شفق نيوز/ في مساء يلفه الدفء وضوء الشموع، تحيي العائلات في محافظة ديالى طقوس “زكريا”، المناسبة التي أصبحت تقليداً سنوياً يمتزج فيه البعد الديني بالثقافة الشعبية، حيث تُقام الموائد وتنتقل بين المنازل وتُضاء الشموع وسط أجواء مليئة بالفرح والابتهال والامنيات.
طقس ديني تحول لموروث شعبي
“زكريا” هو طقس ديني يُحتفى به في أول يوم أحد من شهر شعبان وفق تقاليد عائلية متوارثة، ويرتبط بالنبي زكريا، الذي يرمز إلى الصبر والاستجابة الإلهية للدعاء حينما رزق بطفل من زوجة عاقر في عقده التاسع من العمر.
في ديالى، كما في مختلف مناطق العراق، تحول هذا الطقس إلى عادة اجتماعية تجمع العائلات بمختلف مكوناتها، حيث تُقام مآدب الطعام، وتُوزع الحلوى، ويرتدي الأطفال ملابس تقليدية وسط أجواء من البهجة.
تقول أم محمد وهي مواطنة من مدينة بعقوبة لوكالة شفق نيوز، "نحن نحيي زكريا منذ الصغر، فهو ليس مجرد طقس ديني، بل مناسبة للالتقاء والتراحم ونعتبره عيدٌ مصغر يجمع الأسرة على مائدة واحدة، فأنا لدي 4 بنات متزوجات في مناطق متباعدة وكل عام هذه المناسبة تلم شملهن جميعا.”
أجواء روحانية وموائد عامرة
وتضيف أم محمد أن" التحضيرات تبدأ قبل أيام، حيث تقوم النساء بإعداد أطباق خاصة بهذه المناسبة، مثل المكسرات والزردة والحلويات التقليدية، فيما تُضاء الشموع داخل المنازل، ويعلو صوت الدعاء والتوسل، وفي بعض المناطق يتم توزيع الطعام والحلوى على الجيران والفقراء، في تعبير عن قيم التكافل الاجتماعي".
بدورها قالت مريم الخزرجي وهي مواطنة من بعقوبة إن"من العادات المتوارثة عن زكريا وهي قيام النساء بنذور انها تصوم لمدة 3 أيام وإعداد صينية زكريا كل عام حال رزقت بمولود ذكر لمن تعاني من عدم وتأخر الانجاب او ذريتها من الاناث فقط وأنا أعد صينية زكريا سنويا لأنني رزقت بولدي حسن".
وبينت الخزرجي أن "صينية زكريا تتضمن حلوى وعيدان البخور مع اغصان من أشجار الياس والمكسرات وأباريق من الفخار والمعجنات والدولمة والبرياني وغيرها تجهز جميعها من وقت الغروب وتضاء الشموع ويبدأ الأطفال بقرع الطبول (الدنابك) مع ترديد انشودة (يازكريا عودي عليه، كل سنة وكل عام ننصب صينية)".
وأشارت الخزرجي الى أن"هذه المناسبة تحولت تدريجيا في ديالى الى موروث شعبي حيث نتبادل صحون زكريا بين الجيران كما نضيء شموع امنيات لصديقاتنا ممن يحلمن بالزواج او الرزق بالذرية".
طقوس تقاوم الحداثة
على الرغم من التطورات الاجتماعية والتغيرات الحياتية، لا تزال طقوس زكريا تحافظ على مكانتها في ديالى، حيث يحرص العديد من الشباب على إحيائها بنفس الحماسة التي كانت لدى الأجيال السابقة، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح البعض يشارك صور موائد زكريا عبر الإنترنت، في محاولة للحفاظ على هذا الإرث الثقافي.
ومع تراجع الروابط الاجتماعية في بعض المناطق، يرى البعض أن هذه الطقوس باتت مهددة بالاندثار، خاصة مع انشغال الأجيال الجديدة بأنماط حياة مختلفة.