شفق نيوز/ في شوارع الموصل التي بدأت تستعيد نبض الحياة بعد سنوات من الألم، تتفتح قصص خرجت من وسط الدمار، ومن بين تلك القصص، يبرز اسم ليث أحمد الذي يبلغ من العمر 25 ربيعاً، شاب لم ينتظر أن تُطرق بابه الفرص، بل خرج باحثاً عنها بإصرار، حاملاً معه شغفه بالعلم وحلمه بحياة أفضل.
كان ليث يجلس أمام شاشة حاسوبه يتصفح إعلاناً عن دورة تدريبية ينظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع منظمة "هيومن أبيل" وبتمويل من الحكومة الألمانية، حيث كان هدف الدورة واضحاً "تمكين الشباب وتحسين ظروفهم المعيشية من خلال تدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل".
ووفقاً لتقرير نشر على موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، فقد كان ليث، يمتلك شهادة كلية التربية للعلوم الصرفة، قسم علوم الحاسوب بجامعة الموصل، لم يتردد لحظة في تقديم طلب الانضمام، ففي مدينة تعاني من شُحّ فرص العمل، خاصة للخريجين الشباب، بدت له هذه الفرصة كبوابة قد تفتح له أفقاً كان يحلم به.
تحدي وإصرار
وتلقى ليث الخبر الذي غيّر مجرى حياته بعد أسابيع من الانتظار، وهو قبوله ضمن المرشحين، كانت فرحته كبيرة، لكنه أدرك أن التحدي الحقيقي بدأ للتو.
تم توجيهه إلى التدريب في مكتب متخصص بتركيب وصيانة كاميرات المراقبة في المناطق التجارية، مجال قريب من تخصصه، لكنه أكثر عملية مما اعتاده في مقاعد الدراسة.
ورغم أن التجربة الأولى كانت شاقة، خاصة تحت الأمطار وبرودة الطقس، إلا أن شغفه بالتكنولوجيا تحوّل إلى مهارة ملموسة.
كان ليث يرافق فريق الصيانة يومياً، يتعلّم التركيب، التشخيص، والتعامل مع الزبائن. لم يكتفِ بما يُطلب منه، بل كان يسجل ملاحظاته، يطرح الأسئلة، ويبقى بعد ساعات التدريب لمراجعة ما تعلّمه.
ويقول ليث: "لم تكن التجربة سهلة مطلقاً، لكنني كنت بحاجة لخوضها. كنت أعلم أنها ستعزز من تخصصي، وقد تفتح لي باب الرزق".
وبحسب التقرير، فقد لاحظ مدير المكتب تميز ليث وسرعة تعلمه، وخاصة عندما تمكن من إصلاح خلل معقّد في نظام مراقبة، موفّراً على المكتب وقتاً وجهداً وكلفة.
وعند نهاية الأيام الأربعين، استدعاه المدير قائلاً: "ليث، نريدك أن تنضم إلينا بشكل دائم، أنت أثبت أنك تستحق الفرصة"، حيث كانت تلك الكلمات كالغيث بعد طول انتظار. حصل ليث على وظيفة مستقرة في مجال دراسته، في مدينة ما زالت تبحث عن استقرارها.
طموح لا يتوقف
ويعمل ليث، اليوم بدوام كامل، لكنه لا يكتفي بذلك. يقول مبتسماً: "أطمح أن أجمع مبلغاً كافياً لأفتح مكتبي الخاص لتركيب وصيانة الكاميرات. أريد أن أصبح صاحب عمل، وأوفر فرصاً لشباب آخرين مثلي".
كما يخطط لمواصلة تعليمه وتطوير مهاراته التكنولوجية لمواكبة التطورات وزيادة دخله، حسب ما جاء في التقرير، فيما أكد الشاب الموصلي: "الصراحة، أحلامي كثيرة، والطموح يزداد كل يوم. في الوقت الحالي أود أن أكون مستقراً في حياتي".
قصة ليث لا تمثل نجاحاً فردياً فحسب، بل هي جزء من مشروع أكبر يدعمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومة الألمانية لإعادة إعمار العراق على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
ومنذ عام 2015، تسعى الجهود إلى إعادة الخدمات الأساسية وتمكين السكان من العودة إلى ديارهم. ويأتي مشروع "بناء القدرة على الصمود من خلال العمل"، الممول من الحكومة الألمانية عبر بنك التنمية الألماني، كجزء من هذه الرؤية.
ويركّز البرنامج على تمكين المجتمعات في خمس محافظات محررة: نينوى، الأنبار، ديالى، كركوك، وصلاح الدين، من خلال توفير فرص العمل، وتطوير المهارات، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وأشار التقرير، إلى "تدريب أكثر من 5500 شاب وشابة ضمن هذا البرنامج لغاية الآن، في مجالات متعددة، مما يمهّد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً في العراق".