شفق نيوز- سامراء
منذ استهداف مرقد الإمامين العسكريين العام 2006، وجدت مدينة سامراء نفسها حبيسة جدران كونكريتية ضخمة، فصلتها عن عمقها الطبيعي، وحرمتها من التمدد العمراني والتنمية، لتُصبح على مدى نحو 20 عاماً مدينة مغلقة، تعيش في ظلّ إجراءات أمنية صارمة، لا تشبه في شيء مدناً عراقية أخرى تماثلها روحياً ودينياً مثل: النجف وكربلاء .
ورغم أن السلطات العراقية أعلنت مؤخراً رفع الساتر الأمني الذي حاصر سامراء منذ عقدين، إلا أن الاهالي يرون هذه الخطوة متأخرة جداً، ومحدودة الأثر ما لم تتبعها خطط خدمية وتنموية حقيقية .
4 ملايين زائر سنوياً
وتضم مدينة سامراء أكثر من 23 مزاراً ومعلماً دينياً وتاريخياً، في مقدمتها مرقدا الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، ومرقد السيد محمد (سبع الدجيل)، إلى جانب الملوية العباسية وقصر العاشق، وتستقبل المدينة بحسب تقديرات الجهات المحلية أكثر من 4 ملايين زائر سنوياً، من داخل العراق وخارجه .
ورغم هذه الكثافة الدينية والسياحية، إلا أن ميزانية المدينة الخدمية لا تتجاوز 1% من موازنات البنى التحتية المخصصة لمدن أخرى مثل النجف وكربلاء، بحسب مسؤولين محليين في محافظة صلاح الدين .
ويقول عمر السامرائي (45 عامًا)، وهو أحد سُكان المدينة، لوكالة شفق نيوز، إن "مدينة سامراء تعاني الإهمال وقلة الخدمات، الخراب يخيم على كل شيء، لا يمكن مقارنتها بمحافظات مثل النجف وكربلاء، رغم أن ملايين الزوار يقصدونها سنوياً، مع هذه العظمة الدينية للمدينة يجب أن تُعطى أولوية حكومية حقيقية ."
" جدار أسمنتي "
وأنشئ الساتر الأمني حول سامراء في أعقاب تفجير مرقدي الإمامين العسكريين عام 2006، وامتدّ على محيط 25 كيلومتراً، ليحوّل المدينة إلى منطقة عسكرية مغلقة، ويمنع تمددها الطبيعي باتجاه الأراضي الزراعية والسكنية المحيطة .
خلال هذه الأعوام، تعطلت مئات المشاريع بسبب هذا الجدار، منها، 83 مشروعاً متوقفاً في قطاعات المياه والمجاري، و46 مشروعاً خدمياً سكنياً معلقاً بقرارات أمنية، وقرابة 1000 دونم من الأراضي السكنية ظلّت خارج التخطيط بسبب الساتر .
وأعلن محافظ صلاح الدين يوم السبت الماضي، رفع الساتر الأمني رسمياً ونقله إلى موقع جديد بالتنسيق مع قيادة عمليات سامراء وسرايا السلام، بعد 9 اجتماعات أمنية وإدارية على مدى أشهر، لمعالجة تعارض الحدود بين قضاء الدور وناحية المعتصم .
المحافظة أكدت أن "رفع الساتر يمثل "انطلاقة جديدة" نحو توسعة المدينة عمرانياً، وفتح المجال أمام استثمار الأراضي المحجوبة منذ سنوات، وإنعاش القطاعات الخدمية والتعليمية والصحية، لكنها لم تُقدم حتى الآن أرقاماً فعلية أو جدولاً زمنياً واضحاً لهذه المشاريع ".
مقارنة مجحفة
بالمقابل، يقول عبد الستار محمد (68 عامًا)، وهو موظف حكومي متقاعد، لوكالة شفق نيوز، ان "سامراء لها قدسية دينية وتاريخية ولا تستحق أن تكون بلا خدمات، هناك تجاهل حكومي واضح لدورها الديني والتاريخي، رفع الساتر خطوة جيدة لكنها بلا معنى إن لم تتبعها مشروعات حقيقية تعيد الحياة لهذه المدينة ."
ويؤكد انه "وفي الوقت الذي تحظى فيه مدن دينية مثل كربلاء والنجف باهتمام حكومي واسع وموازنات مالية ضخمة، تعاني سامراء – رغم مكانتها الدينية واحتضانها لمرقدي الإمامين العسكريين من تهميش واضح، يظهر جلياً عند مقارنة الأرقام بين هذه الحواضر الثلاث ".
وفي مقارنة بسيطة يظهر ان محافظة كربلاء، التي تستقبل سنوياً نحو 20 مليون زائر، تحظى بأعلى دعم حكومي في قطاع البنى التحتية، حيث بلغت موازناتها لعام 2023 نحو 650 مليار دينار عراقي، تغطي مشاريع كبرى في مجالات الصحة، الكهرباء، والمواصلات .
اما محافظة النجف، تستقطب سنوياً أكثر من 15 مليون زائر، وقد خُصص لها في موازنة 2023 نحو 540 مليار دينار لتحسين البنى التحتية والخدمات .
في المقابل، تبقى سامراء، خارج دائرة الاهتمام الحكومي الجد، ولاسيما أن موازنتها للبنى التحتية في 2023 لم تتجاوز 21 مليار دينار فقط، وهو رقم هزيل مقارنة بحجم المدينة الديني والسياحي .
ولا تملك سامراء سوى 30 فندقاً صغيراً، معظمها متوقف عن التحديث، ولا تتوفر فيها أي مشاريع صحية حقيقية فاعلة سوى مشروع وحيد متعطل، كما لا تحصل المدينة على أكثر من 14 ساعة تجهيز يوميا بالكهرباء، مما يعمّق معاناة الأهالي والزائرين معاً .
وكانت سامراء عاصمة الدولة العباسية بعد بغداد، وكان اسمها القديم (سر من رأى)، وقد بناها المعتصم العباسي سنة (221 هـ /835 م) لتكون عاصمة دولته، وبقيت مدينة سامراء عاصمة للخلافة العباسية فترة تقرب من 58 عاما .