في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
جنوب لبنان- للمرة الأولى منذ عامين، عاد حسن حمود إلى أرضه في بلدة مرجعيون، يمدّ يده بحذر ليلامس حبات الزيتون التي حرم منها طوال الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان . بخطوات مترددة، يسير بين أغصان أكلتها النيران وأخرى استعادت خضرتها بصعوبة.
يقول حمود بأسى للجزيرة نت "هذا أول موسم نتمكن فيه من قطف الزيتون، العام الماضي لم نستطع الوصول إلى الأرض بسبب خطورة الطرق وتأخر الانسحاب الإسرائيلي، وضاع الموسم علينا".
لكن فرحة العودة لم تكتمل، فالمحصول ضعيف والأشجار التي نجت لم تعد كما كانت، ويضيف "هناك مساحات واسعة احترقت وأشجار زيتون معمرة اقتلعت من جذورها، ما زلنا ندفع ثمن الحرب كل يوم".
من هنا تتكشف صورة أوسع للمعاناة في الجنوب، فليس حسن وحده من يواجه آثار الحرب على الأرض والمحصول، بل يمتد الضرر ليطال كل من عاش في مناطق التماس والشريط الحدودي، حيث الأشجار تحترق والأراضي تتحول إلى رماد.
على تلال كفر شوبا الجنوبية، يكرر الحاج أبو علي مشهد العودة، يمد يده إلى أغصان الزيتون بحذر يشبه المهابة، يربت على أوراقها كما يربت على وطن أنهكته النار والصواريخ، لأول مرة منذ عامين، تطأ قدماه أرضه التي حرم منها، وتعيده الروائح القديمة إلى مواسم مضت، حين كانت القرية تنبض بالحياة.
بين الحقول التي تناثرت فيها بقايا الشظايا، يعود صوت الحياة بخطوات مترددة وثقيلة، على وقع صرير المعاصر ورائحة الزيت الطازج التي تختلط برائحة البارود، يقول أبو علي وهو يجمع حبات الزيتون بين أنقاض الجدران المنهارة "كل زيتونة هنا شاهدة على حرب وصمود، نحن لا نقطف الزيتون فقط بل نقطف البقاء".
ويكمل أبو علي "في كفر شوبا، لا يقتصر الموسم على القطاف بل هو فعل مقاومة صامتة، يعلن أن الأرض التي اشتعلت بالنار ما زالت تُنبت خضرة الحياة".
بينما يتعافى بعض المزارعين، يواجه آخرون تحديات أكبر في مناطق أخرى من الجنوب، كما يروي تيسير قشمر صاحب حقول ومعصرة زيتون في مدينة صور ، ويقول للجزيرة نت إن الإقبال على القطاف ضعيف جدا.
ويضيف "الموسم بشكل عام في منطقتنا ضعيف للغاية هذه السنة، بالكاد يصل إلى 10% من المعتاد، وأغلب أشجار الزيتون في المناطق الواقعة على الشريط الحدودي تضررت أو فقدت بالكامل".
ويعود ضعف الموسم أيضا -وفق قشمر- إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والأوضاع الاقتصادية الصعبة، مما حدّ من قدرة الناس على جني الزيتون، ويكشف أن هذه السنة تُعد الأولى منذ الحرب التي تمكن فيها من جمع الزيتون من حقوله، مشيرا إلى أن العام الماضي حاول بعض الناس قطف ما تبقى على الأشجار، لكن ذلك كان بنسبة ضئيلة جدا.
ويصف أثر القصف الإسرائيلي قائلا "الكثير من الأشجار دمر تماما، ولم يعد هناك زيتون في معظم المنطقة الحدودية، الأشجار الصغيرة احترقت بالنيران، بينما أزيلت المعمرة التي نجت جزئيا". ويختم بتأكيد الصمود والمحاولات المستمرة لإحياء الأرض، "اليوم يحاول الناس إعادة الحياة إلى حقولهم وتجديدها، لكن الظروف لا تزال صعبة".
على الشريط الحدودي، حيث لم يبق شجر ولا حجر، يقف إيهاب مياسي أمام أرضه التي تحولت إلى رماد محدقا في الأفق بعينين تغمرهما الحسرة، يحاول استعادة ملامح بستانه القديم الذي كان يوما يفوح بزهر الزيتون والسنديان، قبل أن تمحو الحرب عشرات السنوات من التعب والجهد.
بصوت يختلط فيه الغضب بالمرارة يقول مياسي للجزيرة نت "لم يبقوا أي شيء، لا سنديان ولا زيتون ولا حجر، دمروا أرضي كلها، قضوا على تعب 50 عاما في لحظة".
تغوص قدماه في التراب المحروق محاولا استدعاء مشاهد المواسم الماضية. اليوم لا يملأ الأفق سوى همس الريح وهي تعبر أطلال الحقول، تروي وحدها قصة جرح مفتوح في الجنوب. ومع ذلك، فإنها أيضا تهمس بصمود الأرض وأهلها، الذين رغم كل ما أصابهم، يعودون ليقطفوا الزيتون، كأن كل ثمرة هي شهادة حياة لا تُمحى.
في جنوب لبنان، يشكل موسم الزيتون جزءا حيويا من حياة المزارعين وأساس رزقهم، إذ يضم الإقليم ما بين 25% و30% من إنتاج الزيتون اللبناني، وفقا لما أكده نقيب المزارعين محمد الحسيني للجزيرة نت. ويشير إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية خلفت أضرارا جسيمة، إذ تعرضت نحو 450 ألف شجرة زيتون للنهب والجرف والحرق والاقتلاع، ونُقلت بعض الأشجار المعمرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويكشف الحسيني أن المزارعين يواجهون مخاطر يومية في محاولتهم الوصول إلى حقولهم، إذ أفادت تقارير باستشهاد بعضهم نتيجة القنابل التي تُلقى عليهم أثناء محاولاتهم الدخول إلى أراضيهم، ويؤكد أن الأضرار تتفاوت بين خسارة كاملة للموسم أو نصفه، وأخرى أكبر ناجمة عن إحراق أشجار الزيتون ب القنابل الفوسفورية المحرمة دوليا.
ووفقا له، حاولت المؤسسة العسكرية اللبنانية بالتعاون مع البلديات والجيش اللبناني وبالتنسيق مع قوات يونيفيل إيجاد آلية لإبلاغ الجانب الإسرائيلي مسبقا بأن المزارعين سيتوجهون لقطاف الزيتون، وفي بعض المناطق نجح الأمر، لكن في مناطق أخرى مُنعوا من الدخول وتعرض بعضهم للمضايقات وإطلاق النار، رغم حصولهم على تصاريح رسمية.
وبخصوص التعويضات والمسح الميداني، يوضح الحسيني أن أي تعويض فعلي لم يُقدم حتى الآن رغم وعود بعض الجهات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والموضوع ما زال قيد المتابعة، والمسوح الدقيقة لم تُنجز بالكامل.
ويلفت إلى أن بعض المناطق اكتفى فيها المزارعون بتقديم طلبات أو استمارات يصرّحون فيها عن حجم الأضرار وقيمتها ونوعها، بينما هناك مناطق أخرى، خاصة القريبة من " الخط الأزرق " وعلى عمق 4 إلى 5 كيلومترات، ما زال الوصول إليها مستحيلا بسبب الحرق والجرف ومنع الاحتلال دخولها، مما يجعل نسبة من الأضرار غير محسوبة بدقة.
وشدد على أهمية زراعة الزيتون في الجنوب، وأكد "تشكل محافظتا الجنوب و النبطية نحو ثلث زراعة الزيتون في البلاد، إذ تشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن أكبر زراعة للزيتون في لبنان كانت 560 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)، أي بحدود 600 كيلومتر مربع من مساحة البلاد تقريبا".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة