آخر الأخبار

سيروان الكوردي.. صانع النواعير الذي أعاد الحياة لسمفونية الفرات (صور)

شارك

شفق نيوز– الرمادي

بشغف الطفل الذي كبر على ضفاف الفرات في مدينة هيت بمحافظة الأنبار غربي العراق، و بذكريات لا تزال تنبض في أعماقه، روى صانع النواعير سيروان الكوردي حكايته مع تلك الآلات الخشبية العملاقة التي كانت تدور بلا كلل، وتنشد على مدار الليل والنهار أغنية الأبدية في حضن النهر.

وقال الكوردي في حديث لوكالة شفق نيوز، إنه وُلد بالقرب من نواعير "الدوارة الشرقية" في قضاء هيت، حيث نشأ في بيت لا تفصله عن النهر سوى خطوات قليلة، وكان يرافق والدته لجلب الماء من الفرات، متأملاً تلك النواعير التي ترفع المياه دون تدخل الإنسان، إلا حين تحتاج إلى صيانة.

ويستذكر تلك اللحظات قائلًا: "كانت أصوات النواعير الحزينة تطرب الأرواح وتواسي المتعبين، حتى أننا كنا نُسميها (السمفونية الناعورية). في ليالي الصيف، كانت العوائل تنام على الأسطح، يتناغم صوت الناعور مع غناء الأمهات، فيغفو الأطفال بطمأنينة، وكأنها أنشودة الحياة".

ويتابع الكوردي: "ظننا أن النواعير ستبقى معنا للأبد، لكننا كنا نودّعها دون أن ندري. ففي 12 أيار/مايو 1967، شهد الفرات فيضانا مدمرا اجتاح الأراضي الزراعية وأغرق النواعير من الحدود السورية حتى هيت. شاهدت بعيني، وأنا طفل لم يتجاوز السادسة، الفلاحين وهم يبكون نواعيرهم التي كانت تتحطم أمامهم دون أن يستطيعوا فعل شيء".

رغم الدمار، أعيد بناء بعض النواعير، لكن بحلول عام 1975 بدأت تختفي تدريجياً بعد دخول المضخات الكهربائية. يقول الكوردي: "منذ ذلك الحين، لم تفارقني الفكرة، وكنت أجمع المعلومات من النجارين وأصحاب المهنة، وأحلم بإعادة تلك النواعير للحياة".

في عام 2019، تحقق الحلم، إذ تمت الموافقة على إعادة تأهيل أربعة نواعير في قرية التربة بمدينة هيت، وكان سيروان أحد المشاركين الرئيسيين في هذا الإنجاز تحت إشراف الحاج سيد مالك سبتي الحسيني، أحد أبرز صناع النواعير في المنطقة. وفي عام 2021، تمت المرحلة الثانية من التأهيل.

وبعيدًا عن العمل الميداني، قام الكوردي بصناعة مجسمات دقيقة تمثل النواعير ووسائط الري القديمة. أول أعماله كانت في 2010، حين قدّم مجسمًا من الجص والحجر لمتحف الشهيد أحمد عفتان. وتوالت بعدها الأعمال: طاحونة مائية، دالية سومرية، گرد حيواني، طواحين هوائية ومائية، كلها باتت حاضرة في متحفه الشخصي.

وعن دافعه لإنشاء متحف صغير، يقول الكوردي: "أردت أن أُخرج تلك الأفكار المجمدة من رأسي إلى النور، وأن أجعل التاريخ مرئيًا وملموسًا للأجيال الجديدة. المتحف هو اللسان الناطق للآلات القديمة، والذاكرة الحية لحضارة وادي الرافدين".

واجه الكوردي تحديات، أبرزها التمويل الذاتي، لكنه تغلب عليها بالإصرار والعزيمة، مؤكدًا أن المواد المستخدمة في صناعة النواعير لم تتغير منذ قرون، فهي نفسها: أغصان التوت، جريد النخل، الحبال من الليف، والأباريق الفخارية (القوق).

أما عن الدعم الحكومي، فيقول بأسف: "لم نتلقّ أي دعم جدي. بعد إدراج حرفة صناعة الناعور في لائحة التراث العالمي للمياه التابعة لليونسكو، كُل ما حصلنا عليه كان ورقة شكر مطبوعة لا يتجاوز سعرها 250 دينارًا!".

يشير الكوردي إلى أن فريقًا تطوعيًا من 10 أشخاص عمل على إعداد دراسة علمية سرية لسنوات لإدراج هذه الحرفة ضمن التراث العالمي، وأنه كان من بين أعضاء هذا الفريق.

ويختم صانع النواعير بالقول: "المهارة وحدها لا تكفي، بل لا بد من تخطيط، وبيئة مشجعة، ودعم نفسي وأسري. أما إذا غاب الدعم، فإن كل هذا العمل معرض للاندثار بعد رحيل صاحبه، كما قال الإمام الغزالي: غزلتُ لهم غزلاً ناعماً فلم أجد لغزلي نَسّاجاً.. فكسرتُ مغزلي".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شفق نيوز المصدر: شفق نيوز
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا