مع أو ضد
بغداد اليوم - بغداد
في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، جاء الاتصال بين رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ليعيد رسم معالم العلاقة بين بغداد وواشنطن وفق معادلة أكثر صرامة.
فقد حمل الاتصال رسائل واضحة، ليست مجرد توصيات دبلوماسية بل التزامات ذات طبيعة إلزامية، كانت بغداد قد تعهدت بها سابقًا لكن دون تنفيذ حقيقي.
التنفيذ فورا
وبحسب السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، فإن هذا الاتصال يعكس تحولًا في نهج الإدارة الأمريكية، حيث لم يعد هناك مجال للتساهل كما كان الحال في عهد الرئيس السابق جو بايدن، بل هناك توقعات صارمة من الرئيس دونالد ترامب لتنفيذ الالتزامات فورًا، خصوصًا فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على إيران والسيطرة على السلاح خارج سلطة الدولة. فهل يستطيع العراق المناورة، أم أن الضغوط الأمريكية ستفرض عليه قرارات حاسمة خلال الفترة المقبلة؟
واشنطن تحسم موقفها: لا مجال للتساهل بعد الآن
أوضح نزار حيدر في حديثه لـ"بغداد اليوم" أن "ما نقله وزير الخارجية الأمريكي للسوداني لم يكن مجرد رسائل دبلوماسية، بل كان بمثابة جدول زمني نهائي لتنفيذ التزامات العراق، خصوصًا في ملفي العقوبات على إيران وحصر السلاح بيد الدولة".
وأكد أن إدارة بايدن كانت قد أظهرت مرونة في التعامل مع العراق بسبب انشغالها بالحروب في أوكرانيا وغزة، إلا أن إدارة ترامب تتبنى نهجًا مختلفًا. وأضاف: "إذا كان الرئيس ترامب لا يجامل أقرب حلفائه مثل كندا وأوروبا، فكيف يمكن للسوداني وقادة الإطار التنسيقي أن يتوقعوا منه التساهل في التزامات العراق؟".
وبحسب مصادر أمريكية، فإن إدارة ترامب ترى أن استمرار العراق في التعامل الاقتصادي مع إيران، خاصة فيما يتعلق بالبترول والغاز والتعاملات المالية، يمثل خرقًا مباشرًا للعقوبات الأمريكية. لذلك، كان وزير الخارجية الأمريكي حازمًا في طلبه من السوداني الالتزام الفوري بهذه التعهدات، ورفض أي مقترح لجدول زمني جديد.
العراق بين مطرقة العقوبات وسندان الأمن القومي
يرى المحلل السياسي الأمريكي مايكل روبن أن الإدارة الأمريكية لن تكتفي بالمطالبات الدبلوماسية، بل ستلجأ إلى وسائل ضغط إضافية إذا استمر العراق في التلكؤ. وفي حديثه لـ"واشنطن بوست"، أشار روبن إلى أن "العقوبات على حركة الدولار والبترول ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي، وإذا فشلت بغداد في ضبط عمليات التهريب وغسيل الأموال، فإن العراق قد يجد نفسه في وضع اقتصادي حرج خلال الأشهر القادمة".
وأكد نزار حيدر أن "إدارة ترامب لن تتردد في فرض عقوبات فردية على مسؤولين عراقيين إذا تبين أنهم يسهلون خرق العقوبات على إيران"، مشيرًا إلى أن الكونغرس يناقش بالفعل مقترحات لتشديد الرقابة على المساعدات المالية المقدمة للعراق والتي بلغت 12 مليار دولار خلال العقد الأخير.
السلاح خارج سلطة الدولة: مواجهة محتملة؟
إلى جانب الملف الاقتصادي، كان ملف السلاح المنفلت حاضراً في الاتصال بين السوداني وروبيو، حيث شددت واشنطن على ضرورة تفكيك الجماعات المسلحة التي نفذت هجمات على منشآت أمريكية خلال السنوات الماضية.
ويقول الباحث الأمني في معهد واشنطن، جون ألترمان، إن "واشنطن تعتبر الجماعات التي نفذت 170 هجومًا على منشآت أمريكية في العراق وسوريا بمثابة تهديد مباشر لأمنها القومي، وإذا لم يتحرك السوداني لضبط هذه الجماعات، فقد تتخذ الولايات المتحدة خطوات أحادية تشمل استهداف هذه الجماعات عسكريًا أو فرض عقوبات مباشرة على قياداتها".
ويبدو أن هذا الموقف يتماهى مع جهود داخل الكونغرس لتشريع قانون جديد قد يضع بعض الكيانات والشخصيات العراقية على قائمة الإرهاب، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد خطير في العلاقة بين بغداد وواشنطن، بحسب مراقبين.
بين الضغوط والتوازن: خيارات العراق الصعبة
في ظل هذه التطورات، يجد العراق نفسه أمام معادلة صعبة: الالتزام بالشروط الأمريكية بشكل كامل قد يجره إلى أزمة داخلية مع بعض القوى السياسية المتحالفة مع إيران، بينما تجاهل هذه الضغوط قد يعرضه لعقوبات قاسية ستؤثر على اقتصاده وأمنه.
ويرى المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، في حديث صحفي، أن "السوداني أمام اختبار حقيقي: إما اتخاذ قرارات جريئة تفك ارتباط العراق بالملفات الإقليمية التي تزعج واشنطن، أو مواجهة ضغوط اقتصادية وأمنية غير مسبوقة".
وفي الوقت الذي تسعى فيه بغداد للحفاظ على علاقات متوازنة مع الجميع، يبدو أن إدارة ترامب لا تعترف بسياسة "الوسط"، بل تفرض سياسة "مع أو ضد"، مما يضع الحكومة العراقية أمام قرارات حاسمة خلال الفترة القادمة.
هل يراهن العراق على الوقت؟
يبدو أن الاتصال الأخير بين السوداني وروبيو لم يكن مجرد محادثة دبلوماسية، بل كان بمثابة إنذار نهائي من واشنطن بضرورة الالتزام بالاتفاقات السابقة. فالعراق اليوم ليس فقط أمام استحقاقات سياسية، بل أمام معادلة إقليمية معقدة قد تجبره على اتخاذ قرارات سريعة وغير محسوبة العواقب.
فهل يستطيع السوداني إيجاد صيغة تضمن عدم انزلاق العراق إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة؟ أم أن العراق مقبل على مرحلة جديدة من الضغوط والعقوبات التي قد تغير شكل المشهد السياسي داخليًا وخارجيًا؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات