شفق نيوز/ "صينية زكريا"، تتوسط يوم غد الأحد، منازل العراقيين، في تقليد يمتزج فيه الإيمان بالأمل والموروث، حيث تعود جذوره، إلى طلب النبي زكريا من الله أن يرزقه بطفل وهو في عمر الـ90 عاما، فرزقه بالنبي يحيى، ليتحول هذا الأمر، إلى طقس اجتماعي للعائلات التي لديها أطفال، أو النساء اللواتي لا ينجبن.
وتحمل الدعوات المرافقة لهذه "الصينية" أمنيات متعددة مقرونة بالنذور لكي يستجيب الله لها، وأصبح الاحتفال بها جزءاً من الموروث الثقافي والاجتماعي العراقي.
وهذه "الصينية"، تضم الحلوى ونبات الآس والشموع، فضلاً عن دفوف صغيرة، و(تنكة)، وهي جرة فخارية توضع فيها الشمعة، وتكون على نوعين واحدة للأنثى والأخرى للذكر، وتميز عبر بروز بسيط فيها.
صفا (30 عاما)، وهي أم لطفل أسمته يحيى، تقول لوكالة شفق نيوز، إن "الله رزقني بأبني قبل عامين، بعد أن طلبت منه الطفل في ليلة زكريا، وقلت أن تحقق سأسميه يحيى".
وتضيف أن "صينية زكريا تقليد وموروث اجتماعي وديني، هو نذر قديم كنت ومازلت أحرص على إحيائه كل عام "، مبينة أن "في ليلة زكريا من كل عام ألبس طفلي ثوبًا أبيض، وأصنع الحلويات المعروفة في العراق مثل الزردة وأوقد الشموع وأضع نبات الآس وأدعو الله أن يرزقني طفلًا آخر".
وتؤكد صفا، أن "هذه العادة اكتسبتها من والدتها، ومستمرة عليها رغبة منها في تكرار التجربة الإيمانية وتحقيق مرادها".
صوم البنات
أما أم عبد الله (62 عاما)، فتروي كيفية إحياء هذه العادة أو ما يسمى صوم البنات، وتؤكد في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "الفتيات يصمن يوم زكريا حتى الظهر، ويمتنعن عن الكلام، وبعدها يفطرن".
وتشير أم عبد الله إلى أن "الكثير من النساء يحين هذه العادة السنوية بإيقاد الشموع وتقديم الحلوى، خاصة ممن يرغبن في تحقيق أمنياتهن بطلب الذرية، وأن تحقق مرادهن، فيجب تسمية الطفل زكريا أو إبراهيم أو يحيى، وهذه هي أسماء الأنبياء".
الشورجة تستعد
وبحلول ليلة زكريا، يزداد النشاط التجاري بمنطقة الشورجة، وهي السوق الرئيس في بغداد، حيث تعج بالمتبضعين وأغلبهم من النساء، ويعرض الباعة مختلف المستلزمات التي تتطلبها هذه المناسبة مثل الجرار الفخارية والحلويات والشموع، والمكسرات.
ويقول فاخر ميمون (53 عاما)، صاحب أحد المحال في الشورجة، للوكالة، إن "الإقبال يزداد على السوق لشراء المستلزمات من قبل النساء في ليلة زكريا، واكثر المواد المطلوبة هي الجرار الفخارية والشموع".
ويؤكد: "نحن نجهز بضاعة هذه المناسبة قبل أسبوعين من حلولها، ونرسلها إلى مختلف المحافظات العراقية".
الأسعار
وفيما يخص الأسعار، فيبين البائع حسن طالب (46 عاما)، للوكالة: "نحن نوفر مستلزمات ليلة زكريا بكثرة، ولكن الإقبال المتزايد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار".
وينوه إلى أن "الأسعار ترتفع بشكل طفيف في ليلة زكريا، خاصة وأن بعض المواد تنفد سريعاً بسبب الاقبال الشديد عليها، ومنها الجرار الفخارية".
ويوضح أن "المستهلكين يضعون نبته الآس في الجرار الفخارية، وهذه الجرار تكون على نوعين، النوع الأول من الجرار يكون رأسها مفتوحاً وهذه تقتنيها من ترغب بأن يرزقها الله بنتاً، وأما النوع الثاني من الجرار فتكون على شكل إبريق ويكون رأسها مغلقاً، وهذه تقتنيها من ترغب بأن يرزقها الله بولد في ليلة زكريا".
تجمع "خضر الياس"
وفي هذه الليلة، تتجمع العديد من العائلات قرب مرقد خضر الياس في بغداد، حيث يوقدون على ضفاف نهر دجلة في ليلة زكريا الشموع ويقدمون الحلوى للزائرين.
وأضحت مناسبة "صينية زكريا" تمثل احتفالاً جماعياً مقروناً بالأمل والتفاؤل في تحقيق الأمنيات، فضلاً عن تعميق الروابط الأسرية والتواصل مع الاخرين.
وتؤكد سليمة علوان (59 عاما) لوكالة شفق نيوز، أن "الحر أو البرد لن يحول دون احيائها المناسبة عند خضر الياس".
وتضيف: "الله استجاب لي بمثل هذه الليلة ورزقني بأبنائي وبناتي"، لافتة إلى أن "هذه الليلة تعد من الليالي المباركة، وهي من الليالي التي يستجاب بها الدعاء، وخاصة لطالبي الذرية".
ومع تباين المواقف الدينية من إحياء هذه الليلة، إلا أن "صينية زكريا" أصبحت تقليداً اجتماعياً راسخاً ومتوارثا نقلته الأمهات إلى بناتهن رغبة منهن في استجابة الدعاء، بما يعكس جانبًا من الثقافة العراقية التي تحتفي بمختلف فنونها الأدبية والفنية بالحياة والأمل وتدعو إلى التفاؤل.