آخر الأخبار

دهوك.. التلوث بمخلفات الصرف الصحي يلاحق المياه الجوفية ويهدد المنتجات الزراعية (صور)

شارك الخبر

مصدر الصورة

بغداد اليوم- دهوك

كيفي اسلام (34 سنة) مزارع من محافظة دهوك في أقليم كردستان العراق، يشتكي من تقلص مساحات الأراضي التي يزرعها عاماً بعد آخر مثل عشرات الفلاحين، جراء تلوث المياه التي يعتمدون عليها في السقي، ويقول:"علينا ترك عملنا كلياً او الإعتماد على المياه الملوثة، ليس لدينا خيار آخر". 

اسلام، يملك قطعة أرض زراعية مساحتها دونمان في منطقة (دولبي) جنوب شرقي دهوك، فيها بستان فواكه وحقل لزراعة الخضروات، يؤكد أن المياه التي ترد أرضه فضلاً عن أراض مجاورة في منطقته ومناطق (كفركي ومالطا السفلى وئالوكا وباختمي) من نهر دهوك ومجرى "هشكه روو"، تطرح فيها مياه الصرف الصحي، بما فيها ما يخرج من بعض دورات المياه، والمياه الملوثة بمخلفات المعامل ومحال غسل السيارات والمستشفيات.

التلوث لم يعد مقتصرا على المياه الجارية التي تستخدم في الزراعة، بل امتد للمياه الجوفية في دهوك، بحسب مسؤولين ومختصين، حتى باتت مياه بعض الآبار غير صالحة للاستخدام البشري.

يعتقد المزارع الشاب ان تلك المياه "أثرت سلبا على جودة الأراضي والمحاصيل المنتجة"، وأدت إلى تراجع مستمر في الإنتاجية مع تفشي الأمراض في المزروعات. يقول: "إنها مياه مليئة بالعوالق والملوثات، وتفوح منها روائح كريهة"، مشيرا إلى أنه كان يحصد في السابق نحو سبعة صناديق من التين أسبوعياً في موسم جنيها الممتد لنحو شهرين، لكنه مؤخراً لم يعد يحصد سوى عشرة صناديق أو أقل خلال الموسم بأكمله. 

يشعر بخيبة شديدة جراء ذلك، ويتابع:"هذا ينطبق على ثمار الرمان أيضاً في بستاني، وكذلك الخضار في حقلي. كما ان نوعيتها غير الجيدة تنعكس سلبا على الأسعار، فانتاج هذه الحقول يباع بأسعار منخفضة في السوق مقارنة بغيرها. كل هذا بسبب المياه الملوثة".

تلك المياه الملوثة التي لا تخضع للمعالجة وتطرح في الأنهر، لاتهدد أرض "كيفي" الزراعية فقط، بل يمتد أثرها وفقاً لمتخصصين وناشطين بيئيين إلى المياه الجوفية أيضا، وبالتالي انسحاب ضررها على الصحة العامة لسكان مدينة دهوك والمناطق المجاورة والمحيطة بها والتي يعيش فيها نحو 400 الف انسان. 

هذا التحقيق يكشف مخاطر مياه الصرف الصحي التي تطرحها المنشآت السكنية والصناعية في دهوك، الى الأنهر مباشرة، وما تشكله من تهديد للمياه الجوفية التي تختلط معها، في ظل غياب وحدات معالجة المياه الثقيلة. ويبحث في الحلول الممكنة لمواجهة تلوث المياه بنحو عام. 

مصدر الصورة

مصادر التلوث

المهندس والناشط البيئي كاروان بامرني، ينبه إلى مخاطر مياه الصرف الصحي غير المعالجة على السكان، ويؤكد  ضرورة الاهتمام بمصادر المياه المتنوعة كالأنهار والينابيع والمياه الجوفية ومنع تلوثها، لافتاً إلى أن محافظة دهوك تعد من أغنى محافظات العراق في مصادر المياه.

في ذات الوقت يحذر من القصور في فعالية إدارة هذه المياه، والتوسع غير المدروس في حفر الآبار، وبالتالي خفض كميات المياه الجوفية. ويطالب باتخاذ إجراءات حازمة من قبل الجهات المعنية للمحافظة على كميات المياه الجوفية ونقائها لأهميتها في ضمان الأمن المائي، بما في ذلك الاستفادة من مياه الأمطار من خلال بناء السدود الخاصة بحجز مياه السيول في المناطق السهلية وعلى الأنهر، ضمن ما يعرف بعمليات حصاد المياه.

ويشير بامرني إلى وجود مصادر مختلفة لتلوث المياه، من بينها مياه الصرف الصحي وخزاناتها (القساطل) المرتبطة بدورات المياه، وعن ذلك يقول:"نظام القساطل هذا لايستند إلى أي أسس علمية"، ويوضح: "هي عبارة عن خزانات خرسانية مدفونة تحت الأرض، وأرضياتها تكون ترابية للسماح بالسوائل بالتسرب وبقاء الفضلات". ثم يتساءل:"إلى أين تتسرب مياه الآلاف من هذه القساطل في دهوك؟ طبعا إلى المياه الجوفية!".

ويورد المهندس بامرني، ملاحظات عديدة بشأن "القناة الخرسانية" لنهر دهوك، التي شيدت بطول 4 كيلومتر من منطقة (كه لي دهوك) الممتد من سد دهوك شمالاً ليلتقي بمجرى مياه (هشكه روو) عند نقطة (كانى خشمانا) في وسط المدينة، ويوضح:"توجد على جانبي نهر دهوك ساقيتان تُستخدمان لتصريف المياه من سد دهوك ولري البساتين وتصريف مياه الأمطار. أما في وسط  القناة فيوجد مجرى خرساني، يُستخدم لتصريف مياه الصرف الصحي من المدينة الى مجرى (هشكه روو). ويقول بأن مجموعة من الفلاحين قاموا بمد "أنابيب ماء" من مياه الصرف الصحي تلك الى بساتينهم الواقعة على أطراف المجرى، لسقيها باستخدام المضخات.

وتعد هذه الخطوة مخالفة لتعليمات الصحة، كون تلك المياه ملوثة ولا يجوز استخدامها في سقي حقول الخضروات خاصة انها لا تخضع لأي معالجة "إلا أن الدوائر المعنية لا تتخذ إجراءات ضد المخالفين" يقول بامرني. 

ويلفت إلى أن مدينة دهوك، تحصل على احتياجاتها المائية من مصادر متعددة، أهمها مشروع ماء "خراب ديم" الذي يعتمد على مجرى نهر دجلة شمال غرب المدينة، بالإضافة إلى مصادر أخرى كالتي تزوده بها بحيرة سد دهوك وآبار عديدة في مركز المدينة.

مصدر الصورة

ولا تتمثل مشكلة تلوث المياه فقط بمصادر التلوث المنزلية والصناعية داخل دهوك، بل بالملوثات القادمة من زاخو (50 كلم شمال دهوك) عبر نهر دجلة، لذا يدعو المهندس كاروان إلى إنشاء وحدات معالجة للمخلفات ومياه الصرف الصحي في مدينة زاخو قبل صبها في مجرى نهر الخابور الذي يصب بدوره بنهر دجلة "لأنها تؤثر على مياه بحيرة سد الموصل حيث مشروع ماء خراب ديم الذي يغذي مدينة دهوك".

كما ينبه بامرني الى المخاطر المرتبطة بصرف مياه الصرف الصحي من المساكن في قرية (طرىَ قسروك) إلى سد دهوك، وعد ذلك مصدراً رئيسياً لتلوث مياه السد المغذية للمدينة. ويضيف:"وأيضاً تصريف المياه الناتجة عن المقاهي والمطاعم المحيطة بسد دهوك في منطقة (كه لى دهوك) يفاقم المشكلة، مما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة".

(صور نهر دهوك)

بائع الخضار مهدي محمد محمد (54 سنة)، يملك مخزنا للخضار يعرف شعبياً بـ(العلوة) في منطقة مالطا السفلى بمدينة دهوك، يقول بأنه حريص على عرض أفضل الخضراوات والفواكه "أشتريها حصراً من مزارعين معروف عن بساتينهم أنها تروى بمياه غير ملوثة".

ويؤكد بأن زبائنه يسألونه على الدوام إن كانت المحاصيل التي يبيعها مروية بمياه نظيفة، وبناءً على ذلك فهو لايشتري محاصيل الحقول والبساتين التي تعمد على مياه (هشكه روو). ويضيف:"السوق مليء بها، لكنني لا أجلبها مطلقاً إلى علوتي".

وبناءً على المخاطر الصحية المحتملة وتدني الجودة، تنخفض أسعار تلك المحاصيل، فيقول:"صندوق الجرجير المسقي بالمياه النقية على سبيل المثال يبلغ سعره 10 آلاف دينار، بينما سعر صندوق الجرجير المسقي بمياه هشكه روو الملوثة فيبلغ 7 آلاف دينار".

مخاطر (القساطل)

خبراء في مجال البيئة، يحذرون من مخاطر تشييد خزانات عشوائية لتجميع المياه الثقيلة الناتجة من دورات المياه المنزلية، لأنها تتسرب وفقاً لتأكيداتهم، إلى المياه الجوفية فتلوثها. وشدد الأستاذ الجامعي والخبير في مجال البيئة، إدريس مجيد، على ضرورة "وضع نظام فعّال لمعالجة المياه الثقيلة التي تطرحها المنازل".

ويصف بناء خزاناتها (القساطل) بأنها ممارسات غير مستدامة "لأنها تقام مع ثغرات تؤدي الى تسرب مواد ضارة كالبراز الى الطبقات الأرضية فتشكل بذلك المصدر الرئيس لتلوث المياه الجوفية".

ويقول بأن الدول المتقدمة تعتمد أنظمة حديثة لمعالجة المياه المنزلية الثقيلة تتضمن تمريرها بمراحل متعددة "لتحسين نوعية المياه وبما يحافظ على البيئة".

وينبه الأستاذ الجامعي إلى أن تلوث المياه في دهوك قد وصل إلى الآبار الإرتوازية:"قسم من الآبار القريبة من نهر(هشكه روو) داخل منطقة بروشكي، تم عزلها بسبب زيادة نسبة النترات في مياهها نتيجة اختلاطها مع المياه الملوثة". وهذا ما يستوجب حفر الآبار بمواقع بعيدة قدر الامكان عن المجمعات السكنية وأماكن تربية الحيوانات.

مع انتشار مئات آلاف السكان في المدن والبلدات، واعتماد الطريقة القديمة في بناء القساطل، مع عدم فرض متطلبات بيئية وصحية محددة، يصبح تلوث المياه الجوفية أمراً حتمياً.

يقول مدير الدائرة الغربية في بلدية دهوك المهندس ديار عبد الرحمن، أنه لا توجد شروط قانونية لبناء خزانات جمع مياه المراحيض لمنع تصريف تلك المياه إلى طبقات الأرض بما تحمله من تأثيرات على المياه الجوفية "التعليمات تقضي فقط بأن تبنى داخل الحدود المخصصة للمبنى وان لا تتجاوز ذلك بامتدادها إلى الأرصفة والشوارع". 

أما بالنسبة لبناء وحدات لمعالجة المياه الثقيلة من قبل الأهالي، فيقول انه "لا يتم فرض شيء من هذا القبيل حاليا على مقدمي طلبات تراخيص البناء"، مبينا أن هذا من مسؤولية جهات أخرى مثل دائرة الماء والمجاري والبيئة وفي حال طلبت بإجراءات معينة فسيتم ضمها إلى شروط الترخيص.

مصدر الصورة

صلاح نجمان (64 سنة) مواطن من محلة نزاركي جنوب شرقي مدينة دهوك، يسكن مع اسرته في عمارة سكنية منذ 2011، ويشتكي منذ ذلك الوقت من طريقة تصريف مياه الصرف الصحي:"نحن نعاني من الرائحة الكريهة للمياه الثقيلة التي تخرج من خزانات الصرف ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شارك الخبر

إقرأ أيضا