر مع المجتمع الدولي".
ووفقاً للمحلل السياسي فإن "إيران تفضّل عراقاً موحداً لكنه سياسياً ضعيفاً، لتضمن بقاء نفوذها من خلال حلفائها المحليين، دون الدخول في مغامرات حدودية غير محسوبة".
ويؤكد أن هذه التصريحات لا تعدو كونها أدوات إعلامية لخلق زعزعة داخلية وزيادة التوتر الطائفي قبيل الانتخابات، مع عدم إغفال وجود دراسات قديمة بالفعل تتحدث عن إعادة رسم خرائط المنطقة، لكنها تصطدم بواقع إقليمي ودولي معقد لا يسمح بسهولة بتطبيقها.
رؤية من زاوية أخرى
من جهته، يرى المحلل السياسي عماد المسافر أن الطروحات المتعلقة بربط الجنوب العراقي بإيران، أو تقسيم العراق، ليست جديدة، بل تعود إلى مشروعات أمريكية – إسرائيلية أوسع تسعى إلى تشكيل "شرق أوسط جديد يخدم مشروع إسرائيل الكبرى"، حسب تعبيره.
وينوّه المسافر خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "ما تشهده المنطقة من أحداث في سوريا وفلسطين ولبنان، تأتي ضمن هذه المخططات"، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن "الزعامات الدينية والسياسية العراقية، ترفض فكرة التقسيم وتتمسك بوحدة البلاد"، معتبراً أن ما يُطرح في الإعلام "مجرد محاولات لجس النبض أو تحشيد شعبي لا أكثر".
لا أساس للارتباط بإيران
أما الباحث في الشأن السياسي رمضان البدران، فينفي وجود أية خطة عملية أو فكر سياسي يهدف إلى دمج مناطق عراقية بإيران، رغم "تشابه العقيدة من حيث التشيع، والتواصل التجاري، والزيارات الدينية".
ويوضح البدران لوكالة شفق نيوز، أن النفوذ الإيراني في جنوب ووسط العراق يرتبط بعوامل اقتصادية وتجارية وزيارات دينية، "لكن لا يوجد في مخطط الشرق الأوسط أن تُقسم البلدان أو يُعاد تقسيم الخرائط".
ويرى أن "هذه الإشاعات تُستخدم لأغراض سياسية وانتخابية بحتة، هدفها إثارة الشارع وزعزعة الثقة بالمشهد الوطني، ولا تعبّر عن توجهات حقيقية داخل الدولة العراقية أو حتى داخل إيران".
تصريحات لا قيمة لها
وبناءً على ذلك، يصف الباحث السياسي حيدر البرزنجي التصريحات الإعلامية التي تتحدث عن إلحاق محافظات الجنوب العراقي بإيران بأنها "لا قيمة لها ولا وزن سياسي لها"، في ظل وجود ثوابت سياسية واجتماعية ومرجعية تمنع أي محاولة للتقسيم أو التفريط بوحدة البلاد.
ويضيف البرزنجي في النهاية، لوكالة شفق نيوز، ان "العراق قدّم تضحيات جسيمة في سبيل الحفاظ على وحدته، ولن يسمح أي طرف وطني بتمرير مشاريع مشبوهة تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي".